البث المباشر

الامام علي(ع) الفاروق الالهي

الأربعاء 30 يناير 2019 - 11:27 بتوقيت طهران

الحلقة 148

كنا فيما مضى مع اشراقات من ولاية الله تعالى وولاية رسوله وولاية الَّذِينَ آمَنُواْ، الذين حددهم القرآن الكريم في مواقع عدة منها انهم يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ولم تنسى الآية التصدق بالخاتم هذه في غير علي بن ابي طالب ومنها آية التطهير النازلة في اصحاب الكساء ومنها آية الاذن الواعية التي قال عنها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «اراد ربي ان يجعلها اذن علي»، وغير هذا وذاك كثير مما يجعل امير المؤمنين علياً (عليه السلام) ولي كل مؤمن ومؤمنة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وتلقي بالضوء الالهي الخاص على علي (عليه السلام) وقد مر بنا ان دائرة الضوء هذه كانت تتسع وتمتد مع حركة الرسالة ويزداد تأكيدها على ولاية علي التي هي امتداد لولاية الله تعالى وولاية الرسول حتى صرح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ان علياً لا يحبه الا مؤمن ولا يبغضه الا منافق فهو اذن الفاروق الاكبر بين الحق والباطل وبين الهدى والنفاق. اتسع الضوء بعد يوم الدار في مكة ليمر في حركته المتسعة ليوم المباهلة ويوم الكساء ويوم سد الابواب الا باب علي ويوم دعوة القرآن الكريم الى مودة ذوي القربى وقرر سهمهم، وجاء يوم تبوك ليعلم النبي منزلة لعلي هي منزلة هارون من موسى بفارق النبوة فأنه لا نبي بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم كان احراق مسجد الضرار كما احرق موسى العجل الذي اشرب بنو اسرائيل محبته.
ان مناقب علي بن ابي طالب (عليه السلام) ومنزلته لم تقف عند تدمير مسجد الضرار فالاحاديث الصحيحة تبين ان دائرة النور حول علي بدأت تتسع بشكل لم يسبق له مثيل بعد تبوك ويبدو والله اعلم ان هناك احداث جرت بعد فشل عملية اغتيال الرسول وثقافة مسجد الضرار فمجموعة التخريب التي تتكون من اثني عشر رجلاً والتي حملت على عاتقها عملية الاغتيال الغاشمة كان من بينهم رجال من قريش والاحداث بعد ذلك تقول ان الامور حول مكة لم تكن تجري على الوضع الطبيعي، فماذا كان يحدث آنذاك؟ من المعروف ان فتح مكة كان في العام الثامن الهجري وفي هذا العام دخل الاسلام مجموعة تسترت بعباءة الاسلام وكان لها الاثر الاكبر في ايجاد الانحرافات التي حصلت في الجسد الاسلامي حفراً نازفة، وبعد فتح مكة وفي العام التاسع كانت ثورة النفاق والتي دبرت حادثة اغتيال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبناء المسجد الضرار، وفي اثر هذه التطورات كان للرسالة الالهية موقفها الحازم من خمة النفاق والشر. قبل نزول سورة براءة كانت سيرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ان لا يقاتل الا من قاتله ولا يحارب الا من حاربه فكان لا يقاتل من تنحى عنه واعتزله حتى نزلت عليه سورة براءة وامره الله تعالى بقتل المشركين، من اعتزله ومن لم يعتزله، الا الذين عاهدهم رسول الله يوم فتح مكة الى مدة ومنهم صفوان بن امية وسهيل بن عمرو، «بَرَاءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ، فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ»، لقد جعلهم في مأمن خلال هذه المدة من الزمن وتركهم بحيث لا يتعرض لهم بشر حتى يختاروا ما يرونه انفع بحالهم من البقاء او الفناء واخبرهم ان الاصلح بحالهم رفض الشرك فأذا انتهت المدة ولم يستقروا على الاصلح فالفناء، «فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ»، ومعلوم