جذور الاحتجاجات
بدأت شرارة الاحتجاجات الحالية بتدمير العديد من الوحدات السكنية والمباني التي قيل إنها كانت تؤوي العديد من الفقراء، وقد زعمت الحكومة المصرية أن هذه المباني والوحدات السكنية تم بناؤها بشكل غير قانوني، وإذا لم يتم هدمها، فسيتعين على سكان هذه المباني دفع غرامات باهظة.
ومع ذلك، لا يمكن اعتبار ذلك إلا شرارة وذريعة لبدء الاحتجاجات الحالية، ويجب فحص جذور هذه الاحتجاجات بمزيد من التعمق، وبشكل عام يمكن تلخيص الجذور الرئيسية للاحتجاجات المصرية الحالية على النحو التالي:
1. السياسات الاقتصادية الحكومية: ألغت الحكومة المصرية بعض الإعانات والخدمات العامة من أجل الانتقال لرسم مسار الإصلاح، نظراً لاقتراضها المال من صندوق النقد الدولي وبدء برامج الإصلاح الاقتصادي خلال السنوات القليلة الماضية؛ ومع ذلك، على الرغم من تحقيق الحكومة لأهداف مثل خفض التضخم بشكل كبير وتحقيق نمو اقتصادي جيد، فإن السياسات الاقتصادية الحالية تضغط على الفقراء والطبقة الفقيرة في المجتمع المصري.
وبعبارة أخرى، تحملت الشرائح ذات الدخل المنخفض من المجتمع في مصر العبء الأكبر من السياسات الاقتصادية للحكومة وتعرضت لأضرار جسيمة، وبناءً عليه، فإننا نرى أنه في كل من الاحتجاجات الحالية والسابقة، كانت القضايا الاقتصادية والاحتجاجات ضد السياسات الاقتصادية للحكومة المصرية دائمًا على جدول أعمال المحتجين.
2. المعوقات السياسية: بشكل عام، واجه المناخ السياسي في مصر منذ عام 2014 قيودًا لا يمكن إنكارها من قبل الحكومة، وتعزا هذه الشروط إلى التمديد المتكرر لحالة الطوارئ في مصر من قبل الرئيس المصري، وقد أدت المبالغة بهذا العمل إلى استياء الناس والنشطاء السياسيين، وتزايدت حالات الاستياء هذه منذ 2018، بعد فرض قيود على ترشيح بعض الأشخاص للانتخابات الرئاسية.
3. السياسة الخارجية للحكومة المصرية: يمكن أيضًا أن نعزو أحد عوامل الاحتجاجات الأخيرة إلى السياسة الخارجية لحكومة السيسي، حيث يعتقد الشعب المصري أن الحكومة فشلت في إعمال حقوقهم في قضية سد النهضة، وأنه كان يجب على القاهرة إعطاء الأولوية لذلك بدلاً من إعطاء الأولوية للقضية الليبية، وبالإضافة إلى ذلك، فإن قضية موارد الغاز في شرق البحر المتوسط، وتعاون مصر مع الكيان الصهيوني كانت أيضًا موضع اهتمام المصريين، حيث يعتقد المحتجون أن الحكومة المصرية الحالية تقوم بتسليم امتيازات وموارد الغاز المصري إلى الكيان الصهيوني.
4. الفساد المنظم: ثمة هناك سبب آخر للاحتجاجات الأخيرة هو اعتقاد مجموعة من المتظاهرين المصريين بوجود فساد منظم ومنتشر في هيكل الحكومة وبدعم من الجيش والجهاز الأمني، وجاء هذا الادعاء لأول مرة من قبل الممثل ورجل الأعمال المصري الهارب محمد علي بأن الجيش والأجهزة الأمنية، بالتعاون مع أسرة الرئيس المصري، أقاموا شبكة فاسدة وواسعة النطاق تخون مصالح الشعب المصري.
