البث المباشر

من تحف فن حياكة السجاد الشرقي

الخميس 24 يناير 2019 - 17:15 بتوقيت طهران

الحلقة 47

السلام عليكم مستمعينا الاكارم ورحمة الله وبركاته. شهد العالم الاسلامي منذ القرون الاولى ازدهاراً لفن السجاد، تمثلت كبرى مراكزه في ايران ثم في تركيا وقد كانت آسيا الصغرى توازي ايران في مقدار ما تنتجه من السجاد والذي كان يصدر الى شتى الافاق، اما من حيث النوع فلاشك ان بعض انماط السجاد التركي من حقه ان يعد في ابدع السجاجيد الشرقية ذلك ان بلاد الاناضول وفيرة المراعي يجود الصوف في مناخها البارد وارضها الجبلية وعلى مقربة من مراكز النسج فيها مياه خالية من الاملاح يبسل فيها الصوف فتجود صباغته بعد ذلك ومع هذا فأن السجاجيد التركية بوجه عام دون الايرانية‌ في النسج وجمال الالوان والزخرفة، ونسج السجاد قديم في آسيا الصغرى وقد اشار الرحالة ماركو بولو في القرن الثالث عشر الميلادي الى السجاجيد السلجوقية الجميلة في تلك البلاد وكذلك ذكرها ابن بطوطة في القرن الثامن الهجري بل وصل الينا ثلاث سجادات تركية قديمة تعود الى عصر السلاجقة في القرن السابع الهجري وكانت هذه السجاجيد محفوظة في جامع علاء الدين في قونيا ثم نقلت منه الى متحف الاوقاف في اسطنبول والواقع ان ماركو بولو ذكر مدينة قونيا في مقدمة بلاد التركمان او الروم السلاجقة فقال «ان ادق طنافس العالم وابدعها كان ينسج فيها على ايدي السكان الذين كانوا مزيجاً من الترك والارمن واليونان» ويظهر في تلك السجاجيد التركية القديمة التي وصلت الى العصر الحاضر معظم المزايا التي احتفظت بها السجاجيد التركية في العصور التالية ومن هذه المزايا وجود ساحة او ارضية متوسطة في السجادة فيها الرسم الرئيس ويحيط بها اطار او كنار قوامه اشرطة تختلف في العدد والعرض بحسب نوع السجادة، فالساحة تشتمل على رسم هندسي بسيط مكرر او على اشكال صغيرة متعددة الاضلاع مكررة في صفوف ومناطق منظمة، اما الاطار فمتوسط العرض وزخرفته من اشكال هندسية او من حروف كوفية غير مقروءة على النحو الذي عرفه كثير من التحف الاسلامية حين يعمد الفنانون الى استعمال الكتابة الزخرفية فينقلون اطراف كلمات او مقاطع حروفيه ويكررونها من غير رعاية للمعنى، ونسج السجاجيد المذكورة ما يزال غليظاً بعض الغلظ ولكن التنسيق بين الالوان الحمر والزرق والصفر فيها يشهد بمهارة وذوق فني لطيف.
وطبيعي ان زخارفها عليها مسحة من البداوة ولا اثر فيها للرسوم النباتية او رسوم الكائنات الحية ومع انها الاساس الذي اعتمد عليه السجاد التركي في القرون التالية فأن اشبه السجاجيد بها كان ينسج بالاندلس والمغرب في القرنين الثامن والتاسع بعد الهجرة.
اقدم ما هو معروف من السجاجيد التركية بعد هذه المجموعة القديمة يرجع الى القرن التاسع الهجري وقد دخلته رسوم الحيوان والطير ولكنها رسوم بعيدة عن الطبيعة وقوامها خطوط مستقيمة تجعلها مجموعة من الاضلاع والزوايا، وخير مثال على هذه قطعة من سجادة كانت قبل الحرب العالمية الثانية محفوظة في الجناح الاسلامي من متاحف الدولة في برلين واغلب الظن انها ذهبت ضحية الحريق الذي قضى على مجموعة السجاد في المتحف المذكور وفي هذه القطعة‌ منطقتان في كل منهما رسم هندسي لحيوانين خرافيين يتعاركان وحول الرسم اطار من رسوم هندسية بسيطة وما يزال نسج تلك السجادة خشناً، اما ارضيتها فصفراء في حين ان رسوم الحيوانات زرق وحمر، اما زخارف الاطار فحمر وسود ومن المتحف التاريخي في مدينة استوكهولم قطعة من سجادة تشبه رسومها السجادة التي نحن بصددها، كما ان نرى هذه الزخارف على سجادة مصورة في احدى اللوحات الفنية التي رسمها المصور الايطالي بارتولو نحو سنة ۱٤٤۰ للميلاد وهذه اللوحة محفوظة في مدينة‌ سينيا بايطاليا.
