برأيكم، ما هو أساس ومنطق ضرورة رفع الحظر الذي طرحه الإمام الخامنئي؟
قال سماحته جملة دقيقة جداً للمتابعين وأهل الخبرة. ما هذه الجملة؟ قال: "لسنا في عجلة من أمرنا لعودة أمريكا إلى الاتفاق النووي". ما يهمنا هو رفع الحظر وليس الاتفاق بحدّ ذاته. لأن الاتفاق كان وسيلة لرفع الحظر. كان الهدف رفع الحظر. وقال بصراحة أنه ينبغي رفع الحظر. وهذا الأمر يختلف عن إيقاف الحظر أو تعليقه. هذا ما طالب به سماحته منذ البداية بشأن الاتفاق النووي. فنحن لم نذهب لعقد الاتفاق، لوضع القيود على أنفسنا في أنشطتنا النووية مثلاً. وإذا تم القبول بها، فمن أجل رفع الحظر. أمّا أن تأتي لتقييد الأنشطة النووية السلمية، فهذا أمر غير مقبول. كما أنّه أمر صعب على البلد. لكن لماذا قبلوا به؟ من أجل رفع سلسلة من إجراءات الحظر.
حقيقة أن قائد الثورة الإسلامية قال إنّنا لسنا في عجلة من أمرنا؛ هو أنّ سماحته يرى هذا الأفق. من الواضح ما هي نهاية هذا الممر الذي يُفتح. ما الشيء الذي يرسمه؟ والأفق الذي ينظر إليه؟ يريد أن يأخذك إلى طريق مُظلم وغامض ولا نهاية له، يأخذ منك نقداً ويقرضك وعداً. وليس واضحاً إذا كان قرضاً.
إذا بقي الحظر، ثم عادوا إلى الاتفاق وقالوا إننا لدينا آلية الزناد (فض النزاع) مرة أخرى؛ أي إذا أردنا أن نُرجع خمسة قرارات مثلاً، فهذا أكثر ضرراً. وهذا هو الغرض من رفع الحظر.
الخطر الآخر الذي قد ينشأ هنا هو أن الجانب الأمريكي سيتخذ إجراءات صُوَريّة لرفع الحظر، ويقول على سبيل المثال، أن هؤلاء الأشخاص قد أُزيلوا من قائمة الحظر. كيف ينبغي أن تكون الخطوات الجادّة والعملية والملموسة لأمريكا من أجل رفع الحظر؟
أولاً، يجب رفع جميع إجراءات الحظر، لأننا نعتقد أن هذا الحظر جائر وخطأ. هم أنفسهم يقولون إن ترامب شخص عير متّزن وغبي حيث قام بهذه الأشياء، لذا يجب عليهم رفعها كافةً. من الواضح أن هناك نوعان مهمان من الحظر، أحدهما الحظر المصرفي والآخر هو الحظر النفطي.
لقد رأيتم، ليس فقط الأمريكيين، بل الأوروبيين الذين زعموا أننا لا نؤيد ترامب، فقد أصدر مجلس العلاقات الخارجية بياناً مثيراً للاهتمام. يحدد المسار بدقة، وهذا ما لفت إليه قائد الثورة الإسلامية. ويقول إن إيران يجب أن تفي بجميع التزاماتها مرة أخرى، على سبيل المثال، تقليص تخصيبها إلى ثلاثة بالمائة، والتوقف عن الخطوات التي قامت بها والعودة إلى التزاماتها. وماذا سيفعلون بعد ذلك؟ يقول: في المقابل، إن أمريكا يجب أن توفر إطاراً موثوقاً لشراء المنتجات اللازمة من أجل كوفييد 19!
السؤال التالي يتعلق بالإجراء الأخير الذي اتخذه مجلس الشورى الإسلامي والحكومة لتقليص بعض التزامات الاتفاق. ما هو تحليلكم وتقييمكم لهذا الإجراء وآثاره؟
هذا قرار منطقي وعقلاني للغاية. في أي اتفاق، إذا لم يفِ الطرف المقابل بجزء من التزامه، فإن اقتضاء العقل يكون في عدم إيفائك بجزء من الالتزام. الآن، ماذا لو قام الطرف المقابل بقلب الطاولة من الأساس وخرج من الاتفاق.
مع العلم أنّه، في المادتين 36 و 26 من الاتفاق هناك نقطة مفادها أنه إذا لم يفِ الطرف المقابل، فيمكن لإيران أن تقول: يحق لي أن أتوقف كليّاً أو جزئياً عن التزاماتي. ولقد توقفنا هنا بشكل جزئي وليس كليّاً. حتى في هذا القرار، لم يوقف مجلس الشورى الإسلامي الالتزامات بشكل كليّ. ولو أوقفها، فسيكون منطقياً وصائباً أيضاً، لأن الطرف الآخر لم يفعل شيئاً.
في النص الذي تم كتابته وطرحه للحصول على موافقة مشروطة للاتفاق النووي، وضع قائد الثورة الإسلامية شروطاً لتنفيذ الالتزامات، والتي لم يتم تنفيذ بعضها عملياً، وفي الواقع كانت هناك إشكالات في هذا الخصوص. الآن، إذا وضعنا "تجربة الاتفاق" أمامنا وأردنا العمل في إطارها، فما هي خارطة طريق البلاد في هذه القضية؟ على سبيل المثال، كيف يجب أن نطبّق مسألة "الالتزام مقابل الالتزام"؟
من المهم جداً ألا نُكرّر تجربة خاطئة. لقد كانت فائدة الاتفاق عدم الوثوق بأمريكا، وانعدام الثقة في القوى العظمى مثل الأوروبيين، وأننا رأينا أنّ أيّاً منهم لم يكن لديه وفاء بالتزاماته.
