المذيع: في الحلقة الماضية كان الحديث حول إبداع الشاعر الايراني نظامي في الشعر القصصيّ، ولا سيما في قصة مجنون ليلى، إذ راينا أنه أوّل من ابتدع هذا الاسلوب الشعري القصصي الصوفيّ. واليوم نريد أن نتحدث عن بقية الشعراء الايرانيين الذين نظموا قصة مجنون ليلى شعراً فمن هم ما هي محاولاتهم؟
خبير البرنامج: بسم الله الرحمن الرحيم. (تحية).
أما عن الشعراء الايرانيين الذين نظموا هذه القصة، كما ذكرنا اسماءهم في الحلقة الماضية، فهم نظامي وسعدي الشيرازي، وأمير خسرو الدهلوي والشاعر الصوفي الجامي، وهاتفي.
ونبدأ اليوم بسعدي الشيرازي هذا الشاعر الحكيم الذي شاع ذكره في العالم، وهو ثالث الثلاثة من الشعراء الايرانيين الذين أطلق عليهم اسم أنبياء الشعر الفارسي ـ كما عبّر الشاعر الجامي عنهم في كتابه بهارستان اذ يقول:
در شعر سه كس بيغمبرانند
هرچند كه لانبّي بعدي
أوصاف وقصيده وغزل را
فردوسي وأنوري وسعدي
المعنى: ثلاثة هم أنبياء الشعر ـ وإن قال الرسول (ص) (لانبيّ بعدي)
وهم في الوصف والقصيدة والغزل، فردوسي وانوري، وسعدي
المذيع: وكيف تناول سعدي القصة؟
خبير البرنامج: خصّص سعدي لموضوع ليلى والمجنون قطعتين في كتابيه، بستان وكلستان اي روضة الورد، فالقطعة الأولى، ترجمتها:
قال رجل للمجنون، أيها المجنون الطيب الاثر، ماذا حدث لك حتى لم تعد تحضر إلى الحيّ، هل برحت سورة العشق رأسك وزايلك خيالها، فلا يبقى في قلبها لك من حبّ.
*******
واليكم القطعة الفارسية وقد نقلتها الى العربية شعراً:
بالفارسي:
بمجنون كسي گفت كاي نيك پي
چه بودت كه ديگر نيائي بحي؟
بالعربي:
سأل المجنون بعض السائلين
لم لا تحضر في الحي لحين
مگر در سرت شور ليلى نماند
خيالت دگر گشت وميلى نماند؟
هل نسيت الحبّ أم أن الخيال
زاغ عن ليلاك يا هذا وزال
چو بشنيد بيچاره، بگريست زار
كه اي خواجه دستم زدامن بدار
فبكى المجنون من هذا الكلام
كفّ عني قال: يا هذا الملام
مرا خود دلي دردمند است وريش
تو نيزم نمك بر جراحت مريش
إن قلبي موجع مضني جريح
لا تزد للجرح ملحاً يا مليح
نه دوري دليل صبوري بود
كه بسيار دوري ضروري بود
ليس هذا البعد سلوان الحبيب
علّ في الهجر دواء كالطبيب
بگفت اي وفادار فرخنده خوي
پيامي كه داري به ليلى بگوي
قال يا أوفى محبّ في الخصال
هل لليلى من سلام أو مقال
بگفتا مبر نام من پيش دوست
كه حيف است نام من آنجا كه اوست
قال لا تذكرني عند الرفيق
ان ذكري لحبيبي لا يليق
*******
المذيع: وهل من مجال لذكر القطعة الثانية، فما أجمل الاولى؟
خبير البرنامج: في القطعة الثانية التي جاء بها سعدي في كتابه (گلستان) أن أحد الملوك سمع حديث ليلى والمجنون وكيف اضطربت حاله وأفلت من يده زمام اختياره وهجر الناس وسكن الفيافي على الرغم مما هو عليه من كمال في الفضل والبلاغة. فأمرالملك باحضار المجنون، وأخذ الملك يلومه قائلاً: ماذا رأيت من خلل في شرف الانسان حتى تطبعت بخلق الحيوان وفضلت ترك عيش الآدميين؟ فصاح المجنون منتحباً:
(وربّ صديق لامني في ودادها ألم يردها يوماً فيوضح لي عذري)
وهذا البيت من شعر سعدي بالعربية، ونحن إذا قارناً هذا البيت بالبيتين التاليين ديوان المجنون نجد التشابه في اللفظ والمعنى والوزن والقافية:
فقالوا:
ولم هذا؟ فقلت من الهوى
فقالوا لحاك الله، قلت اسمعوا عذري
ألم تعرفوا وجهاً لليلى شعاعه
إذا برزت يغني عن الشمس والبدر
*******
وأراد الملك أن يرى ليلى عن قربٍ فأمر بطلبها، فأحضروها تأمّل الملك في شكلها، فرأى امرأة شديدة السمرة نحيلة وأدرك المجنون بفراسته مامّر بخاطر الملك فقال له: يا أيها الملك يجب أن تنظر إلى ليلى من محاجر عين المجنون. وهذا معناه الفارسي:
اگر در ديده مجنون نشيني
بغير از خوبي ليلى نبيني
ومن هذا الموجز نقرأ نظرة سعدي الصوفية لقصة مجنون ليلى وأنه ينظر لليلى بقدسية كأنّ جمال الخالق قد تجلى بها.
