في عالم الغيب اقام الله سبحانه وتعالى حجته على الخلق بميثاق الفطرة لانه تعالى رب كل شيء والفائز من الناس هو من احترم المخزون الفطري وما زوده الله به واتبع الهدى الذي جاءت به الرسل (عليهم السلام)، وما جاء به النبيون من عند ربهم يرشدهم ويهديهم الى الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ الذي ينشط الشيطان بوضع العقبات امام الناس لكي لا يمشوا فيه. تتابع رسل الله (عليهم السلام) ليسدوا منافذ الشيطان وكان على من اراد الفوز بالنجاة ان يقف تحت ولاية الله ورسوله لانها الولاية الوحيدة التي في ظاهرها وفي باطنها الرحمة وتقود من استظل بها الى ساحة القرب يوم القيامة، ومن فضله سبحانه على خلقه انه حذر من اتخاذ الشيطان ولياً ونهى عن مودة اليهود والنصارى لان هذا الطريق بكل ما له من رموز يصب في النهاية في ساحة الخاسرين.
وشرع الله تبارك وتعالى ولاية الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وجعل ولاية الرسول على المؤمنين شرطاً في الايمان بالله، «قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ» ان مقدمة ولاية الرسول هي الحب والحب هو الوسيلة لارتباط كل طالب بمطلوبه ومعنى هذا يا اخي ان الواجب على من يدعي ولاية الله بحبه ان يتبع الرسول لينتهي ذلك الى ولاية الله بحبه، وولاية الله ورسوله اذا كانت في اعمال المؤمنين لا تجعل للمؤمنين حقاً في ان يعتبروا انفسهم اصحاب الاختيار ازاء ما قضى الله ورسوله وكيف يكون المؤمن صاحب اختيار في دائرة وليها الله ورسوله، وللنبي (صلى الله عليه وآله) الولاية في الامة في هدايتهم الى الله والحكم فيهم والقضاء في جميع شؤونهم وله عليهم الاطاعة المطلقة فترجع ولايته الى ولاية الله عزوجل اي ان له (صلى الله عليه وآله وسلم) التقدم عليهم بأفتراض الطاعة لان طاعته طاعة الله وولايته ولاية الله كما يدل عليه ذكر قوله سبحانه «أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ» وقوله «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُّبِينًا».
اجل، ان هذا المعنى من الولاية لله ولرسوله هو الذي تذكره الاية «الَّذِينَ آمَنُوا» في قوله تعالى «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ»، الولاية في هذه الآية هي واحدة هي لله جل جلاله بالاصالة ولرسوله (صلى الله عليه وآله) و«الَّذِينَ آمَنُوا» بالتبع وبأذن منه عزوجل، وعلى هذا فالذين آمنوا الذين يحملون الولاية الالهية لهم شروط تميزهم عن سواهم، في مقدمتها ان يكون منصوصاً عليه الهياً بالطهارة الذاتية من الرجس والدنس وان يكون اهلاً للاطلاع على حقائق القرآن العميقة التي لا يمسها الا المطهرون وان يكون على علم بحقائق القرآن واحكامه فيكون عندئذ اولى الناس برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ورد في كنز العمال عن الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال «ان اولى الناس بالانبياء اعلمهم بما جاء وابه»، ثم تلى قوله تعالى «إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ»وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) «ان للقرآن مناراً كما منار الطريق فما عرفتم فخذوه وما انكرتم فردوه الى عالمه»، ومن شروط المؤمنين الحاملين للولاية الالهية ان تكون فيهم نصوص نبوية تدل على انهم يتمتعون بقوة الشجاعة والعفة والحكمة ذلك ان من يتسم بهذه السمات فأنه يمتلك ملكة العدالة بمعناها الواقعي الاصيل.
ومن اهم الشروط ايضاً ان تكون حركة صاحب الولاية الالهية جزءاً لا يتجزء من حركة الرسالة فأن اخطر اعداء الرسالة هم المنافقون فينبغي ان يكون على علم بحركتهم ولا يتحقق هذا العلم الا بنص قاطع بأنه لا يحبه الا مؤمن ولا يبغضه الا منافق، ان الاخبار الاكيدة الدالة على ان المنافق يبغضه تعني ان النص عليه من عند الله وتعني ان سياسته لواتيح له ممارستها ستكشف جحافل النفاق فاذا قطع الطريق على سياسته فأن النفاق سيشق طريقه الى احتذاء سنن الامم القديمة التي غلب اهل باطلها على اهل الحق فيها، وبكلمة مجملة يجب ان تكون في هذا المؤمن الولي للناس نصوص صريحة صحيحة متفق عليها عند اهل القبلة تبين ان الله تعالى اختاره في مواطن وان رسول الله اعطاه الولاية وان تكون حركته تسير مع اخبار النبي بالغيب عن ربه في خط واحد، بمعنى ان نبي الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد اخبر بأن امته ستسترق وانها ستتبع سنن اليهود والنصارى شبراً بشبر وذراعاً بذراع، وامة اليهود وضعت اول بذور الافتراق يوم اتخذوا العجل وكادوا ان يقتلوا نبي الله هارون، وظل خط العجل يعمل من بعد موسى وهارون (عليهما السلام) واذا كان هذا الشذود سينتقل الى الامة بصورة او بأخرى فلابد ان تكون هناك نصوص قاطعة في ان حركة ولي رسول الله في اول الطريق هي نفسها حركة هارون في اول الطريق، وبهذا يتم التطابق بين امم استخلفها الله لينظر كيف يعملون يتم التطابق بين فعل ولي الله هارون وبين حركة امة فتية اخبر رسولها عن ربه بالغيب انها سائرة على اثر الماضين الا من رحم الله.
ترى من ينطبق علهي عنوان الولاية وفق الشروط المذكورة آنفاً؟ الواقع ان احداً غير علي بن ابي طالب (عليه السلام) لا ينطبق عليه عنوان الولاية في ظل هذه الشروط، فعلي (عليه السلام) فيه نصوص قاطعة، قرآن يفسره حديث وحديث يشهد للحديث الذي فسر القرآن وحركة تاريخ تشهد للحديث وللنص القرآني وامام القرآن والحديث والتاريخ والواقع لا يجد الباحث الا ان يمتلأ ايماناً بهذه الحقيقة وهي ولاية الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام)، انه (عليه السلام) من اهل الكساء الذين انزل الله بهم آية التطهير وهو من الذين باهل بهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نصارى نجران وانه كنفس النبي بل نفسه في نص القرآن وهو اول من صدق بالنبي في بدء بعثته واول من صلى معه، وعلي (عليه السلام) تربى في بيت النبوة وهو اعلم امة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كما ورد في احاديث كثيرة وهو الذي منزلته من النبي منزلة هارون من موسى بفرق النبوة وهو ايضاً اخ رسول الله ووزيره ومستودع سره ومولا كل مؤمن ومؤمنة من بعده، وهذا كله وغيره مما سنأتي عليه في لقاءنا القادم بأذن الله حتى ذلك الحين نستودعكم الله والسلام عليكم.
*******