منظمو الاحتجاج
على الرغم من وجود بعض الأسس لإشعال نار الاحتجاجات في مصر، الا انه لا يمكن تجاهل دور منظمي هذه الاحتجاجات في تشكيلها، حيث كانت المحاولة الأولى لمعارضة حكومة السيسي هي تشجيع الناس على تنظيم احتجاجات على مستوى البلاد بعد انتخاب (مجلس الشيوخ)، وبعد الانتخابات التي لم يشترك فيها عدد كبير؛ رأى معارضو الحكومة في ذلك علامة على عدم رغبة الشعب المصري في الاستمرار في رئاسة السيسي ودعوا إلى استقالته.
هذا في حين ان السيسي ادعى في خطاب له أنه سيتنحى عن الرئاسة في حال لم يرغب الشعب المصري في استمراره في السلطة، وبعد هذا الخطاب أصبح هاشتاغ في الفضاء الإلكتروني بعنوان "لا نريدك يا السيسي" هو الترند الأول في مصر، وحدث هذا في وقت كانت معظم التغريدات التي استخدمت هذا الهاشتاج مرتبطة بصفحات الإعلام القطري، كما حقق أنصار السيسي الترند الثالث في مصر مقابل هاشتاغ المحتجين باخر يقول "أيها الرئيس، نحن معك".
وعقب هذه الملاسنات بين معارضي السيسي وأنصاره، بدأ معارضو السيسي وأنصاره في الفضاء الإلكتروني بالتدريج في تشجيع الناس، وخاصة في الداخل المصري، على تنظيم مظاهرات احتجاجية في المدن المصرية كافة، وطالبت شخصيات مقربة من جماعة الإخوان المسلمين تعيش خارج مصر بإسقاط السيسي، وبالإضافة إلى ذلك، شجع محمد علي المصريين على المشاركة في الاحتجاجات التي شرعت ليلة يوم الأحد الماضي (اليوم الأول للاحتجاجات).
وبناءً عليه، يبدو أن انتخابات مجلس الشيوخ في مصر كانت نقطة انطلاق لأنشطة المعارضة المصرية (الداخلية والخارجية) لتشكيل الاحتجاجات، واستمر ذلك حتى هدم المنازل السكنية، حيث أثار هذا الحدث الذريعة المناسبة لبدء هذه الاحتجاجات في مصر على نطاق واسع.
أفق الاحتجاجات
كانت إحدى القواسم المشتركة بين جميع الاحتجاجات في مصر في السنوات الأخيرة (بعد 2014) هي الافتقار إلى قيادة مشتركة وانعدام أرضية مشتركة بين المحتجين، حيث ان الاحتجاجات الأخيرة، بالإضافة إلى هذه الميزة، لديها حجم أصغر من احتجاجات سبتمبر التي جرت العام الماضي، ومن ناحية أخرى، لا يمكن تقييم واعتبار محمد علي، كأحد الشخصيات التي تحاول تقديم نفسها كقائد مقبول للمحتجين، وبانه مؤثر وقادر للغاية، وفي وقت سابق، أعلن في دعوته الأخيرة للاحتجاج على السيسي، انسحابه من الأنشطة السياسية إذا لم يشارك الشعب في هذه التظاهرات؛ الامر الذي رافقه استقبال ثلة قليلة من الجمهور، الامر الذي أبعد محمد علي عن الساحة السياسية حتى مساء يوم الأحد، وبناءً على ذلك، يبدو أيضًا أنه محبط من العمل السياسي الفعال في مصر، وهو يبذل جهوده الأخيرة بسبب الجهود التي تبذلها القاهرة لتسليمه إليها.
من ناحية أخرى، أظهرت الحكومة المصرية أنها في ظروف مماثلة ستنادي مناصريها إلى الشوارع، وقد أثار ذلك بالفعل حزب مستقبل الوطن، لذلك يبدو أن أنصار السيسي سيخرجون إلى الشوارع إذا استمرت احتجاجات المعارضة.
لذلك وبالنظر إلى الحالات المذكورة أعلاه، لا يمكن اعتبار مصير هذه التظاهرات غير متشابه جدًا لمظاهرات السنوات الأخيرة، ويبدو أن نيران هذه التظاهرات ستهدأ خلال وقت قصير.
موقع "الوقت"