أخت الرضا قد شدت الرحال في خشوع
وانطلقت بموكب التسليم والاشواق والدموع
في كبد وغربة تسير... الى الرضا المسير
امامها ليس له نصير... في كبد وغربة تسير
تغربت لتنصر الامام والتهليل والتكبير
اخت الرضا... زائرة المولى الاجل... صبح الازل
جاءت تزور.. لكنما حل الاجل... وسط الطريق
سبحانه عزوجل... اسرى بها قبل الوصول الى المزور
فجاءها المزور... يزورها في طورها.. في خير طور
*******
السلام عليك يا من جعل الله مودتك وسيلة من وسائل الفوز برضاه، وجعل شفاعتك وسيلة للفوز بالجنة لما لك عند الله من الشأن، السلام عليك يا فاطمة بنت موسى ورحمة الله وبركاته.
لقد مرت الذرية الطاهرة لرسول الله صلى الله عليه وآله في ظروف صعبة عصيبة ومحن وبلايا ... جعلتهم يتسترون على انفسهم من السلطات الجائرة، فانعزلوا عن المجتمعات والمحافل العامة، خشية بطش أعدائهم، وحذراً من الفتك بهم والوقيعة بحياتهم، وايداعهم السجون الرهيبة والمعتقلات المظلمة والزنزانات المعدة تحت الأرض ... فعاشوا مشردين مطاردين، مشتتين في أرجاء الارض لا يستقر بهم مكان، حتى انتشروا في البقاع النائية، ثم كان من المؤرخين ونقلة الحوادث والاخبار اهمال عجيب، فلم يعرفوا كم كان عدد أبناء الامام الكاظم عليه السلام مثلاً، ولا كيفية معيشتهم وكيف انتهت حياتهم ... بل لم يسجلوا الكثير الكثير من حياة الائمة أبناء رسول الله صلى الله عليه وآله، فيما ألفت عشرات المجلدات حول مجالس المجون التي عقدها الحكام الأمويون وحكام بني العباس ... هذا في الوقت الذي كان الامام موسى الكاظم سلام الله عليه يقضي سنوات عمره الاخيرة في غياهب السجون وظلم المطامير، وهو حفيد المصطفى والمرتضى وفاطمة الزهراء سلام الله عليهم، والرجل العابد العالم ومنار هذه الامة ومرجعها ومفزعها. يسجن، لتبقى الامة في حيرة من أمرها، وتبقى عائلته الكريمة تعيش اليتم ولوعة الفراق والشوق للأب الرحيم.
وفي تلك العائلة العلوية الشريفة كريمة اهل البيت فاطمة المعصومة بنت الامام الكاظم عليه السلام، التي فتحت عينيها الطاهرتين الصغيرتين على الحرمان، فلم تجد أباها في البيت فسألت عنه فأخبرت انه في سجون طاغية عصره هارون الرشيد، فبكت طويلاً وانتظرت طويلاً.. علها تحظى بلقاء سويعة معه، ولكن الخبر جاء ليقتل آمالها، أن أباها أخرج من السجن جنازةً غريبةً ألقيت على جسر بغداد ينادى عليها بذل الاستخفاف، هذا امام الرافضة فاعرفوه. هذا بعد ان دس له السندي بن شاهك سماً قاتلاً بأمر من هارون.
وتحمل الجنازة المظلومة من قبل أربعة حمالين، ثم من جماعة من الشيعة غير آمنين، لتدفن غريبةً في مقابر قريش في جانب الكرخ من بغداد ... بعيداً عن الاهل والوطن، وكان ذلك قد كابدته فاطمة المعصومة مع اهلها وعانته في مقتبل عمرها الشريف وهي لم تتجاوز العاشرة من سني حياتها.
لا يخفى علينا ايها الاخوة الاعزة أن النبي المصطفى صلى الله عليه وآله هو أكرم الخلق على الله «تبارك وتعالى»، وقد أكرمه بأن اجرى المعجزات والفضائل والمناقب على يديه الشريفتين، وأن جعل لذريته الطيبة شأنا من الشأن فجرت على أيديهم الكرامات تدل على شرفهم ومقامهم عند الله عزوجل، فسما قدرهم بين الناس، بعد أن عرفوا أن اهل البيت هم الوجهاء عند الله، فتوسل الناس بهم لدى الله جل وعلا في طلب الحوائج ومغفرة الذنوب ونيل الاماني النبيلة، اذ جعلهم الله ابواباً مرضيةً عنده، فهم اولياؤه وأحباؤه، وهو تعالي لحبه لهم يحب من يحبهم ويقدسهم، ويلجأ الى كنفهم وحماهم.