ان البراءة بعد العهد لابد ان يكون سببها التعدي من جانب المخلوق والسورة براءة نزلت بعد عودة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من غزوة تبوك سنة تسع من الهجرة وكان الصحابة يسمونها السورة الفاضحة لانها كشفت المخططات ووضعت الجهاز التخريبي في مأزق كما يستفاد من رواية‌ ابن عباس في صحيح مسلم، فعن سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس سورة التوبة قال التوبة، بل هي الفاضحة، مازالت تنزل ومنهم حتى ظنوا ان لا يبقى منا احد الا ذكر فيها، فما هي الاحداث التي ادت الى نزول الوحي بقوله تعالى «كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ» الى قوله عزوجل «قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ».
من المعلوم ان ابا عامر مؤسس مسجد الضرار كان على علاقة وطيدة بمشركي المغرب والمنافقين في كل مكان وقد اتفق مع الجميع على ان يتوجه قيصر الروم الى غزو المدينة وعلى امتداد هذه المساحة جرت محاولة اغتيال الرسول وبناء المسجد الضرار، ويبدو ان هناك مؤامرة اتفق عليها الحاقدون على الاسلام في مكة بعد فتحها وطائفة من المشركين وتيارات النفاق والدليل على هذا ثورة الصد عن سبيل الله التي تحدث القرآن والسنة عنها بعد فتح مكة تلك الثورة التي استخفت وراء جدار صبغ نفسه بلون الاسلام.
ومن الدليل ايضاً ان هذه الثورة استهدفت ايضاً علي بن ابي طالب (عليه السلام) حينما اشاعوا يوم استخلفه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في المدينة عند ذهابه الى تبوك اشاعوا ان النبي تركه مع النساء والصبيان وانه استثقله وتخفف منه، وكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد اخبر مشركي مكة بعد صلح الحديبية ان لهم يوماً من علي بن ابي طالب فأنه سيقاتلهم على تأويل القرآن كما قاتلهم على تتزيله، اجل ان دائرة الحقد على الاسلام كانت تختزن في ذاكرتها ما تخبئه لها الايام وظل اتباع هذه الدائرة يكيدون للرسالة في حياة الرسول وبعد مماته (صلى الله عليه وآله) على هذا الاساس فضلاً عن كراهيتهم القوية للرسالة الالهية، ولما نزلت سورة براءة على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعث بها مع ابي بكر الى المشركين فلما خرج ابوبكر نزل جبرئيل على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا محمد لا يؤدي عنك الا رجل منك فبعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) علي بن ابي طالب في طلب ابي بكر فلحقه بالروحاء واخذ منه الايات فقرأها على الناس في الموسم. ان جهاز علي (عليه السلام) في آيات سورة براءة علاوة على انه لا يؤثر على النبي الا هو كما قال (صلى الله عليه وآله وسلم) «علي مني وانا من علي ولا يؤدي عني الا انا او علي» الا ان هذا يستقيم مع الاحداث حيث ثورة الميثاق واخبار النبي لقريش يوم الحديبية بأن لهم مع علي بن ابي طالب يوماً، روى الترمذي وابن جرير عن الامام علي (عليه السلام) ان النبي قال لهم يومئذ «يا معشر قريش لتنتهن او ليبعثن الله عليكم من يضرب رقابكم بالسيف على الدين قد امتحن الله قلبه للايمان.
قالوا: من هو يا رسول الله؟
قال ابوبكر: من هو يا رسول الله؟
وقال عمر: من هو يا رسول الله؟
قال: هو خاصف النعل وكان قد اعطى علياً نعله يخصفها»، ولهذا كان نعت علي (عليه السلام) بسورة براءة له ابعاد متعددة منها ان اعطاءها لعلي (عليه السلام) بعد ابي بكر هو بمثابة التلويح بالعصا الغليضة.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة