بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم لك الحمد حمد الشاكرين وصل وسلم وبارك على الحبيب محمد وآله الأطهرين.
إخوة الإيمان، متابعي التفسير الموجز لآي الذكر الحكيم السلام عليكم جميعاً وأهلاً بكم في هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة، نتابع فيها عرض تفسير موجز آخر من سورة القصص ونبدأ بالآيتين الثانية والعشرين والثالثة والعشرين وهما:
وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَىٰ رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ ﴿٢٢﴾
وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ ۖ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ۖ قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ۖ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ ﴿٢٣﴾
مرّ في الحلقة السابقة من البرنامج أن أحد نزلاء قصر فرعون "قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين" فخرج – عليه السلام – من مصر مدينة فرعون "خائفاً يترقب" قاصداً مدين الواقعة صفوة الشام وليس له علم بالطريق وسلاحه حسن ظنه بربه يدعوه قائلاً من القوم الظالمين أي من فرعون وقومه وأن يهديه الى سبيل النجاة ولما وصل مشارف مدين وجد موسى عليه السلام عند نبع مائها جماعة من الناس يسقون أغنامهم وعلى مقربة منهم إمرأتين تحبسان أغنامهما وتمنعانها من أن ترد المورد لكي لا تختلط بأغنام الناس.
فقال موسى لهما "ما خطبكما" أي ما شأنكما وما لكما لا تسقيان مع الناس؟ فأجابتا: "لا نسقي" مع الناس حتى يصدر الرعاء أي ينصرف الناس ويخرجوا أغنامهم ثم بينتا علة مجيئها للسقي فقالتا: "وأبونا شيخ كبير" أي غير قادر على تصدي أمر السقي بنفسه. لذا تصديا البنتان للأمر.
نستفيد من الآيتين:
- الإستعداد أو التحضير للهجرة وترك الديار، هو من برامج كبار المصلحين الذي يتيح لهم الصبر على البلاء وصروف الدهر ونوائب الزمان.
- للدعاء مفهومه بعد الإقدام والتحرك، لا بدونها.
- من أسباب حفظ العفة واجتناب الإختلاط بين النساء والرجال الأجانب في الأماكن العامة وهذا ما كان من أمر إبنتي شعيب (ع) اللتين حبستا الغنم عن ورود الماء ريثما كما قالتا يصدر الرعاء.
- دفعت الضرورة إبنتي شعيب لرعي الغنم، إلا أنهما أبينتا الإستجداء والرضوخ للذل والهوان.
والآن نستمع الى الآيتين الرابعة والعشرين والخامسة والعشرين من سورة القصص المباركة:
فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴿٢٤﴾
فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ۚ فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ ۖ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴿٢٥﴾
فسقى موسى القادم الى مدين من مصر خائفاً يترقب هرباً من فرعون ومن معه الغنم لإبنتي شعيب ثم انصرف الى الظل أي ظل شجرة من شدة الحر جائعاً منهوك القوى ما أنساه ما هو فيه فيه وماله من مشكلات ومتاعب الحياة "فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير" لقد حمل كثير من المفسرين قوله هذا على سؤال طعام يسد به الجوع.
فرجعت البنتان الى أبيهما في وقت كانتا لا ترجعان فيه، فأنكر الأب شأنهما وسألهما فأخبرتاه الخبر، فطلب من إحداهما أن تذهب لتدعو موسى الى ضيافته، فذلك قوله "فجاءته إحداهما تمشي على استحياء" أي مستحية لشدة عفتها "قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا" أي ليكافئك على سقيك لغنمنا.
فلما دخل على شعيب إذا هو بالعشاء مهيئاً، فقال له شعيب:
إجلس يا شاب فتعش، فقال له موسى: أعوذ بالله.. قال شعيب: ولم ذاك ألست بجائع؟ قال بلى ولكن أخاف أن يكون هذا عوضاً لما سقيت لهما وأنا من أهل بيت لا نبيع شيئاً من عمل الآخرة بملئ الأرض ذهباً.
فقال له شعيب: لا والله يا شاب ولكنها عادتي وعادة آبائي نقري الضيف ونطعم الطعام، قال فجعل موسى يأكل وهو يحدث شعيباً وقص عليه أمره أجمع من قتل القبطي وإنهم يطلبونه ليقتلوه "قال" له شعيب "لاتخف نجوت من القوم الظالمين" يعني فرعون وقومه فلا سلطان له بأرضنا ولسنا في مملكته.
على هذا، استجاب تعالى لأدعية موسى الثلاثة، فقد كان سأل الله عند خروجه من مصر أن ينجيه من القوم الظالمين، فأخبره شعيب عليه السلام بالنجاة، وترجى أن يهديه سواء السبيل فورد مدين، وسأله الرزق فدعاه شعيب ليجزيه أجر ما سقى.. وزاده تعالى فكفاه رزق عشر سنين ووهب له زوجاً يسكن إليها.. كما سيأتي ذكر ذلك.
أفادتنا الآيتان:
- عند المحن والشدائد علينا أن لا ننسى ما يعانيه الآخرون من مشكلات والعمل قدر المستطاع على معالجتها.
- لحل المشكلات وقضاء حوائجنا علينا التوسل الى الله فهو خير ناصر وخير معين.
- ليس في رسالة الأنبياء ورسل السماء، ما يحول دون حضور المرأة في المجتمع شرط المحافظة على العفة ورعاية حريم المرأة والرجل.
- وجوب مقابلة المعروف بالمعروف، وتقدير خدمات الغير بالمناسب من الطرق والأساليب.. فما جزاء الإحسان إلا الإحسان.
وهكذا مستمعينا الأفاضل وصلنا الى نهاية هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة.
فإلى لقاء قادم وحلقة جديدة بعونه تعالى، نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.