روى احد الفضلاء، أن السيد محمد الرضوي - وكان أحد خدام الحرم الشريف للسيدة فاطمة المعصومة- قال: كنت ذات ليلة نائما فرأيت في عالم الرؤيا السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام تأمرني قائلة: قم وأنر منارات الحرم. وكان قد بقي لأذان الصبح اربع ساعات، مما جعلني أغط في نوم عميق مرةً اخرى ... واذا بالسيدة المعصومة تأتيني للمرة الثانية وتأمرني بنفس الأمر، فارجع فانام ... فتأتيني المرة الثالثة تصيح بي غاضبة: الم أأمرك بإنارة المنارات؟!
يقول السيد محمد الرضوي: فنهضت مسرعاً وأسرجت الضياء منفذاً أمر سيدتي، وكانت تلك الليلة باردةً شديدة البرودة، وقد غمرت الثلوح الأبنية والأزقة والطرق جميعاً، فألبستها ثياباً بيضاً.
وفي اليوم التالي وانا واقف عند باب الحرم الشريف سمعت جماعةً من الزوار يتحدثون فيما بينهم، ويقول أحدهم للأخر: كيف نشكر السيدة المعصومة على حسن ضيافتها معنا ليلة البارحة؟!
انه لو تأخرت اضاءة المنائر دقائق اخرى لكنا من الهالكين. من ذلك تبين أن هولاء كانوا قد ضيعوا الطريق وهم قادمون الى مدينة «قم» المقدسة، لانغمار الطرق بالثلوج التي أخفت كل أثر لها، فلم يستطيعوا تشخيص اتجاه البلدة ، فتاهوا وسط الثلوج وأشرفوا على الهلاك.
وعندما أضيئت المنائر بأمر السيدة المعصومة فاطمة عليها السلام عرف هؤلاء الطريق الى البلدة فاتجهوا نحو الحرم الشريف ونجوا من هلاك محقق تحت وطأة الثلوج والبرد القارس.
وقد سجل الشعراء في اشعارهم ظهور الكرامات الالهية ببركة التوسل اليه بهذه السيدة المحمدية الجليلة فقال احدهم ضمن قصيدة في مدحها:
قبرها صار موئلاً وملاذاً
وبها كل معسر يتيسر
والكرامات لا تعد وتحصى
وبها صفو كل عيش مكدر
كأبيها باب الحوائج تقضى
عندها كل حاجة تتعسر
عمها المجتبى امام كريم
وعطاياه لا تحد وتحصر
وهي تدعى «كريمة» دون شك
وعلى فضلها الكريمة تشكر
وتتوالى الكرامات على الناس بتوسلاتهم الى الله عزوجل بالعبدة الطاهرة والسيدة العلوية الجليلة فاطمة المعصومة عليها السلام، وبجاهها وكرامتها عند الله عزوجل قضيت مئات الحوائج وآلافها، حتى اشتهر ذلك عند الخواص والعوام وشاع بين الأجيال، ودونت مئات الحوادث والوقائع بشهودها توكد ذلك وتوثقه، فزاد ذلك في ايمان الناس وتمسكهم بالولاء لمحمد وآل محمد صلوات الله عليه وعليهم واصبح لمدينة(قم) قداستها الخاصة، ولأهلها حالتهم الولائية الخاصة...
ومن قبل ذلك اخبر الامام جعفر الصادق عليه السلام فقال: تربة «قم» مقدسة، وأهلها منا ونحن منهم، لا يريدهم جبار بسوء الا عجلت عقوبته... وقال عليه السلام قم بلدنا وبلد شيعتنا، مطهرة مقدسة قبلت ولايتنا أهل البيت، لا يريدهم احد بسوء الا عجلت عقوبته ما لم يخونوا اخوانهم ... اما انهم انصار قائمنا ورعاة حقنا.
ثم رفع عليه السلام رأسه المبارك الى السماء وقال: اللهم اعصمهم من كل فتنة ونجهم من كل هلكة.
مستمعينا الاعزاء رزقنا الله واياكم خالص توحيده بالتمسك بولاية اوليائه والتخلق باخلاقهم واقتفاء آثارهم والتأسي بسيرتهم والنجاة من الفتن بذلك انه سميع مجيب.
الى موعد لقاءنا المقبل نستودعكم الله بكل خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******