وُلد الشاعر والفيلسوف الباكستاني "محمد إقبال" بن محمد نور بن محمد رفيق، في 9 نوفمبر 1877م (3 ذي القعدة 1284هـ)، بمدينة سيالكوت، بمقاطعة البنجاب، بالهند، بحسب ما أكّده ابنه “جاويد”. ينتهي نسبه إلى براهمة كشمير الهندوس، وقد أسلم أحد أجداده في عهد السلطان زين العابدين إلياس بادشاه، على يد الشيخ شاه همداني، أحد مشايخ الصوفية في عهد الدولة المغولية.
نشأ مع والدَين صالحين تقيّيَن، وتعلّم على يد أبيه في طفولته، ثم ألحقه بكتّاب ليحفظ القرآن، وعَهِد به إلى أستاذه "مير حسن" الذي أدّبه وعلّمه الدين والعربية والفارسية، وأدخله مدرسة دينية ثم ألحقه بمدرسة الإرسالية الإسكاشيّة الإنجليزية، وتخرّج من كليّتها (1895م)، ثم حصل على شهادة (.B.A) من الكلية الحكومية في لاهور (1897م)، وفي (1901م) نشر أول قصيدة له بمجلة «مخزن» بالفارسية، وفي (1902م) حصل على شهادة (.M.A) في الفلسفة بامتياز، وعيّن أستاذا للفلسفة والتاريخ بالكلية الشرقية في لاهور.
سافر إلى بريطانيا والتحق بكلية التثليث بجامعة كامبريدج، كطالب أبحاث (1905م)، ثم حصل على الدكتوراة في الفلسفة من جامعة ميونخ الألمانية (1908م)، وعاد إلى الهند واشتغل بالمحاماة.
في عام (1919م) انتُخب عميدًا لكلية الدراسات الشرقية بلاهور، وبعدها بأربعة أعوام حاول حاكم بنجاب الإنجليزي استمالته بمنحه لقب سير (1923م)، ولم تفلح المحاولة ولكن بقي معه اللقب.
وفي عام (1927م) انتُخب «إقبال» عضوًا برلمانيًا عن إقليم البنجاب، ثم انتُخب رئيسًا للاجتماع السنوي لحزب الرابطة الإسلامية في "إله أباد" (1930م). بعدها بعام (1930م)، اشترك في مؤتمر الطاولة المستديرة في لندن، وزار القدس ضمن ضيوف المؤتمر الإسلامي المنعقد هناك، وزار إسبانيا وألقى بها محاضرات في الفن الإسلامي، وزار إيطاليا والتقاه «موسوليني». وفي (1933م) زار أفغانستان بدعوة من السلطان نادر خان ملك أفغانستان.
بعدها بعام (1934م) وبسبب ظروف مرضه اضطر للانقطاع عن عمله في المحاماة، ومع ذلك تمّ انتخابه رئيسًا لفرع الرابطة الإسلامية في بنجاب (1935م). وفي عام (1937م) منحته جامعة «إله أباد» الدكتوراة الفخرية في الآداب، وحصل على الدكتوراة أيضًا من الجامعة العثمانية بحيدر أباد، قبل أن يلبّي نداء ربّه في العام التالي (21 أبريل 1938م)، ويُدفن في جانب فناء المسجد الجامع «شاهي مسجد»، في لاهور.
من الشائع أنّ الفلسفة الإسلامية انتهَت بموت ابن رُشد، غير أنّ التوجّه الذي تبنّاه محمّد إقبال في تجديد منهج دراسة الفلسفة الإسلامية انطلاقا من التراث الإسلامي، يشكّل إعادة إنشاء لامتدادٍ واضح المعالم للدرس الفلسفي الإسلامي.
غير أنّ التوجّه الذي تبنّاه محمّد إقبال في تجديد منهج دراسة الفلسفة الإسلامية انطلاقا من التراث الإسلامي، وتطبيقه لهذه المنهج على بعض المواضيع التي اختارها، يشكّل إعادة إنشاء لامتدادٍ واضح المعالم للدرس الفلسفي الإسلامي. وقد صرّح إقبال بهذا مبكرًا في كتابه «تجديد الفكر الديني في الإسلام» بقوله (إنني أحاول بناء الفلسفة الدينية الإسلامية بناءً جديدًا، آخذًا بعين الاعتبار: المأثور من فلسفة الإسلام، إلى جانب ما جرى على المعرفة الإسلامية من تطوّر في نواحيها المختلفة، واللحظة الراهنة مناسبة كل المناسبة لعملٍ كهذا). وقد أجرى إقبال خطوات منهجه ذاك على النحو التالي:
أولا: اختار موضوعات محدّدة تمثّل نظريات متميّزة في تاريخ الفلسفة الإسلامية القديمة (مثل: نظرية الجوهر الفرد، ونظرية ختام النبوة، ونظرية إثبات وجود الله، وفكرة الاجتهاد، وفكرة الزمان، والتجربة الدينية والصوفية).
ثانيًا: أعاد تناولها بأسلوب علمي معاصر، يقوم على تحليلها تحليلًا نقديًا صارمًا، واستبعد ما بها من عناصر ضعيفة أو متهافتة، مع التركيز على على ما فيها من عناصر القوة والحيوية.
ثالثًا: قارنها بما توصّل إليه الفكر الأوربي الحديث من نتائج؛ حتى تظهر قيمتها الإنسانية والعالَمية.
تكمن أهمية هذا المنهج في تحديده لأولويات البحث، ونقطة البداية، والمنطلقات الأساسية، وأدوات التعاطي مع المعرفة، ومع العلوم الإنسانية الحديثة، ووسائل اكتشاف البؤر المضيئة في التراث، ومدى الإفادة يصفه من عناصره الحيّة، ودمجها بمكاسب المعارف الجديدة، وتوليفها في هندسة معرفية متناسقة الأجزاء. هذا المنهج «أعطى للمسلمين الثقة في تراثهم القديم، وخاصة عندما اكتشفوا أنه يضاهي – في بعض نظرياته التي ظلّت مطمورة- أحدث النظريات العلمية التي توصلت إليها أوروبا في العصر الحديث»، على حدّ تعبير د. حامد طاهر.
وقد قام إقبال بتطبيق هذا المنهج في دراسته لجميع التطوّرات ومحالاوت التجديد والإحياء في العالم الإسلامي، ابتداءً من شاه ولي الله الدهلوي ومحمد بن عبد الوهاب، وانتهاءً بالأفغاني ومحمد عبده وبقيّة دعاة الإصلاح بالهند والعالَم الإسلامي، وتوصّل إلى ضرورة رفع الغشاء عن الوجه الحقيقي للفكر الإسلامي، وإعادة بناء إنسانية الإنسان، وتحصيل المعارف الحديثة.
كانت النظرة الشائعة لإسهامات الفلاسفة الشيعة في الفلسفة الإسلامية، أنها نوعٌ من علم الكلام المذهبي الخاص بالإمامية الإثنا عشرية، ما يعني عدم الحاجة إلى التعاطي معها ممّن ينتمي إلى الخلفية السُنّيّة.
على خلاف هذه النظرة الشائعة، فقد استوعب إقبال إسهامات بعض الفلاسفة الشيعة الإحيائيين، مثل محمد باقر الاسترآبادي (مير داماد)، وصدر الدين الشيرازي (ملا صدرا)، وأفاد من مقولات الشيرازي على وجه الخصوص. وقادته مقولات الشيرازي عن الحركة الجوهرية إلى التساؤل حول أساس الحركة في بناء الإسلام، وتوصّل إلى الإجابة بأن هذا الأساس أو المبدأ هو «الاجتهاد»، الذي اعتبره ضرورة لتحقيق النهوض بالأمة الإسلامية.
كما وظّفها في نقد مذهب التكرار الأبدي عند الفيلسوف الألماني نيتشه، واصفًا هذا المذهب بأنه «ضربة قاضية لميل الإنسان إلى العمل، وتؤدّي إلى تراخي ما في الروح من تحفّز".
ما الفن عند إقبال؟!
يرى إقبال أن الفن هو "البحث عن الجمال" (ديوان ضرب كليم "عصا موسى")، والفنون خادمة للحياة والشخصية، تقوم بقوّة النفس التي أنشأتها، وقوّة إيحائها، وقوة تأثيرها في الطبيعة والإنسان، و"الفن الجميل الوحيد هو الفن الذي يسمو بالروح، ويلهم الشجاعة، ويوحي بالأمل، ويعلّم العيش في شرف"(ديوان رسالة المشرق) ومقصد الفن هو "تقوية النفس والتعبير عن نفس قوية لا تحاكي الطبيعة ولا تقلّد غيرها، ولكنها تصوغ الفن من دمها ونبضها وتؤثر به في الحياة".
والفن الإسلامي؟!
يفاجئنا إقبال، بأنّه باستثناء فنّ العمارة الإسلامية، فلم يُولَد بعدُ ما يصحّ أن يعتبره فنًا إسلاميًا يتخلّق فيه الإنسان بأخلاق الله، ويتجلّى فيه العشق توحيدًا بين الجمال والقوّة، ويعِدُ الإنسانَ بإلهامٍ لا ينقطع "أجرٌ غير ممنون"، ثم يحقّق له خلافة الله في الأرض.
وبالنسبة لكثيرين، تستحق مؤلّفات إقبال ذلك، وأكثر.مما تركه إقبال من المؤلّفات النثرية:
1- علم الاقتصاد، طبعته الأولى بدون تاريخ، وطبعته الثانية في كراتشي عام 1961م، وطبعته أكاديمية إقبال بلاهور طبعة ثالثة عام 1977م.
2- تطوّر ما وراء الطبيعة في إيران: رسالته للدكتوراة، نشرت بالإنجليزية في لندن عام 1908م، ومترجمة للعربية عن مكتبة الأنجلو المصرية بالقاهرة عام 1986م.
3- تجديد التفكير الديني في الإسلام: طُبع بالإنجليزية عام 1930م، وأعادت جامعة أكسفورد طباعته عام 1934م، ونشرته مترجمًا لجنة التأليف والترجمة والنشر بالقاهرة عام 1955م.
4- الأفكار المختلفة: نُشِر بعد وفاة إقبال، عام 1961م.
وممّا تركه من الدواوين الشعرية:
1- أسرار خودي "أسرار الذاتية"، 1915م. (بالفارسية)
2- رموز بي خودي "رموز نفي الذاتية"، 1918م. (بالفارسية)
3- پيام مشرق "رسالة المشرق"، 1923م. (بالفارسية)
4- بانگ درا "صلصلة الجرس"، 1924م. (أردي، وغنّت أم كلثوم إحدى مقطوعاته المعرّبة بعنوان "حديث الروح")
5- زبور عجم "أناشيد فارسية"، 1929م. (بالفارسية)
6- جاويد نامه "كتاب الخلود"، 1932م. (بالفارسية)
7- مثنوي مسافر، 1934م. (بالفارسية)
8- بال جبريل "جناح جبريل"، 1935م. (بالاردية)
9- منظومات بسجه بايد كرد اي أقوام شرق "ما ينبغي أن نعمل يا أمم الشرق"، 1936م. (بالفارسية)
10- ضرب كليم "عصا موسى"، 1937م. (بالاردية)
11- أرمغان حجاز "هدية الحجاز"، 1938م. (بالفارسية والأردية)
12- سرود رفته "أنشودة الماضي"، 1959م. (بالفارسية والأردية)
وهناك أعمال أخرى له تمّ جمعها:
1- مراسلات إقبال: إعداد بي آر وار، نشرته أكاديمية إقبال بكراتشي، عام 1967م.
2- خطب وتصريحات إقبال، صدر بلاهور، بدون تاريخ.
3- كتابُ ثَبت مراجع إقبال، إعداد ك. أ. وحيد، أكاديمية إقبال، كراتشي، 1965م.
لم يُكتَب للخطّ الفكري الفلسفي الإحيائي لمحمد إقبال أن ينتشر في بلاده بعد وفاته، فقد أثّرت هيمنة الجماعات السلفية على الحياة الثقافية على الهند ومن بعدها باكستان، في اضمحلال الخطّ الفكري لمحمد إقبال؛ اللهم إلا ما تمثّله الدكتور فضل الرحمن من الآراء، التي تعرّض على أثرها لانتقادات حادّة ألجأته للهجرة إلى أمريكا، والعمل أستاذًا للفكر الإسلامي بجامعة شيكاغو.
في الغرب، ترجمت له "أنّا ماري شيمل" ديوانه "جاويد نامة"، وقدّم للترجمة الأديب الألماني "هرمان هسّه". وألّفت عنه "شيمل" كتبًا مستقلة، وحاضرت عنه في ألمانيا وأمريكا وباكستان وتركيا.
لكنّ مصيرًا مختلفًا كان ينتظر فِكر محمد إقبال في إيران، وخصوصا في النصف الثاني من القرن العشرين، إذ أعاد الفكر الديني في إيران إنتاج المقولات المركزية في فكر محمد إقبال، وعمل على تنميتها وتطويرها. ومما رصده د. عبد الجبار الرفاعي من أمثلة على ذلك:
– ما التقطه د. علي شريعتي من رأي إقبال في خَتم النبوّة، الذي يتلخّص في أن "النبوة كي تبلغ كمالها الأخير في إدراك الحاجة إلى إلغاء النبوة نفسها. وهو أمر ينطوي على إدراكها العميق لاستحالة بقاء الوجود معتمدًا على مقود يُقاد منه، وأن الإنسان لكي يحصل على كمال معرفته بنفسه ينبغي أن يُترك ليعتمد في النهاية على وسائله هو". حيث صاغ شريعتي على ضوء هذا الرأي عدّة مفاهيم مركزية في مشروعه الفكريّة.
– التفسير الموسّع للثابت والمتغيّر ودور الاجتهاد في الفكر الإسلامي، الذي قدّمه الشيخ مرتضى المطهري، بناءً على رأي إقبال في كون «الاجتهاد هو أسّ الحركة في الإسلام».
– التوظيفات المتعدّدة التي قدّمها المفكّر الإيراني د. عبد الكريم سروش، لأفكار محمد إقبال في «القبض والبسط في الشريعة»، و«بسط التجربة النبوية»، و«التمييز بين الدين والمعرفة الدينية»، ومساهمة سروش في تطوير هذه الأفكار عبر دراسات متعددة