بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد و اله الطيبين الطاهرين . مستمعينا الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ننتقل في هذه الحلقة إلى الايات 13 حتى 15 من سورة غافر و نبدء الحلقة بالاستماع إلى تلاوة الايتين 13 و14 منها :
هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ رِزْقًا ۚ وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ ﴿١٣﴾
فَادْعُوا اللَّـهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴿١٤﴾
تتضمن هذه الآيات النصيحة والتهديد والإنذار من خلال الاستدلال على المسائل المطروحة في الآيات السابقة، فهي استدلال على التوحيد والرّبوبية ونفي الشرك وعبادة الأصنام.تقول الآية أوّلا: (هو الذي يريكم آياته).فهي نفس الآيات والعلائم الآفاقية والأنفسية التي تملأ عالم الوجود، وتضع بصماتها وآثارها العجيبة على الوجود وجميع أرجاءه ومنها قطرات المطرالتي تهب الحياة لمن في الأرض.
إنّ تعبير "يريكم" ينسجم في العادة مع الآيات التكوينية التي يشاهدها الإنسان بأم عينيه ، بينما جرت العادة في الآيات التشريعية على استخدام تعابير مثل (أوحى) و (يأتيكم).
وأخيراً تشير الاية إلى عمى القلوب ، فبالرغم من جميع هذه الآيات البينات التي تسود هذا العالم الواسع، وتغمر الوجود بضيائها، إلاّ أنّ العيون العمياء والقلوب المحجوبة لا تكاد ترى شيئاً، وإنّما يتذكر - فقط - من ينيب إلى خالقه ويغسل قلبه وروحه من الذنوب.
الآية التي بعدها ترتب نتيجة على ما سبق فتقول: (فادعوا الله مخلصين له الدين) فالاية تحض بالنهضة و ضرب الأصنام وتحطيمها بفؤوس الإيمان، ومحو آثارها من ذاكرة الفكر والثقافة والمجتمع. ومن الطبيعي أنّ وقفة المؤمنين الرّبانية هذه ستؤذي الكافرين والمعاندين، لكن عليهم أن لا يسمحوا للخوف أن يتسرّب الى قلوبهم، فيجب إخلاص النيّات (ولو كره الكافرون).
من العبر التي تحفل بها الايتان :
- إنّ القرآن يختار الإشارة إلى آية الرزق من بين آيات الله المبثوثة في السماء والأرض وفي وجود الإنسان، ذلك لأنّ الرزق هو أكثر ما يشغل البال والفكر.
- احياناً نرى الإنسان يستنجد بالأصنام من أجل زيادة الرزق، في حين أن جميع الأرزاق هي بيد الله .
- في المجتمع الذي يشكل فيه عبدة الأصنام الغالبية، يكون طريق أهل التوحيد موحشاً في باديء الأمر.
- على المؤمنين أن لا يخافوا من ردود أفعال الأعداء ، عليهم التقدم بحزم وإصرار، ورفع راية التوحيد والإخلاص و لو كره الكافرون .
والان نستمع إلى تلاوة الأية 15 من سورة غافر..
رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ ﴿١٥﴾
تشير هذه الآية إلى خالق الكون ومالك الحياة والموت،بالتطرق إلى بعض الصفات المهمّة، فتقول: (رفيع الدرجات) فهو تعالى يرفع درجات العباد الصالحين كما في قوله تعالى: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات).وحتى بين النّبيين فقد فضّل الله بعضهم على بعض بسبب اجتيازهم للإمتحان والإختبار أكثر من غيرهم، فأخلصوا لله تعالى بمراتب أعلى وأفضل قال تعالى: (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض). تضيف الآية بعد ذلك قوله تعالى: (ذو العرش).فكل عالم الوجود تحت حكومته وفي قبضته، ولا منازع له في حكومته،وفي وصف ثالث تضيف الآية أنّه هو تعالى الذي: (يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده) وهذه الروح هي نفس القرآن ومقام النبوّة والوحي، حيث تحيي هذه الأُمور القلوب، وتكون في الانسان كالروح بالنسبة لجسد الإنسان.
إنّ قدرته من جانب، ودرجاته الرفيعة من جانب آخر، تقتضي أن يعلن عزّوجلّ عن برنامجه وتكاليفه عن طريق الوحي، وهل ثمّة تعبير أجمل من الروح، هذه الروح التي هي سرّ الحياة والحركة والنشاط والتقدم.
نستلهم من الاية المباركة:
- إن الطريق الذي يأتي به الدين هو طريق النمو والكمال فمن أراد الكمال والرفعة رفعه الله .
- إن ملائكة الوحي تُنزِّل إلى العباد ما حملهم الباري تعالى من الوحي .
- إن الانبياء جميعم يحذرون الناس من خطرات الانحراف عن مسير العبودية فمن أصغى لهم فلنسفه من عصى فمصيره إلى الهلاك والخسران.
ها نحن مسمعينا الكرام وصلنا الى ختام حلقة اخري من نهج الحياة و آخر دعوانا ان الحمدلله رب العالمين.