الى جوار هذا فأن رسوم بعض السجاجيد التركية قد وصلت الينا مستعملة في الالواح الفنية التي خلقها فنانون هولنديون او ايطاليون فيما بين القرنين الثالث عشر والسادس عشر بعد الميلاد مما يشهد بأن تلك السجاجيد كانت تصدر الى اوربا في زمن اولئك الفنانين، والواقع ان كثيراً من قصور المدن الايطالية وكنائسها القديمة تحتوي حتى الان على تحف ثمينة من السجاد التركي القديم بل ان اكثر ما في متاحف العالم من هذا السجاد انما مصدره تلك الكنائس والقصور والمعروف ان المنطقة الرئيسة لنسج السجاد في تركيا هي الاراضي الواقعة في الاناضول على مسافة غير بعيدة من شاطيء البحر الابيض المتوسط فمن منطقة عشاق وكوردس وقولا وكلها غربي آسيا الصغرى ما تزال تنتج مقداراً كبيراً من السجاجيد التركية، واصبحت ازمير منذ القرن العاشر الهجري قاعدة هامة لتصدير تلك الطنافس الى اوربا حتى نسب اليها ضرب من الطنافس كان يصنع فيها او على قرب منها ولكن جل القائمين على‌ انتاجههم من الجاليات الاجنبية في ازمير وكانوا يشتغلون على رسم زخارفه وتعيين مساحته والاشراف على نسجه بحسب الذوق الاوربي وكانوا يقلدون في زخارفه رسوم السجاجيد الشرقية ولاسيما الايرانية ويلتزمون ابعاداً يعينها اولئك الزبائن وهي توافق حجرات البيوت المعدة لها في اوربا، الملاحظ مع هذا ان منطقة عشاق ما تزال تنتج الى الان طنافس تشبه السجاجيد التركية الاثرية التي كانت تنسج للاوربيين في ازمير فأصبحت المجموعة كلها قديمها وحديثها تنسب الى مدينة عشاق وكادت النسبة الى ازمير تندثر، وليس الطنافس المنسوبة الى عشاق نوعاً واحداً بل هي انواع وتدل صناعتها على انها من فصيلة واحدة واشهر انواع تلك الطنافس سجاجيد كبيرة خشنة النسج تحتوي في وسطها على جامة او صرة بيضية الشكل بوجه عام وفي كل من اركان السجادة ربع جامة اخرى وهذا مما يذكر بالزخارف الايرانية التي عرفها العصر الصفوي في بعض ضروب الطنافس الايرانية وفي بعض الجلود والصفحات المذهبة والالواح القاشانية.
ايها الاخوة، ان تأثر السجاجيد المنسوبة الى عشاق بالطراز الايراني واضح جلي، وفي بعض انواع هذه السجاجيد تتكرر الجامات ويختلف حجمها وتتعدد اجزاءها وتتألف احياناً من رسوم صليبية الشكل او نجمية او متعددة الاضلاع، وتحتوي الجامات واجزاء الجامات وسائر ارض السجادة على رسوم فروع نباتية وزخارف عربية، اما الاطار فمن شريط متوسط العرض بين شريطين ضيقين وفي الشريط الاوسط رسوم فروع نباتية ووريقات شجر وازهار والوان هذه السجاجيد قوي ويغلب ان تكون ارضها حمراء او حمراء قاتمة، اما رسومها فباللون الاصفر والازرق والاخضر، هذا ويرجع اقدم هذه الطنافس الى القرن العاشر الهجري ولكن معظمه من القرنين التاليين وقد جاءت رسومه في اللوحات الفنية التي خلفها بعض الفنانين الاوربيين في هذين القرنين ولاغرابة في تأثر تلك السجاجيد بالزخارف الايرانية فالمعروف ان كثيراً من الفنانين الايرانيين قدموا الى تركيا وعملوا في القصور العثمانية فتلقى عليهم الفنانون الترك كثيراً من اساليب الصناعة والزخرفة ولاسيما في التصوير وصناعة الخزف والقاشاني والسجاد وثمة طنافس منسوبة الى عشاق بعضها للصلاة كما يبدو من الرسم الشبيه بالمحراب في ارضيتها وبعضها سجاجيد صغيرة كانت تصدر الى البلقان وسجاجيد الصلاة المنسوبة الى عشاق نادرة ‌والمشهور منها الان سجادتان الاولى في مجموعة الدكتور علي ابراهيم باشا في القاهرة وكانت الثانية في الجناح الاسلامي من متاحف الدولة في برلين وكلتاهما ترجع الى القرن العاشر الهجري وقوام الزخرفة في التحفتين شريط كبير من رسوم السحب الصينية يشغل النصف السفلي من الساحة الوسطى ينثني ويضيق في ادناه ليضم رسماً هندسياً وفي اركان السجادة والجزء الباقي من ارضها رسوم ازهار وفروع نباتية ووريقات محرفة عن الطبيعة واللون الرئيس في هاتين السجادتين هو الازرق القاتم في الجزء الاكبر من الساحة الوسطى ثم الاحمر والاخضر في الرسوم وفي سائر الساحة ونسجها خشن لكنه لا يقلل من رونق الزخرفة وتناسق الالوان وزهوتها.
ومن السجاجيد التركية نوع ينسب الى تزانسلفانيا وهو يشبه سجاجيد عشاق بعض الشبه وانما ترجع نسبته الى تلك البلاد الا انه كان اكثر الطنافس التركية فيها اذ وجد عدد كبير منه في كنائس المجر ورومانيا حتى ان علماء الفنون الاسلامية رجحوا انه كان يصنع في الاناضول خصيصاً للتصدير الى شمال البلقان وغير هذا وذاك عرف الفن الاسلامي التركي انواعاً اخرى من السجاد تقتضي لقاءاً للحديث عن مزاياها وسماتها الفنية. ودمتم بألف خير والسلام عليكم.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة