بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمد الشاكرين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الأطيبين الأطهرين..
سلام من الله عليكم أعزتنا المستمعين الأكارم ورحمته وبركاته، ها أنتم وحلقة جديدة من برنامجكم القرآني (نهج الحياة) حيث سنتناول فيه، بما تيَسّر،تفسير الآيات الرابعة والثلاثين حتى السابعة والثلاثين من سورة غافر المباركة حيث نبتدئ على بركة الله باستماع الآية الرابعة والثلاثين:
وَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءكُم بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ{34}
أيها الأفاضل.. قلنا في الحلقة الماضية بأن مؤمن آل فرعون الذي كان قريباً لفرعون وبلاطه، استخدم شتى الأساليب للحيلولة دون المخطط لقتل موسى (ع)، ففي هذه الآية، نرى بأنه أشار الى تاريخ النبي يوسف (ع) ويقول:
كان يوسف أحد أنبياء الله تعالى ولم يمضي بيننا وبينه كثيرا من الزمن، ورغم أنه كان لديه براهين وأدلة كثيرة لإثبات نبوته إلا أن الناس رفضوا قوله بريب وشك وحجج واهية، في حين كانت أدلته واضحة ومقبولة.
كما توقعوا بأن لا يرسل الله رسولاً آخر بعد موته، لكي يتمكنوا من الإستمرار في استجابة أهوائهم النفسية وغيرها من الأفعال المهينة وأن لا يعترض عليهم أحداً.
فمن الطبيعي أن هؤلاء الناس، لا يريدون سماع وقبول كلام الحق، بل هم متبعون لأهوائهم ومطامعهم وبهذا يحرمون أنفسهم من الهداية الإلهية، فهذه السلوك وهذا التعامل مع الأنبياء وتعاليمهم الذي ينبثق من الإفراط في الشك والريب، يسبب ضلال الإنسان.
فمن الواضح، عزيزي المستمع، بأن الشك والريب، هو من العقل، لكن لا ينبغي أن نبقى في حالة الشك والريب أو سوء الظن بلا سبب، لأن هذا سوف يصل بنا الى وسواس فكري وعملي ويمنع نموّنا ورقينا.
تعلمنا هذه الآية:
أولاً: السلوك والمعتقدات واتجاهات الأسلاف، سوف تؤثر على الأجيال بعدهم، فيمكن معرفة الإتجاهات والمعتقدات لدى الأجيال المستقبلة (فلهذا خاطب مؤمن آل فرعون قومه قائلاً: إن كنتم لا تؤمنون اليوم بموسى فإنكم سالفاً لم تؤمنوا بيوسف أيضاً)
ثانياً: إذا تسبب الشك والريب للبحث والتأمل، فلا بأس به، لكن إذا استمر وتسبب في الركود وسوء الظن، فحينذاك يعتبر آفة للبشر.
ثالثاً: الضلال في الدنيا والآخرة، هو جزاء من وقف أمام منطق الأنبياء الواضح واختلفوا معهم، دون سبب ولأجل أهوائهم ورغباتهم وشهواتهم النفسية.
والآن أيها الأكارم نستمع واياكم الى تلاوة الآية الخامسة والثلاثين من سورة غافر:
الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ{35}
في تتمة الآيات السابقة، تعرف هذه الآية الذين يفرطون في الشك والترديد ولا يقبلون أي كلام حق حيث يقول عزوجل: هؤلاء الناس يريدون الجدل وهدفهم فقط المجادلة وليس الفهم وقبول الحق.
لهذا عندما يقال لهم أي شيء، يرفضونه دون أن يتفكروا فيه ودون أن يكون لهم دليل واضح، فأمثال هؤلاء يسعون عند المناقشة والمجادلة بأن يبينوا أنفسهم من أهل العقل والمنطق، لكن في واقع الأمر لديهم تكبر وعناد، فلذلك أي دليل يؤتى لهم، يرفضونه بحجج واهية.
فالجدال بالباطل أمام آيات الله، عزيزي المستمع، لها آثار سيئة للغاية من جملتها ضلال الفرد المجادل، لأن العناد أمام الحق، هي غشاوة مظلمة أمام فكر الإنسان وتسلب منه قدرة تمييز الصواب عن الخطأ.
أحبتنا الأفاضل.. تعلمنا هذه الآيات أولاً: المناقشة والجدل هي إحدى طرق الكلام والمناظرة العلمية، لكن لمن يبحث عن الحقيقة، لا للذي يتكلم دون دليل ومنطق ويرد كلام الناس من منطلق التكبر والعناد.
وثانياً: لا ينبغي لأهل الإيمان أن يكونوا أهلاً للجدال دون منطق، بل يجب أن يتكلموا بسلاح المنطق والعقل بحيث يفهم الآخرون إن لم يتكلموا دون دليل أو منطق فليس لهم أي مكانة عند هؤلاء المؤمنين.
والآن إخوة الإيمان نستمع وإياكم إلى تلاوة الآيتين السادسة والثلاثين والسابعة والثلاثين من سورة غافر المباركة:
وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ{36} أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِباً وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ{37}
أيها الأكارم.. كما بينت الآيات الماضية، في تلك البرهة الحساسة من الزمن، عمل مؤمن آل فرعون عملاً مهماً جداً وسعى بشتى الطرق أن يؤثر على الجميع، وبالتالي أثرت كلماته على فرعون وزلزلت عزمه على قتله موسى (ع). لهذا قرر فرعون أن يؤجل قتل موسى.
مع ذلك لن ينزل فرعون من مركب غروره، فبدأ بفعلة جديدة وأمر أن يبنى صرحاً عالياً ليصعد به الى السماء لكي يأتي بخبر من إله موسى، فمن الطبيعي أن عمله هذا فقط لأجل إغواء الناس لأن موسى لم يدعي بأن إلهه في السماوات أو قابل للرؤيا أو اللمس، حتى يمكن مشاهدته أو سماع صوته عند الوقوف على مرتفع.
فرعون وبأفعاله هذه، أراد أن يؤثر على الناس وأن يبعد أذهان الناس عن موضوع نبوة موسى وأن يحول دون مساعدتهم موسى في رسالته هذه.
ففي الواقع، أحبتنا الكرام، كانت استخدام هذه الطرق الغوائية من افعال فرعون البشعة، فبلا ريب التكبر والغرور والأنانية هي المصادر الأصلية لإنحراف فرعون فمن هذا المنطلق كان يرى فرعون أعماله هذه جميلة في نظره. فتسبب هذا الأمر بأن يضل عن سواء السبيل وتحبط مخططاته وأن يهلك.
تعلمنا هاتين الآيتين أولاً: الذين لا يملكون الدليل والمنطق، يسعون بأن يغيروا الأجواء بصالحهم عبر أعمال غوغائية.
ثانياً: إحدى أساليب الحكومات الظالمة والطاغية على تحميل أفكارهم على الناس والسلطة الأكثر عليهم هو التظاهر بالقوة وإغواء الناس.
ثالثاً: الغرور والتكبر يسببان بأن الإنسان يرى أعماله القبيحة، بصورة جميلة وأن لا يسعى لإصلاح نفسه.
رابعاً: لطالما الطواغيت يمنعون أهل الإيمان عن حركتهم في مسيرهم الصواب، لكن لو استقاموا المؤمنون في طريق الحق، في النهاية سينتصرون ولا يزيد الظالمين الا خسراناً مبيناً.
إخوة الإيمان.. بهذا وصلنا وإياكم الى ختام هذه الحلقة من برنامج (نهج الحياة) فحتى لقاء آخر نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.