فقال له العلاء: يا أميرالمؤمنين، أشكو إليك أخي عاصم بن زياد.
قال: وما له؟
قال: لبس العباءة وتخلّى من الدنيا.
قال: عليَّ به.
فلمّا جاء قال: يَا عُدَىَّ نَفْسِهِ، لَقَدِ اسْتَهَامَ بِكَ الْخَبِيثُ، أَمَا رَحِمْتَ أَهْلَكَ وَوَلَدَكَ، أَتَرَى اللهَ أَحَلَّ لَكَ الطَّيِّبَاتِ، وَهُوَ يَكْرَهُ أَنْ تَأْخُذَهَا، أَنْتَ أَهْوَنُ عَلَى اللهِ مِنْ ذلِكَ.
قال: يا أميرالمؤمنين، هذا أنت في خشونة ملبسك، وجُشوبة مأكلك.
قال: وَيْحَكَ، إِنِّي لَسْتُ كَأَنْتَ، إِنَّ اللهَ تَعَالَى فَرَضَ عَلى أَئِمَّةِ الْعَدْلِ، أَنْ يُقَدِّرُوا أَنْفُسَهُمْ بِضَعَفَةِ النَّاسِ، كَيْلاَ يَتَبَيَّغَ بِالْفَقِيرِ فَقْرُهُ.
الخطبة ۲۱۰: ومن كلام له عليه السلام وقد سأله سائل عن أحاديث البدع، وعما في أيدي الناس من اختلاف الخبر
فقال عليه السلام:
إنَّ فِي أَيْدِي النَّاسِ حَقّاً وَبَاطِلاً، وَصِدْقاً وَكَذِباً، وَنَاسِخاً وَمَنْسُوخاً، وَعَامّاً وَخَاصّاً، وَمُحْكَماً وَمُتَشَابِهاً، وَحِفْظاً وَوَهْماً، وَلَقَدْ كُذِبَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلََّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ عَلَى عَهْدِهِ، حَتَّى قَامَ خَطِيباً، فَقَالَ: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ»، وَإِنَّمَا أَتَاكَ بِالْحَدِيثِ أَرْبَعَةُ رِجَال لَيْسَ لَهُمْ خَامِسٌ: رَجُلٌ مُنَافِقٌ مُظْهِرٌ لِلاِْيمَانِ، مُتَصَنِّعٌ بِالاِْسْلاَمِ، لاَيَتَأَثَّمُ وَلاَ يَتَحَرَّجُ، يَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلََّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ مُتَعَمِّداً، فَلَوْ عَلِمَ النَّاسُ أَنَّهُ مُنَافِقٌ كَاذِبٌ لَمْ يَقْبَلُوا مِنْهُ، وَلَمْ يُصَدِّقُوا قَوْلَهُ، وَلكِنَّهُمْ قَالُوا: صَاحِبُ رَسُولِ اللهِ صَلََّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ رآهُ، وَسَمِعَ مِنْهُ، وَلَقِفَ عَنْهُ، فَيَأْخُذُونَ بِقَوْلِهِ، وَقَدْ أَخْبَرَكَ اللهُ عَنِ الْمُنَاقفِقِينَ بِمَا أَخْبَرَكَ، وَوَصَفَهُمْ بِمَا وَصَفَهُمْ بِهِ لَكَ، ثُمَّ بَقُوا بَعْدَهُ فَتَقرَّبُوا إِلَى أَئِمَّةِ الضَّلاَلَةِ، وَالدُّعَاةِ إِلَى النَّارِ بِالزُّورِ وَالْبُهْتَانِ، فَوَلَّوهُمُ الاَْعْمَالَ، وَجَعَلُوهُمْ حُكامَاً عَلَى رِقَابِ النَّاسِ، فَأَكَلُوا بِهِمُ الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا النَّاسُ مَعَ الْمُلُوكِ وَالدُّنْيَا، إِلاَّ مَنْ عَصَمَ اللهُ، فَهذَا أَحَدُ الاَْرْبَعَةِ.
