بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم حضرات المستمعين وأهلاً بكم في هذه الحلقة من برنامج (نهج الحياة)، لقد قدمنا حتى الآن تفسيراً موجزاً لـ 78 آية من آيات سورة الأنبياء، واليوم نفسر بضع آيات أخرى منها بادين بالآية التاسعة والسبعين، حيث يقول تعالى:
فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ۚ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ۚ وَكُنَّا فَاعِلِينَ ﴿٧٩﴾
في الحلقة السابقة مرّ علينا أن قطيعاً من الأغنام دخل مزرعة عنب وأكل من ورقها وعنبها، وشكى صاحب المزرعة الأمر إلى داوود، فحكم هو وولده سليمان في القضية بحكمين مختلفين في طريقة دفع الغرامة لصاحب المزرعة، وحسب حكم داوود (ع) كانت الغرامة فورية الدفع بينما حسب حكم ولده سليمان كانت تدريجية.
ومن هذا النص القرآني يتضح أن الله تعالى ألهم سليمان (ع) كيفية الحكم في القضية بشكل صحيح، وفي هذا النص الشريف كذلك تأكيد على نبوة داوود وسليمان اللذين وهبهما الله تعالى الحكمة والعلم، وهما من لوازم النبوة.
ومن الآيات الإلهية الدالة على نبوة داوود (ع) تسبيح الجبال والطيور مع دعائه (ع) وبصورة مشهورة ومسموعة لدى الآخرين، وفي هذا معجزة على صدق نبوته عليه السلام.
والمستفاد من هذا النص:
- أن من وظائف الرسل والأنبياء (ع) القضاء بين الناس.
- إن كل من في الوجود يسبح الله وفي هذا دليل على وجود الشعور في كل الكائنات والموجودات.
ويقول تعالى في الآية الثمانين من سورة الأنبياء:
وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ ۖ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ ﴿٨٠﴾
في هذه الآية إشارة إلى معجزة أخرى من معاجز النبي داوود (ع) الذي لم يكن رجل دعاء وحسب، بل كان رجل حرب وجهاد، كان يصنع دروع الحديد لكي يستفيد منها جنود الحق قبال ضربات سيوف الباطل.
كان داوود (ع) يلين الحديد بالنار ويصنع منه حلقات يدخلها في بعضها البعض حتى يكون منها درعاً.
والدروس المأخوذة من هذا النص هي ثلاثة:
- إن اختراعات الإنسان هي بفعل الإلهامات الإلهية.
- لم يكن الرسل والأنبياء طبقة متميزة من الناس، بل هم كالآخرين يزاولون الحرف لتوفير قوت حياتهم.
- في كل بلد لابد من الإهتمام بالصناعات الدفاعية التي ينبغي أن تستخدم لتوفير أمن البلاد أمام هجمات الأعداء لا من أجل الحرب على الآخرين.
ويقول تعالى في الآية الحادية والثمانين من سورة الأنبياء:
وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ۚ وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ ﴿٨١﴾
إذا كانت الجبال قد سخرت لداوود (ع) فإن الرياح سخرها الله لولده سليمان (ع) وفي هذا دليل على أن عالم الوجود برمته تحت إرادة الله وتدبيره، وثمة مسألة مهمة لابد من الإشارة إليها هنا وهي الإرادة التكوينية التي هي في الأصل لله جل جلاله، لكنه سبحانه يفيض منها ما يشاء على المكرمين من عباده من الأنبياء والأئمة (ع) ولا نريد هنا الدخول في تفاصيل هذا الموضوع إلا أن مصاديقه في حياة أئمة الهدى صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين مشهورة بكثرة.
ويستفاد من آيات سورة سبأ أن سليمان (ع) كان يفتعل على متن الرياح إلى مسافات بعيدة وبفضل هذه الموهبة الإلهية كان سليمان يقطع المسافة التي كانت تستغرق الشهر من الزمن في نصف يوم.
ويفيدنا هذا النص التالي:
- الإرادة التكوينية من شؤون الخالق ويهبها بإذنه لمن شاء من أوليائه.
- إن الله تعالى خالق الوجود وهو به الخبير العليم تبارك ربنا ذوالجلال والإكرام.
وآخر آية نفسرها في هذه الحلقة الآية الثانية والثمانين من سورة الأنبياء حيث يقول تعالى:
وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَٰلِكَ ۖ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ ﴿٨٢﴾
وعلاوة على ظواهر الطبيعية التي كانت مسخرة لسليمان، كان في بلاطه طائفة من الجن يعملون بأمره، كالعمل في أعماق المياه وغير ذلك.
وإذا كان التعبير في هذا النص بالشياطين، فإنه في سورة سبأ ورد تعبير الجن وليس بين التعبيرين أي تناقض، إن الجن مخلوق ذو عقل وشعور وإدراك وتكليف وحيث أننا بنوآدم لا يمكن لنا رؤيتهم، سموا بالجن أو الجان.
وفي طائفة الجن مؤمنون صالحون وكافرون طالحون وربما قيل أن الشياطين هم الجن الكافر الذي يريد الضلال للإنسان، ولما سخر الله الشياطين لملك سليمان، إستثمر سليمان طاقاتهم وحبس البعض منهم، وكان الله مراقباً لحركات اولئك الشياطين كي لا يفلتوا من قبضة سليمان أو يتمردوا عليه.
والمأخوذ من دروس هذا النص هو:
- ما بين الجن، المؤمن والكافر.
- إن بعض الأنبياء (ع) علاوة على مقام الرسالة السامي، كانت لهم مناصب حكومية، فسليمان (ع) كان نبياً وملكاً في ذات الوقت.
حضرات المستمعين الأفاضل وصلنا وإياكم إلى نهاية هذه الحلقة من برنامج (نهج الحياة) حتى اللقاء التالي وتفسير آيات أخرى من سورة الأنبياء نترككم في رعاية الله وحفظه والسلام خير ختام.