ضمن سلسلة إجراءات يتّبعها الاحتلال الإسرائيلي للتّغطية على جرائم التّطهير العرقي والإخلاء التعسّفي اللذين يمارسهما بحقّ الفلسطنيين في القدس المحتلّة، قرَّرت محكمة للاحتلال إرجاء البتّ في قضية ترحيل عائلات من حي بطن الهوى في بلدة سلوان في البلدة القديمة، وذلك على غرار ما حدث في قضية حي الشيخ جرّاح.
ممارسات كيان الاحتلال المستمرّة، من هدم المنازل، أو إخلائها بهدف الاستيلاء عليها داخل أحياء القدس القديمة، تعبّر عن مدى إصرار الاحتلال على تطبيق أهدافه في تهويد القدس المحتلة، والسيطرة عليها، وطمس هويّتيها الوطنية والدينية.
6 أحياء في سلوان مهدَّدة بالإخلاء
بلدة سلوان المهدَّدة أحياؤها بالإخلاء، تقع إلى الجنوب والجنوب الشرقي من المسجد الأقصى، وتُعدّ من أكبر البلدات الفلسطينية مساحةً وأقدمها، وأكثرها قرباً إلى المسجد، إذ لا يفصل بينه وبين مدخلها الشمالي (حيّ وادي حلوة) إلا سورُ القدس الجنوبي.
كما تقوم بلدة سلوان على سلسلة منحدرات تفصل بينها عدة أودية، أهمها وادي حلوة ووادي الربابة ووادي ياصول. ومن أحيائها أيضاً حي البستان، وعين اللوزة، وبطن الهوى، وكلّها أحياء مهدَّدة بالإخلاء التعسّفي.
الزّحف الاستيطاني في حي وادي حلوة، الّذي يسكنه نحو 6 آلاف مقدسي، ويقع قرب الأسوار الجنوبية للمسجد الأقصى، هو ليس بالجديد. فمنذ تسعينيات الفرن الماضي وسلطات الاحتلال الإسرائيلي تخطّط من أجل السيطرة عليه، بسبب قربه إلى المسجد الأقصى وحائط البراق، والبلدة القديمة.
أمّا حي البستان (1550 نسمة)، وحي وادي الربابة (ألف نسمة)، وحي وادي ياصول (ألف نسمة)، فهي أحياء مهدَّدة بالإزالة لمصلحة إقامة حدائق إسرائيلية.
وتترقب 86 عائلة فلسطينية في بلدة سلوان المقدسية، القرار النهائي للمحكمة في القدس المحتلة حيال طلبات الاستئناف التي تقدّمت بها 7 عائلات، رفضاً لإخلاء 100 من منازل حيّ بطن الهوى، تضمّ نحو 800 شخص.
يواجه أهالي حي بطن الهوى في بلدة سلوان، خطر الإخلاء والتهجير، وذلك بعد أن سمحت المحكمة العليا الإسرائيلية لجمعية "عطيرت كوهنيم" الاستيطانية، بالاستمرار في طرد 800 فلسطيني، بزعم أن "منازلهم بُنيت على أرض امتلكها يهود" قبل نكبة الشعب الفلسطيني عام 1948، على الرغم من إقرار هيئة القضاة بأن إجراءات المنظمة في الاستيلاء على الأرض شابتها عيوبٌ، وأثارت أسئلة بشأن قانونية نقل الأرض إلى الجمعية الصهيونية.
هويّة جمعيات "عطيرت كوهنيم" و"إلعاد" الاستيطانية؟
جمعية "عطيرت كوهنيم" تُعتبر ذراع "إسرائيل" غير الرسمية، والمسؤولة عن تهويد البلدة القديمة في شرقي القدس ومحيطها. هذه المنظمة تضع في رأس أولوياتها ضمانَ تحقيق تفوّق ديمغرافي لليهود في البلدة القديمة من القدس المحتلة، إذ تؤمن بأنه "ليس للفلسطينيين أيُّ حق في هذه المنطقة، وإنّما هي فقط لليهود".
ومن أجل تحقيق أهدافها، تستخدم هذه المنظمة الاستيطانية عدّة طرائق للاستيلاء على منازل في القدس المحتلّة، منها المطالبة بعقارات وممتلكات تزعم أنّها "يهودية مهجورة منذ عام 1948"، وكذلك استخدام قانون أملاك الغائبين في حال ثبت أن مالك البيت الفلسطينيّ يعيش في "دولة معادية"، وفق التعريف الإسرائيلي (أي الفلسطينيين الذين قامت قوات الاحتلال بتهجيرهم)، فتُجْلي السكان الفلسطينيين المستأجرين من البيت وتستولي عليه.
غير أنّ ممارستها لا تقتصر فقط على سلب منازل الفلسطينيين، بل تستمرّ في عملية التضييق على حياة المقدسيين، وذلك من خلال "رقصهم وأداء صلواتهم التلمودية في محيط المنازل المستولى عليها".
جمعية "عطيرت كوهنيم" ليست الجمعية الوحيدة التي ترعى الأعمال الاستيطانية في القدس المحتلة، فتوجد أيضاً جمعية "إلعاد" الاستيطانية، وهي تُعتبر من أغنى الجمعيات في فلسطين المحتلة. وتشرف على نحو 70 بؤرة استيطانية في سلوان، تقع أغلبيتها في منطقة وادي حلوة، وتموِّل الحفريات الإسرائيلية في المنطقة، وتصادر الأراضي وتحولها إلى "حدائق توراتية".
ومن أجل التصدّي لمحاولات تهجير سكان البلدة والاستيلاء على منازلهم لمصلحة جمعيات استيطانية، نصَبَ الأهالي خيمة تضامن فيها، ودعوا أبناء الشعب الفلسطيني إلى مؤازرتهم كي لا يتكرر سيناريو تهويد البلدة عبر طرد الأهالي من منازلهم، كما سبق أن حدث في حيّ الشيخ جرّاح.
قرار إخلاء منازل الفلسطينيين في حيّ الشيخ جرّاح المقدسي أدّى إلى تدخّل فصائل المقاومة في غزة نُصرةً للقدس المحتلة، الأمر الذي تسبَّب بمواجهة عسكرية وعدوان إسرائيلي استهدف القطاع 11 يوماً، خرجت منه "إسرائيل" بهزيمة واضحة، بحسب محلّليها العسكريين والسياسيين. ونتيجة ذلك، لا تزال حكومة الاحتلال تؤجِّل قرار البتّ في قضية ترحيل عائلات من حي بطن الهوى في بلدة سلوان، وحي الشّيخ جرّاح، في محاولة لتهدئة الهبّة الشّعبية المناصرة للقدس، لتعود بعد ذلك إلى تنفيذ إجراءاتها بحق الفلسطينيين المهدَّدين بإخلاء منازلهم.
إلاّ أنّ المقاومة في فلسطين فرضت معادلات جديدة خلال معركة "سيف القدس"، وهي أنّ أي محاولة للمساس بالمقدَّسات والمنازل في القدس المحتلة، هي محاولة لفتح حرب جديدة. والمعادلات هنا، لا تتعلق بالمقاومة الفلسطينية فقط، فلقد بات محور المقاومة بأكمله يتحدث عن حربٍ إقليمية دفاعاً عن القدس المحتلة، في حال المساس بها.