بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم لك الحمد حمد الشاكرين وصل وسلم على محمد وآله الطاهرين..
إخوة الإيمان سلام من الله عليكم ورحمته، معكم في حلقة جديدة من برنامج "نهج الحياة" وتفسير آي أخر من سورة القصص المباركة نستهله بالآية التاسعة والعشرين:
فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ﴿٢٩﴾
أيها الأكارم، المراد بقضائه الأجل، إتمام موسى عليه السلام مدة خدمته لشعيب عليه السلام وهو كما يروى أطول الأجلين، أي عشر سنين، والجذوة من النار القطعة منها، والإصطلاء الإستدفاء.
على هذا يكون المعنى: عندما أتم موسى الأجل سار بإمرأته بإذن أبيها الى الشام وكان شعيب قد أعطاه عصا يدفع السبع عن غنمه بها؛ وروي عن هذه العصا أنها هي التي خرج آدم بها من الجنة فأخذها جبرائيل بعد موت آدم (ع) ولم يزل الأنبياء يتوارثونها حتى وصلت الى شعيب فأعطاها موسى وكانت قضيب آس من الجنة.
وهكذا سار موسى بأهله وبالغنم التي كانت له، وكانت قطيعاً، فأخذ على غير الطريق المعروفة، مخافة ملوك الشام وامرأته في شهرها، فسار في البرية غير عارف بالطريق، فألجأه المسير الى جانب جبل الطور الأيمن في ليلة مظلمة شديدة البرد، وأخذ إمراته الطلق وضل الطريق وتفرقت ماشيته فأصابه المطر، فبقي لا يدري أين يتوجه فبينا هو كذلك آنس من جانب الطور ناراً.
فقال في نفسه: قد يدلني من أوقد النار على الطريق، آتي أهلي في هذه الليلة الباردة المظلمة بجذوة من هذه النار ليستدفئوا بها.
أفادتنا الآية:
- الرجل مسؤول عن تأمين متطلبات زوجته وأسرته وعلى الأسرة أيضاً أن تكون عوناً له وتلازمه في معالجة مشكلات الحياة.
- حب الوطن أمر طبيعي ومن حق الجميع العودة الى أرض الآباء والأجداد وهي الشام بالنسبة لموسى عليه السلام ولو بعج طول فراق.
- على موسى عليه السلام الذي عاش في القصر سنين وسنين، رعي الغنم في الصحاري والبراري تحسباً للتطبع على العيش في القصور من جهة، واستعداداً لتحمل المشكلات المستقبلية الكبيرة من جهة أخرى.
والآن نبقى مع الآية الثلاثين من سورة القصص المباركة:
فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّـهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴿٣٠﴾
شاطئ الوادي؛ جانبه والوادي هو مسيل الماء ومنه سمي المنفرج بين الجبلين وادياً، والبقعة المباركة؛ قطعة خاصة من الشاطئ الأيمن في الوادي المقدس، كانت فيه الشجرة التي نودي من جوفها، ومباركتها، لتشرف الشجرة بالتقريب والتكليم الإلهي وقد أمر موسى بخلع نعليه فيها كما في قوله تعالى في سورة طه الآية الثانية عشرة "فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى".
فهي بقعة مباركة لأنها معدن الوحي والرسالة وكلام الله تعالى فإنما سمع موسى النداء والكلام من الشجرة لأن الله تعالى أوجد الكلام فيها وجعل الشجرة محلاً للكلام.
وهكذا كلم الله عبده موسى، ما يميزه عن سائر الأنبياء والرسل، ليعرف باسم كليم الله.
أفادتنا الآية:
- في الثقافة الدينية، الأماكن التي تنسب الى الله جل وعلا، تعرف بالأماكن المقدسة وإن كانت جبلاً أو فلاتاً.