المذيع: وهذه القطعة جميلة ايضا، فمن هو شاعرنا الآخر الذي عالج هذه القصة شعراً فارسياً ايضاً؟
خبير البرنامج: شاعرنا الثالث في هذه الحلبة. هو الشاعر التركي الاصل الهندي المولد والنشأة أمير خسرو الدهلوي، الذي هرب والده في فترة غزو جنكيز خان المغولي، من بلخ إلى الهند وقد ولد امير خسرو في الهند وكان في تلك الفقرة وفي عصر احتلال الغزنويين للهند قد انتشرت اللغة الفارسية ايّ انتشار فكانت لغة أدب وكتابة وكان أبرع شعرائنا هناك هو امير خسرو الدهلوي وكان يحذو حذو الشعراء الايرانيين، لا سيما، صناعي ونظامي وخاقاني وسعدي، وكان كثير الاعجاب بسعدي، وكانت تربطه به صداقة متينة. حتى أنّ سعدي رحل لزيارته من فارس إلى دهلي وكان خسرو يعد نفسه أحد تلاميذ سعدي.
*******
المذيع: وكيف كان أسلوبه في نظم مجنون ليلى؟
خبير البرنامج: يتضّح لنا أنّه اختصر كثيراً من الاخبار المروة في الادب العربي، واضاف كثيراً من خياله وحرّف كثيراً من الاخبار التاريخية عن حقيقتها، فمثلاً لم يتحدّث الشاعر عن زواج ليلى بورد ولكن جعل قيساً هو الذي يتزوج. وجعل ليلى تموت قبل قيس وهي عذراء حين أبلغت كذباًأن مجنون قد مات، ويموت المجنون على أثرها. أما الخواطر الصوفية في المنظومة قليلةوالشاعر يبدو شاعراً فذاً. وقدنخصص له حلقة من برنامجنا هذا لدوره الحساس في الادب الفارسي في الهند.
المذيع: شاعرنا الرابع لعلّه الجامّي، أليس كذلك؟
خبير البرنامج: نعم، هو نور الدين عبد الرحمن الجامي ولد في جام وهي من أعمال هرات عام ۸۱۷ هجري والجامي، من أشعر أبناء زمانه في الادب الفارسي وكان شاعراًحكيماًعارفاً، وكان طيلة حياته موضع تقدير من رجال عصره وحكامه. له ثلاثة دواوين من الشعر الوجداني وسبع مثنويات، يطلق عليها اسم (هفت اورنگ) والاورنگ هو التاج، وهذه المنظومات السبع هي:
۱ ـ سلسلة الذهب وهي مقطوعات قصيرة يعالج فيها مسائل فلسفية ودينية وخلقية.
۲ ـ قصة سلامان وأبسال، هي قصة حبٍّ صوفي يصف صراع النفس ضدا الهوى وقد يكون لنا موقف مع قصة سلامان وأبسال، لأن لها جذوراًفي التاريخ.
۳ ـ تحفة الاحرار من الشعرا التعليمي ذي الصبغة الفلسفية.
٤ ـ سبحة الابرار وهي مثل تحقة الاحرار.
٥ـ قصة يوسف وزليخا.
٦ ـ قصة مجنون ليلى.
۷ ـ خرد نامه اسكندري (تعقل الاسكندر) وهي سلسلة محاورات فلسفية بين الاسكندر الاكبر و علماء الاغريق (اليونان).
*******
المذيع: هذا عن حياة الجامي وآثاره، وماذا عن اسلوبه ونهجه في نظم قصة مجنون ليلى؟
خبير البرنامج: لا شك أن الجامي قد تأثر في نظم قصته بالنظامي وامير خسرو الدهلوي وقد اعترف هو نفسه في مقدمة القصة. وكان تأثرّه بخسرو اقل كثيراً من تأثره بنظامي.
اما تأثره بنظامي فقد ظهر واضحاً في تلك الصبغة الصوفية وقد بلغت عند الجامي اقصاها، ولم يكن الجامي مجرد رواية يحكي للقاريء أخبار ليلى والمجنون، بل كان مفكراً يحاول أن ينفذ من وراء الحوادت إلى نفسية الابطال وقد ساق كثيراً من آراء التصوف على لسان المجنون. وفي هذه القصة فصل عنوانه: قد وجد المجنون طريق الحقيقة أوضح فيه أن الحبّ الانساني طريق للحبّ الالهى.
المذيع: وشاعرنا الأخير هو....
خبير البرنامج: هاتفي، هو عبد الله هاتفي بن أخت عبدالرحمن الجامي وكان شاعراً مجيداً في نظم المثنوي بعد خاله وله على نمط مؤلفات خاله (هفت منظر) وكان خاله عبد الرحمن صاحب (هفت پيكر) ولكنه اي هاتفي كان متأثراً بنظامي اكثر من تأثره بخاله الجامي، ومن جملة ما جاء به من جديد في نظمه لقصة ليلى والمجنون أنّ قيساً منذ طفولته لم يكن يستريح مع مربيته فهو دائم البكاء وهي لا قدري سبباً لبكاءه، حتى حملته يوماً امرأة حسناء بارعة الجمال، فكفّ عن البكاء، وصاح منهللاً مسروراً وتعلق بها، ولم يرد أن يعود إلى أحضان مربيته فعرف القوم أنه إنما يسترح إلى الوجه الجميل والصوت الجميل وتنبأ كل من عرفه أنه سيجن من الحبّ حين يكبر.
*******