وَرَجُلٌ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللهِ شَيْئاً لَمْ يَحْفَظْهُ عَلَى وَجْهِهِ، فَوَهِمَ فِيهِ، وَلَمْ يَتَعَمَّدْ كَذِباً، فَهُوَ فِي يَدَيْهِ، يَرْوِيهِ وَيَعْمَلُ بِهِ، وَيَقُولُ: أَنَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلََّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ، فَلَوْ عَلِمَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُ وَهِمَ فِيهِ، لَمْ يَقْبَلُوهُ مِنْهُ، وَلَوْ عَلِمَ هُوَ أَنَّهُ كَذلِكَ، لَرَفَضَهُ، وَرَجُلٌ ثَالِثٌ، سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلََّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ شَيْئاً يَأْمُرُ بِهِ، ثُمَّ نَهَى عَنْهُ، وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ، أَوْ سَمِعَهُ يَنْهَى عَنْ شَيْءٍ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ، وَهُوَ لايَعْلَمُ، فَحَفِظَ المَنسُوخَ، وَلَمْ يَحْفَظِ النَّاسِخَ، فَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ لَرَفَضَهُ، وَلَوْ عَلِمَ الْمُسْلِمُونَ إذْ سَمِعُوهُ مِنْهُ، أَنَّهُ مَنْسُوخٌ لَرَفَضُوهُ، وَآخَرُ رَابِعٌ، لَمْ يَكْذِبْ عَلَى اللهِ، وَلاَ عَلَى رَسُولِهِ، مُبْغِضٌ لِلْكَذِبِ خَوْفاً لله، وَتَعْظيِماً لِرَسُولِ اللهِ صَلََّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ، وَلَمْ يَهِمْ، بَلْ حَفظَ مَا سَمِعَ عَلَى وَجْهِهِ، فَجَاءَ بِهِ عَلَى مَا سَمِعَهُ، لَمْ يَزِدْ فِيهِ وَلَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ، فَهُوَ حَفِظَ النَّاسِخَ فَعَمِلَ بِهِ، وَحَفِظَ الْمَنْسُوخَ فَجَنَّبَ عَنْهُ، وَعَرَفَ الْخَاصَّ وَالْعَامَّ وَاَلْمُحْكَمَ وَاَلْمُتَشَابِهَ، فَوَضَعَ كُلَّ شَيْء مَوْضِعَهُ، وَقَدْ كَانَ يَكُونُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلََّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ الْكَلاَمُ لَهُ وَجْهَانِ: فَكَلاَمٌ خَاصٌّ، وَكَلاَمٌ عَامٌّ، فَيَسْمَعُهُ مَنْ لاَ يَعْرِفُ مَا عَنَى اللهُ، سُبحانَهُ بِهِ، وَلاَ مَا عَنَى بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلََّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ، فَيَحْمِلُهُ السَّامِعُ، وَيُوَجِّهُهُ عَلَى غَيْرِ مَعْرِفَةٍ بِمَعْنَاهُ، وَمَا قُصِدَ بِهِ، وَمَا خَرَجَ مِنْ أَجْلِهِ، وَلَيْسَ كُلُّ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلََّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ، مَنْ كَانَ يَسْأَلُهُ وَيَسْتَفْهِمُهُ، حَتَّى إِنْ كَانُوا لَيُحِبُّونَ أَنْ يَجِيءَ الاَْعْرَابِيُّ وَالطَّارِىءُ، فَيَسَأَلَهُ عليه السلام، حَتَّى يَسْمَعُوا، وَكَانَ لاَ يَمُرُّ بِي مِنْ ذلِكَ شَيْءٌ، إِلاَّ سَأَلْتُ عَنْهُ وَحَفِظْتُهُ، فَهذِهِ وُجُوهُ مَا عَلَيْهِ النَّاسُ فِي اخْتِلاَفِهِمْ، وَعِلَلِهِمْ فِي رِوَايَاتِهِمْ.