- بعد أن أتى موسى عليه السلام أهله بجذوة من النار وتبين الطريق، توجه الى الجبل حيث أناط به الله مسؤولية هداية الناس، ما يعني أن مهمتنا في الحياة التحرك والسعي والمثابرة والباقي على الله بعبارة أن نتيجة ما نقوم به ونسعى من أجله، ليست بأيدينا نحن.
والآن نصغي وإياكم مستمعينا الأعزاء الى الآيتين الحادية والثلاثين والثانية والثلاثين من سورة القصص المباركة:
وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ ۖ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّىٰ مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ ۚ يَا مُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ ۖ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ ﴿٣١﴾
اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ ۖ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ﴿٣٢﴾
بديهي أن موسى عليه السلام استغرب ما سمع وما رآه، فإنه لم يسبق له أن سمع ما سمع ورأى ما رأى.
فإتماماً لقصة موسى – ع – قال سبحانه "وأن ألق عصاك" مكرراً إياها في السور تقريراً للحجة على أهل الكتاب واستمالة بهم الى الحق.
ومن أحب شيئاً أحب ذكره، والقوم كانوا يدعون محبة موسى، وكل من ادعى اتباع سيده مال الى من ذكره بالفضل.. على أن كل موضع من مواضع التكرار لا تخلوا من زيادة فائدة.
وههنا انقلبت العصا بإذن الله ثعباناً عظيماً تهتز كأنها جان في سرعة حركتها وشدة اهتزازها "فلما رآها [موسى] تهتز" ولى مدبراً ولم يعقب" أي لم يرجع الى ذلك الموضع.. والإدبار خلاف الإقبال، والتعقيب الكر بعد الفر، فنودي من قبل الخالق سبحانه "يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين" من آذاها.. فقوله "لا تخف" نهي مطلق يؤمنه عن كل ما يسوء مما يخاف منه ما دام في حضرة القرب والمشافهة سواء كان المخوف منه عصا أو غيرها.
ولذا علل سبحانه النهي بقوله "إني لا يخاف لدي المرسلون" كما في الآية العاشرة من سورة النمل المباركة؛ فيكون المعنى: لا تخف يا موسى إنك مرسل والمرسلون – وهم لدي في مقام المقرب – في مقام الأمن ولا خوف من الأمن. أما قوله "أسلك يدك في جيبك" أي أدخلها فيه، وقوله "تخرج بيضاء من غير سوء" أي من غير برص؛ وقوله "واضمم إليك جناحك من الرهب" فالجناح قيل هو اليد أو العضد والرهب هو الخوف، والمراد بضم الجناح إليه من الرهب أن يجمع يديه على صدره لدى خوفه من مشاهدة صيرورة العصا حية ليذهب ما في قلبه من الخوف، أي أن الله تعالى أمر موسى أن يضم يده الى صدره فيذهب ما أصابه من الخوف عند رؤية الحية.
وروي أنه أمره سبحانه بالعزم على ما أراده منه وحثه على الجد فيه لئلا يمنعه الخوف الذي يغشاه في بعض الأحوال مما أمره بالمضي فيه ومعه حجتان نيرتان مرسلاً بهما نبياً من الله الى فرعون وملائه أي أرسلناك الى فرعون وملئه بهاتين الآيتين الباهرتين "فإنهم كانوا قوماً فاسقين" خارجين عن طاعة الله الى أعظم المعاصي وهي الكفر.
علمتنا الآيتان:
- بوسع الواثق بأحقية الدرب وما هو عليه هدي الآخرين.
- لإصلاح المجتمع حقاً، يجب البدء بأصول الظلم والفساد ومصادرهما.
- الفزع وتجنب الخطر والفرار منه، من خصائص الإنسان والأنبياء على هذا، لا فرق بينهم وبين سائر البشر.
الى هنا مستمعينا الأفاضل، نكون قد وصلنا لنهاية هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة، لقاؤنا معكم بمشيئة الله في حلقة جديدة قادمة.
فإلى ذاك الحين نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.