فَإِنَّكَ تَجِدُهُمْ قَدْ انْتَقَلُوا عَنِ الاَْحِبَّةِ، وَحَلُّوا دِيارَ الْغُرْبَةِ، وَكَأَنَّكَ عَنْ قَلِيلٍ قَدْ صِرْتَ كَأَحَدِهِمْ، فَأَصْلِحْ مَثْوَاكَ، وَلاَ تَبِعْ آخِرَتَكَ بِدُنْيَاكَ، وَدَعِ الْقَوْلَ فِيَما لاَ تَعْرِفُ، وَالْخِطَابَ فِيَما لَمْ تُكَلَّفْ، وَأَمْسِكْ عَنْ طَرِيقٍ إِذَا خِفْتَ ضَلاَلَتَهُ، فَإِنَّ الْكَفَّ عِنْدَ حَيْرَةِ الضَّلاَلِ، خَيْرٌ مِنْ رُكُوبِ الاَْهْوَالِ، وَأْمُرْ بالْمَعْرُوفِ تَكُنْ مِنْ أَهْلِهِ، وَأَنْكِرِ المُنكَرَ بِيَدِكَ وَلِسَانِكَ، وَبَايِنْ مَنْ فَعَلَهُ بِجُهْدِكَ، وَجَاهِدْ فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ، وَلاَ تَأْخُذْكَ فِي اللهِ لَوْمَةُ لاَئم، وَخُضِ الْغَمَرَاتِ للحَقِّ حَيْثُ كَانَ، وَتَفَقَّهُ، فِي الدِّينِ، وَعَوِّدْ نَفْسَكَ التَّصَبُّرَ عَلَى الْمَكْرُوهِ، وَنِعْمَ الْخُلُقُ التَّصَبُّرُ فِي الحَقِّ، وَأَلْجِىءْ نَفْسَكَ فِي الاُمُورِكَ كُلِّهَا إِلَى إِلهِكَ، فَإِنَّكَ تُلجِئُهَا إِلَى كَهْفٍ حَرِيز، وَمَانِعٍ عَزِيز، وَأَخْلِصْ فِي الْمَسْأَلَةِ لِرَبِّكَ، فَإِنَّ بِيَدِهِ الْعَطَاءَ وَالْحِرْمَانَ، وَأَكْثِرِ الاسْتِخَارَةَ، وَتَفَهَّمْ وَصِيَّتِي، وَلاَ تَذْهَبَنَّ عَنْكَ صَفْحاً، فَإِنَّ خَيْرَ الْقَوْلِ مَا نَفَعَ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ خَيْرَ فِي عِلْمٍ لاَ يَنْفَعُ، وَلاَ يُنْتَفَعُ بِعِلْمٍ لاَ يَحِقُّ تَعَلُّمُهُ.
أَيْ بُنَيَّ، إِنِّي لَمَّا رَأَيْتُنِي قَدْ بَلَغْتُ سِنّاً، وَرَأَيْتُنِي أَزْدَادُ وَهْناً، بَادَرْتُ بِوَصِيَّتِي إِلَيْكَ، وَأَوْرَدْتُ خِصَالاً مِنْهَا قَبْلَ أَنْ يَعْجَلَ بِي أَجَلِي، دُونَ أَنْ أُفْضِيَ إِلَيْكَ بِمَا فِي نَفْسِي، أَوْ أَنْ أَنْقُصَ فِي رَأْيِي كَمَا نُقِصْتُ فِي جِسْمِي، أَوْ يَسْبِقَنِي إِلَيْكَ بَعْضُ غَلَبَاتِ الْهَوَى، وَفِتَنِ الدُّنْيَا، فَتَكُونَ كَالصَّعْبِ النَّفُورِ، وَإِنَّمَا قَلْبُ الْحَدَثِ كَالاَْرْضِ الْخَالِيَةِ مَا ألْقِيَ فِيهَا مِنْ شَيءٍ قَبِلَتْهُ، فَبَادَرْتُكَ بِالاَْدَبِ، قَبْلَ أَنْ يَقْسُو قَلْبُكَ، وَيَشْتَغِلَ لُبُّكَ، لِتَسْتَقْبِلَ بِجِدِّ رَأْيِكَ مِنَ الاَْمْرِ مَا قَدْ كَفَاكَ أَهْلُ التَّجَارِبِ بُغْيَتَهُ، وَتَجْرِبَتَهُ، فَتَكُونَ قَدْ كُفِيتَ مَؤُونَةَ الطَّلَبِ، وَعُوفِيتَ مِنْ عِلاَجِ التَّجْرِبَةِ، فَأَتَاكَ مِنْ ذلِكَ مَا قَدْ كُنَّا نَأْتِيهِ، وَاسْتَبَانَ لَكَ مَا رُبَّمَا أَظْلَمَ عَلَيْنَا مِنْهُ.
ومن كلماته القصار سلام الله عليه في نهج بلاغته:
۱. لاَ تَظُنَّنَّ بِكَلِمَةٍ خَرَجَتْ مِنْ أَحَدٍ سُوءاً وَأَنْتَ تَجِدُ لَهَا فِي اَلْخَيْرِ مُحْتَمَلاً.
۲. وَقَالَ سلام الله عليه: اَلْعِلْمُ مَقْرُونٌ بِالْعَمَلِ، فَمَنْ عَلِمَ عَمِلَ، وَاَلْعِلْمُ يَهْتِفُ بِالْعَمَلِ، فَإِنْ أَجَابَهُ وَإِلاَّ اِرْتَحَلَ عَنْهُ.
۳. وَقَالَ سلام الله عليه: إِذَا كَانَتْ لَكَ إِلَى اَللَّهِ سُبْحَانَهُ حَاجَةٌ، فَابْدَأْ بِمَسْأَلَةِ اَلصَّلاَةِ عَلَى رَسُولِهِ صَلََّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ، ثُمَّ سَلْ حَاجَتَكَ، فَإِنَّ اَللَّهَ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يُسْأَلَ حَاجَتَيْنِ، فَيَقْضِيَ إِحْدَاهُمَا، وَيَمْنَعَ اَلْأُخْرَى.