الانسحاب الاميركي من بعض القواعد وتسليمها الى القوات العراقية يمكن درجها في عدة سيناريوهات نريد طرح بعضها في هذه العجالة، في ظل الغموض وعامل المفاجأة الذي تمت به هذه الخطوة الاميركية.
أولا، يمكن ان يكون هذا الانسحاب نتيجة طبيعية لتصاعد العمل المقاوم من قبل فصائل المقاومة العراقية واستهدافها للقوات الاميركية في العراق، وعليه، فإن واشنطن تريد زيادة حماية قواتها في العراق من خلال جمعها وتمركزها في قواعدها الاكثر أمانا على الارضي العراقية. سيما وأن انسحاب القوات الاميركية كان من القواعد المشتركة مع القوات العراقية فقط. وهذا الامر يبعث على القلق في الحقيقة ويمكن أن يزيد من حدة التوتر في العراق ويرفع مستوى التصعيد الى درجة اعلى.
السيناريو الاخر والذي نراه أقرب الى الغدر الاميركي، هو بث شيء من الاحساس بالأمان لدى فصائل المقاومة العراقية، ومن ثم ضرب هذه الفصائل وعلى رأسها قوات الحشد الشعبي، وفق ما نشرته صحيفة نيويورك تايمز الاميركية ان التصدي لمجموعات المقاومة العراقية بات من أولويات جدول أعمال الرئيس ترامب، حسب الآية الكريمة.." وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا ". ما دفع رئيس حكومة تصريف الاعمال العراقية عادل عبدالمهدي الى تحذير الادارة الاميركية من أي عمل منفرد او استفزازي ضد القوات العراقية أو اي انتهاك للسيادة العراقية.
التشكيك العراقي بنوايا الادارة الاميركية كان في محلّه، فمن العقلانية أن يسيء المرأ الظن في إدارة يقودها شخص أرعن كترامب، لا يرى أي حرمة للقواعد والوعود والمواثيق. لا سيما في ظل استمرار واشنطن في بناء قاعدتها في اربيل والتي تعتبر من اكبر قواعدها في الشرق الاوسط، وكذلك نشر صةواريخ الباتريوت الاميركية في قاعدة عين الاسد في الانبار؛ ما يوضح بالدليل للمشككين نية الادارة الاميركية في البقاء على الاراضي العراقية ربما لوقت ليس بقليل.
اعادة التموضع للقوات الاميركية حسب رؤية المقاومة العراقية؛ تأتي متزامنة مع تطور خطير على الساحة العراقية والسورية معا،وهو فرار عدد من عناصر جماعة داعش الارهابية من سجن في الحسكة السورية، ودخولهم الاراضي العراقية وفق بعض التقديرات الاستخبارية العراقية. ما يفتح المجال امام هذه العناصر للقيام بعمليات ارهابية جديدة في العراق، من شأنها اضعاف قدرة القوات العراقية والحشد الشعبي على التصدي لهذه العمليات.
وفي الختام، لا يمكن أن ينظر الى الخطوة الاميركية بمعزل عن التغيرات التي تجري في العالم، وعلى رأسها الوباء كوفيد-19 او كورونا المستجد. فمع تخطي عداد المصابين في اميركا حاجز المئة وستين ألفا، واعلان البنتاغون عن عدد من الاصابات بين قواته في داخل وخارج البلاد، كان من المتوقع من الادارة العسكرية والسياسية الاميركية ان تقدم على خطوة تقلل احتمالية اصابة قواتها في العراق بهذا الفيروس، من خلال تجميع القوات في قواعد معينة وخاصة بقواتها، فانسحاب القوات الاميركية كان من القواعد المشتركة مع القوات العراقية فقط.
اعادة التموضع الجديد وانسحاب القوات اميركية من بعض القواعد، لم يمر على العراقيين بالسهولة التي تصورتها واشنطن ربما. فاعلان المقاومة العراقية بأنها على جهوزية تامة وبقوة اكبر من ذي قبل لمواجهة القوات الاميركية، يضع حداً للمخططات الاميركية سواء من داخل العراق وخارجه من اجل استهداف فصائل المقاومة.
ابراهيم شربو