هذه الوثيقة، التي تركز على تعزيز تعاون القطاع الخاص ودور إيران في برنامج الاستثمار والبنية التحتية الصيني ومشروع طريق الحرير الجديد (حزام واحد-طريق واحد)، أثارت مؤخرًا رد فعل الرئيس الأمريكي جو بايدن.
بايدن ورداً على سؤال أحد الصحفيين الذي قال "هل أنت قلق بشأن الشراكة الإيرانية الصينية؟" أجاب: "أنا قلق بشأن هذا منذ عام".
الإتفاقية الاستراتيجية التي مدتها 25 عامًا بين إيران والصين، والتي نشرت في وسائل الإعلام العام الماضي، حدَّدت خططًا لتوريد النفط الخام الإيراني على المدى الطويل إلى الصين، فضلاً عن الاستثمار في البنية التحتية للنفط والغاز والبتروكيماويات والطاقة المتجددة والنووية، وفي ذلك الوقت، استخدمه المراقبون السياسيون ووسائل الإعلام الأمريكية كحدث لانتقاد سياسات الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب.
وفقًا للمراقبين السياسيين، فإن سياسات ترامب تجاه إيران، والمعروفة باسم استراتيجية الضغط الأقصى، قد قرَّبت بين طهران وبكين ودفعت إيران إلى توقيع وثيقة تعاون استراتيجي مدتها 25 عامًا مع الصين.
ومع ذلك، فإن السؤال المطروح الآن هو، ما سبب قلق مسؤولي إدارة بايدن وباحثي العلاقات الدولية الأمريكية بشأن هذه الصفقة، ووصفها بأنها تهديد للمصالح الوطنية لواشنطن؟
طموح الولايات المتحدة إلى استعادة الهيمنة، والشعور بالقلق إزاء عدم توازن القوى في غرب آسيا
في جميع السنوات التي تلت الحرب الباردة(1991)، بنت الولايات المتحدة استراتيجية سياستها الخارجية الأساسية على الحفاظ على هيمنتها في الساحة الدولية، ولعب دور القيادي في النظام الدولي.
وعلى الرغم من أن جورج دبليو بوش الأب قد أعلن عن هذه الإستراتيجية في أوائل التسعينيات كعقيدة "النظام العالمي الجديد"، فقد تم إضعافها بشدة في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، لكن الاستراتيجيين الأمريكيين في مختلف الإدارات، سواء كانت ديمقراطيةً أو جمهوريةً، ركزوا على إبقاء الولايات المتحدة القوة "الأولى" في العالم.
وعلى مدى العقد الماضي، أشار الاستراتيجيون الأمريكيون صراحةً إلى الصين باعتبارها اللاعب الأكثر أهميةً في تحدي دور القيادة والهيمنة لواشنطن في النظام الدولي.
ونتيجةً لذلك، رأينا استراتيجية "التحوُّل شرقاً" في جهاز السياسة الخارجية للولايات المتحدة، في إدارات باراك أوباما ودونالد ترامب وجو بايدن.
وبعبارة أدق، من وجهة نظر الأمريكيين، من أجل الحفاظ على هيمنتهم العالمية من خلال إعادة النظر في سياستهم الخارجية، يجب عليهم تحويل تركيزهم من منطقة غرب آسيا وأوروبا الغربية إلى تقييد الصين واحتوائها في شرق آسيا.
وكانت هذه المخاوف بحيث أن عدد موظفي قسم الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأمريكي في إدارة بايدن بات محدوداً، وأن الموظفين في قسم شرق آسيا والصين قد ازداد عددهم بشكل ملحوظ.
وبالنظر إلى هذه المخاوف في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، يمكن الآن قراءة إبرام اتفاقية إستراتيجية مدتها 25 عامًا بين إيران والصين، كخصمين للولايات المتحدة في النظام العالمي، على أنه تحدٍ رئيسي للبيت الأبيض على مستويين.
على المستوى الأول، تنظر الولايات المتحدة إلى التحالف بين دول مثل إيران والصين وروسيا على أنه تحالف شرقي ضدها. في الواقع، إن نمط الصداقة بين خصوم أمريكا العالميين يذكِّر بالكتلتين الشرقية والغربية.
وعلى المستوى الثاني، إن التعاون بين إيران والصين، والذي له أبعاد عسكرية وأمنية أيضاً، من وجهة نظر الأمريكيين، يمكن أن يكون عاملاً لإخلال ميزان القوى على حساب هذا البلد على مستوى منطقة غرب آسيا.
لأن توقيع مثل هذا الاتفاق في نظر الأطراف المتنافسة لطهران، سيزيد من القوة العسكرية لإيران، ونتيجةً لذلك، يجب على الولايات المتحدة إما سد فجوة القوة الحالية بالنسبة لهم، أو ستتجه الدول الأخرى نحو التعاون وتوقيع اتفاقيات مماثلة مع الصين أيضاً. وهذا الاتجاه هو بالتأكيد ضد المصالح الوطنية للولايات المتحدة وسيجر الصين إلى الشرق الأوسط كقوة عظمى.
خروج إيران من عزلة العقوبات الأمريكية وعدم فاعلية سياسة العقوبات
مصدر القلق الآخر لإدارة بايدن والاستراتيجيين الأمريكيين بشأن وثيقة التعاون الإيراني الصيني التي تبلغ مدتها 25 عامًا، هو عدم فعالية سياسة العقوبات الأمريكية ضد إيران.
في الواقع، استخدم الأمريكيون سياسة العقوبات كأداة للضغط على إيران في أوقات مختلفة، لكن اتفاقية التعاون الآن بين إيران والصين يمكن أن تبطل هذه السياسة كوسيلة للحصول على تنازلات من طهران.
في الحقيقة، مع التصديق على هذا العقد المكون من 18 صفحة، ستستثمر الصين في البنوك والاتصالات والموانئ والسكك الحديدية ومئات المشاريع الأخرى. كما تشمل البنود الأخرى إنشاء قواعد عسكرية وأمنية للتعاون الثنائي، في التدريب والبحث المشترك وتطوير الأسلحة.
علاوةً على ذلك، سيدخل التعاون بين إيران والصين في مجال الطاقة أيضًا مرحلةً استراتيجيةً، بحيث أن صادرات طهران إلى بكين سيكون لها نوع من الضمان التنفيذي. هذا في وقت تعدّ فيه الصين أكبر مستورد للنفط، حيث اشترت أكثر من 10 ملايين برميل يوميًا العام الماضي.
إن شراء الصين للنفط الإيراني سيخرج طهران حتماً من الضغط التجاري، وبالتالي الضغط السياسي. وهذا الوضع لن يكون في صالح واشنطن إطلاقا؛ لأنه في حال وجود أي مفاوضات محتملة بين إيران والغرب، سيكون لطهران أقل اهتمام بمسألة العقوبات، وستدخل في أي حوار من موقع أعلى.
المصدر: الوقت