بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم لك الحمد حمد الشاكرين والصلاة والسلام على النبي المصطفى وآله الطاهرين.

إخوة الإيمان سلام من الله عليكم ورحمته وأهلاً بكم جميعاً في هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة وتفسير آي أخر من سورة العنكبوت المباركة، نستهله بالآيتين الحادية والثلاثين والثانية والثلاثين.

وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىٰ قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَـٰذِهِ الْقَرْيَةِ ۖ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ ﴿٣١﴾

 قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا ۚ قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا ۖ لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ ﴿٣٢﴾

ذكرنا أن قوم لوط كانوا فاسدين وكذبوا ما جاءهم به نبي الله لوط عليه السلام وسخروا من قوله "إنكم لتأتون الفاحشة" فما كان جوابهم إلا أن قالوا إئتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين" عند ذاك إلتجأ لوط الى الله قائلاً: "رب انصرني على القوم المفسدين" فاستجاب سبحانه الى تضرعه، وأمده بملائكة غلاظ شداد، مروا في طريقهم بإبراهيم وبشروه بغلام عليم هو إسحاق من إمرأته العقيم سارا، واطلعوه على حكم الله في قوم لوط وقالوا "إنا مهلكوا أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين" قال إبراهيم عليه السلام "كيف وفيهم العبد الصالح لوط؟" فأجابوه بأن لوطاً ومن اتبعه في أمان إلا امرأته التي تظاهرت وتآمرت مع القوم الكافرين فإنها تبقى في العذاب لا تنجو منه، فهي كما يقول جل وعلا "كانت من الغابرين" أي من الباقين في العذاب.

علمتنا الآيتان:

• ملائكة الله هم من جنود الله وهم مبشرو عباد الله ومنذروهم والمكلفون بمكافأة المحسنين منهم ومعاقبة المسيئين وظالمي أنفسهم.
• العدول عن النهج القويم إرضاءً للغريزة الجنسية ظلم بحق الفرد نفسه والأسرة والمجتمع.
• إذا ساد الظلم مجتمعاً ما، حان هلاك ذلك المجتمع أو قرب.
• للأبناء حرية تحديد نهجهم في الحياة فإمرأة لوط عدلت عن الطريق السوي لتسير على ما سار عليه الكافرون، أما أبناؤها فإنهم ساروا على درب أبيهم النبي لوط عليه السلام.

والآن نبقى مع الآيات الثالثة والثلاثين الى الخامسة والثلاثين من سورة العنكبوت المباركة:

وَلَمَّا أَن جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ ۖ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ ﴿٣٣﴾ 

إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَىٰ أَهْلِ هَـٰذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ﴿٣٤﴾

 وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴿٣٥﴾ 

لما دخل الرسل وهم الملائكة على لوط بوجوه وضاءة ناضرة، أوجس عليه السلام في نفسه خيفة على الملائكة من حيث فعل قومه الأشرار، فكشفوا له عما قصدوا إليه.. وضعف لوط من أن يدفعهم عنهم وهم ضيوف نازلون بداره.. فقالوا لا تخف يا لوط ولا تحزن إذ لا خطر محتملاً يهددك ولا مقطوعاً يقع عليك فإن الخوف إنما هو في المكروه الممكن والحزن في المكروه الواقع "إنا منجوك وأهلك إلا إمرأتك كانت من الغابرين" والباقين في العذاب.

فتمت كلمة العذاب على المفسدين وأصبحوا أثراً بعدها وعبرة لأولي الأبصار.

وبعد ألوف السنين يعيد التاريخ نفسه في دول متبجحة بما تسمى الحضارة وتدعي المدنية والتطور، حيث أستحلت رذيلة قوم لوط التي تنفر منها طباع الوحوش والحشرات.. ونحن على يقين بأن نوعاً من العذاب سيحل بالدول تلك عاجلاً أمن آجلاً تماماً كما حل على الذين من قبلها.

وقد إتضح من الكشوف الجيولوجية أن المنطقة الواقعة جنوب البحر الميت أي المنطقة التي كان يقنطها قوم لوط قد اكتسحت بالملح وربما كان سبب هذا إنفجار تحت سطح الأرض حدث بفعل إلهي، لعله هو الذي يشير إليه قوله تعالى "ولقد تركنا منا آية بينة لقوم يعقلون" ضمير القرية والترك الإبقاء، أي أبقينا علامة واضحة لقوم يعقلون ليعتبروا فيتقوا الله وهي الآثار الباقية منها بعد خرابها بنزول العذاب.

أوضحت لنا هذه الآيات:

• إذا فسد المجتمع، قد يفسد على أثره كل ما فيه عند ذاك لم يعد هناك أمان حتى بالنسبة للعوائل والأسر المحافظة المتطلعة لتربية أبنائها على الفضيلة والخلق الحسن والإيمان.
• المحافظة على حرمة الضيف وصون كرامته، مسؤولية المضيف.
• المؤمن غيور على دينه، وعليه مواجهة ما ينافي الدين والعفة العامة وعدم التنصل عن مسؤولية مهمة كهذه.
• الأواصر الأسرية ووشائج القربى مع خيار الناس والصالحين، أمور لا تكفي وحدها لإنقاذ الإنسان من شرور الدنيا وعذاب الآخرة فكم من زوجات الأنبياء والأولياء مأواهم جهنم مثل إمرأة لوط، وزوجات من هن كإمرأة فرعون في الجنة خالدات.

الى هنا إخوة الإيمان وأخوات الإيمان، نأتي على نهاية هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة موعدنا في حلقة جديدة قادمة إن شاء الله.

حتى ذلك الموعد نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمته وبركاته.