بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم لك الحمد حمد الشاكرين والصلاة والسلام على أشرف الخلق وخاتم النبيين وآله الأطهرين.
إخوة الإيمان متابعي برنامج نهج الحياة أهلاً بكم في هذه الحلقة وتفسير آي أخر من القرآن الكريم.. نستهل الحلقة بتفسير الآيتين الحادية والخمسين والثانية والخمسين من سورة القصص المباركة.
وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴿٥١﴾
الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ ﴿٥٢﴾
معنى قوله عزوجل "ولقد وصلنا لهم القول" أي فصلناه لهم وقيل: أنزلنا القرآن شيئاً فشيئاً ولكن متصلاً بعضه ببعض، سورة بعد سورة وآية بعد آية من وعد ووعيد ومعارف وأحكام وقصص وحكم ومواعظ وعبر ليتذكروا ويتفكروا فيعلموا الحق ويتعظوا.
وقوله تعالى "الذين آتيناهم الكتاب من قبله" الضمير في (قبله) يعود للرسول الأكرم كذا الحال في "هم به" أي بمحمد صلى الله عليه وآله "يؤمنون" بعد أن تبين لهم نعته في التوراة.
وهذا مدح في الآية وما بعدها لطائفة من مؤمني أهل الكتاب بعدما تقدم في الآيات السابقة من ذم المشركين من أهل مكة.
أفادتنا الآيتان:
- التربية أمر تدريجي يتم تحقيقه مع مرور الأيام بالكلام اللين والقول الحسن حيناً وبالتنبيه أو الإستدراك والإرشاد والتذكير حيناً آخر... فالتربية لا تتحقق دفعة واحدة أو بين عشية وضحاها، ولا تفرض عنوة أو كرهاً.
- ما تنشده كتب السماء وقادة الدين، ويتطلعون إليه، قول واحد وهدف واحد لا غير وهو ما فيه صلاح الإنسان وسعادته السرمدية.
- أهل الكتاب حقاً، هم من آمنوا بالرسول والإسلام وما جاء به عند الله وتمسكوا بدينهم الذي بشر به – صلى الله عليه وآله - .
والآن نستمع للآيتين الثالثة والخمسين والرابعة والخمسين من سورة القصص المباركة:
وَإِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ ﴿٥٣﴾
أُولَـٰئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ﴿٥٤﴾
تواصل الآيات الحديث عن تلك القلة من أهل الكتاب الذين صدقوا في إيمانهم بكتابهم عندما آمنوا بالنبي الأكرم – صلى الله عليه وآله – فهؤلاء إذا يتلى القرآن عليهم (قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله) أي قبل نزوله (مسلمين) وذلك أن ذكر النبي – صلى الله عليه وآله – والقرآن كان مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل، فهؤلاء لم يعاندوا، ثم أثنى الله عليهم وبشرهم فقال "اولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا" أي مرة بتمسكهم بدينهم حتى أدركوا محمداً صلى الله عليه وآله فآمنوا به، ومرة بإيمانهم به، وقيل أيضاً: بما صبروا على دينهم وعلى أذى الكفار وتحمل المشاق، ثم ذكر عزوجل أزكى صفاتهم فقال "ويدرؤون بالحسنة السيئة" أي يدفعون بالقول الحسن القبيح منه الذي يسمعونه من الكفار، وقيل يدفعون بالمعروف المنكر، وقيل يدفعون بالحلم جهل الجاهل، ومضاد يدفعون بمداراة الناس أذاهم عن أنفسهم وهم أيضاً مما وهو الإنفاق في فرض من زكوة وخمس وجهاد بالأموال والأنفس إضافة الى الإنفاق المستحب.
ما تعلمناه من الآيتين هو:
- مريدو الحق وراء الحق، المهم لهم هو الحق بأي لسان كان أو عرق ولون، لذا يجب الإذعان للحق أياً كان قائله.
- الإذعان للحق، يتطلب الصبر والصمود حيال كل المشكلات والمخالفات أو المشاكسات.
- الأساس في العلاقات الإجتماعية والتعاطي مع الغير، التسامح والعفو أو الصفح.
والآن مستمعينا الأعزاء إخوة وأخوات نستمع للآية الخامسة والخمسين من سورة القصص:
وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ ﴿٥٥﴾
المراد باللغو لغو الكلام أو السفه من الناس والقبيح من القول والهزء الذي لا فائدة فيه فهؤلاء المؤمنون الصادقون من أهل الكتاب إذا سمعوه أعرضوا عنه ولم يقابلوه بالمثل "وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم" أي لا نسأل عن أعمالكم ولا تسألون أنتم عن أعمالنا بل كل منا يجزى على عمله... "سلام عليكم" أي أمان منا لكم أن نقابل لغوكم بمثله.. وهو أيضاً متاركة وتوديع تكرماً كما قال سبحانه "وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما" "لانبتغي الجاهلين" أي لا نطلب مجالستهم ومعاونتهم وإنما نبتغي الحكماء والعلماء.. وقيل معناه: لا نريد أن نكون من الجهلة والسفهاء، وقيل أيضاً: لا نبتغي دين الجاهلين ولا نحبه.
أفادتنا الآية:
- شرط الإيمان بالله الإبتعاد عن اللغو وقبيح الكلام، لا العمل بالمثل، فالمؤمن حقاً يعرض اللغو وعما لا ينفع من القول وتافه الكلام.
- الإعراض عن لغو الكلام وتافه المسموع والرؤية والمعاشرة صفة محببة تقرها أديان السماء كلها، وتشيد بها.
- في حال التأكد من عدم جدوى النهي عن المنكر، فأقل ما يمكن فعله الإعراض عن المنكر إيهاماً للطرف الآخر بعدم موافقته الرأي وعدم مسايرته فيما هو مقدم عليه.
الى هنا مستمعينا الأفاضل الإخوة والأخوات، أتينا الى نهاية هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة.
على أمل اللقاء بحضراتكم في حلقة جديدة من البرنامج نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.