المسألة هي أنه في النمط الذي نتبعه، إذا كانت لدينا تجربة مريرة، فلا ندع لهذا أن يحدث مرّة أخرى. وأما سؤالكم: ما هو الإجراء الذي يجب علينا فعله؟ نعم، إنّ مسألة رفع الحظر هي مطلبنا وغايتنا التي يجب أن نعبّر عنها ونسعى لتحقيقها.
لكن دعني أعطيك مثالاً. عندما اندلعت الثورة، أراد العدو إعاقة شعبنا، وبالمناسبة، كان الخيار الأول الذي استخدمه هو الخيار العسكري. لقد فعل كل ما في وسعه، لكن لماذا لم يعد يجرؤ على الذهاب للخيار العسكري بعد عدة سنوات؟ لأن شعبنا عطّل ذلك الخيار العسكري بمقاومته، وأدرك العدو أنه لم يعد له هذا التأثير. اليوم، عندما اتخذ العدو أداة الحظر، ونقول إنّه يجب رفع الحظر، فإن رفع الحظر هذا له خطوة أكبر، وهي أن نقوم بتعطيل تأثيره، ولا نسمح له باستخدام أداة الحظر من الأساس.
أو على سبيل المثال، أحد الأمور التي كان العدو يطرحها هو حظر البنزين. الآن نحن من أكبر منتجي النفط في العالم، والعدو يقول إنه يريد حظر البنزين. لأننا في ذلك الوقت كنا نستورد البنزين وكان العدو يعلم أن البنزين قضية مهمة في حياة الناس اليومية، فلذلك كانوا يثيرون مسألة حظر البنزين بشكل منتظم. حسناً، حظر البنزين هو أيضاً حظر فعّال. لماذا لا يثيرونها اليوم؟ لماذا خرجت عن الطاولة في تلك السنوات، وحتى في ذلك الحين في عهد أوباما؟ لأن إيران صارت منتجة، بل مصدرة للبنزين. ذهب شبابنا إلى مصفاة نجمة في الخليج الفارسي وقاموا بخطوة كبيرة فأصبحنا من المصدرين للبنزين اليوم. وهكذا يصير الحظر غير فعّال.
أو في قضية كورونا مثلاً، كان شعبنا شاهداً بأن هؤلاء قد بدأوا بالألاعيب منذ البداية. ولكنهم تفاجأوا، بشعب يمكنه أن ينتج كلٌّ من كمامته وأجهزة فحصه ولقاحه الخاص. لذلك لم يعد بإمكانهم الاستفادة من هذه الأداة.
يوجد حوالي 200 دولة في العالم. ومن قال أن هذا العالم هو أمريكا فقط وبعض الدول الأوروبية؟ فنحن لدينا 15 دولة في جوارنا فقط، ووارداتها ما يقارب التريليون دولار، وهي سوق جاهزة ومناسبة لنا، في الحقيقة إن معظمهم بحاجة إلى الكثير من منتجاتنا.
بالمناسبة، يجب أن نؤكّد على التفاعل البنّاء والمكثّف مع العالم، والعالم لا ينحصر في أمريكا وبعض الدول الأوروبية. ويجب أن نعوض عن هذا الضعف.
والسؤال الأخير، كيف تنظرون إلى وجهة نظر قائد الثورة الإسلامية في موضوع الدبلوماسية والتفاوض والعلاقات مع العالم؟
لقد أكّد قائد الثورة الإسلامية مراراً أن هذا التفاعل البناء والواسع هو مبدأ مهم ومسألة مهمة وضرورة، ويجب القيام بذلك. وبالمناسبة، إذا كان بإمكاننا الحصول على علاقات بناءة وواسعة النطاق مع العالم، فسيكون ذلك أحد الطرق لجعل هذا الحظر غير فعّال. عندها لن يشعر أحد أن كل شيء في أيديه، وأنه إذا لم يكن لديك علاقات معه، فإن خياراتك الأخرى تكون محدودة مثلاً. لا، إنّ خياراتنا كثيرة جداً. فمن الأشياء الموجودة هنا الآن، على سبيل المثال، أن الصين قوة عظمى في العالم اليوم، ورئيسها يقول لإيران إنني على استعداد لإقامة علاقات استراتيجية معكم، ويقدّم عروض في مختلف المجالات الاقتصادية، لذا فهذه فرصة أخرى. لدينا العديد من الفُرص. وكذلك روسيا نفسها أو جيراننا أيضاً. لو استخدمنا هذا لأعاد الطرف الآخر حساباته. وكان ليقول: حسناً، الآن لأفترض أنني أقوم بالضغوطات القصوى، فسيتم تفريغها من الجانب الآخر، لأن إيران مثلاً تقوم بسدّ بعض احتياجاتها أو صادراتها مع طرف آخر.
وفي ختام حديثنا، نذكر الشهيد العظيم الحاج قاسم. كانت إحدى قضاياه هي أنه عندما ننظر إلى الميدان، نجد أنه ليس كما يقال على الإطلاق، نجد مدى ضعفهم وهشاشتهم، ومدى قوتنا. هذا هو الحال في سائر المجالات أيضاً. وفي المجالات الاقتصادية والدبلوماسية والسياسية أيضاً؛ إنّهم أضعف مما يظهرون أنفسهم عليه.