البث المباشر

تفسير موجز للآيات 85 الى 89 من سورة طه

السبت 7 مارس 2020 - 06:18 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- نهج الحياة: الحلقة 552

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمد بن عبد الله وعلى اهل بيته الطيبين الطاهرين.

أسعد الله أوقاتكم بالخير والبركة حضرات المستمعين وأهلاً بكم في حلقة أخرى من برنامج نهج الحياة، حيث نواصل تفسير آيات أخرى من سورة طه المباركة ونستمع أولاً إلى تلاوة الآية الخامسة والثمانين من هذه السورة:

قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ ﴿٨٥﴾

كما تتذكرون في الحلقة الماضية من هذا البرنامج ذكرنا أن موسى بن عمران عليه السلام أقام في جبل الطور أربعين يوماً لتلقي التوراة، وفي نهاية هذه المدة أخبر الله تعالى نبيه الكليم (ع) أن شخصاً يدعى السامري قد عمل في غيابه على حرف الناس عن جادة الصواب، حيث أعد ذلك السامري العدة لجعل الناس يعودون إلى الشرك بعد أن صاروا موحدين.

والمؤسف أن قوم موسى (ع) لم يفلحوا في هذا الإمتحان الإلهي، حيث عادوا إلى عبادة الأصنام وكانوا على استعداد لتقبل عقيدة الشرك من قبل، فهم لما عبروا النيل ورأوا أناساً على أصنامهم عاكفون، طلبوا من موسى (ع) صنماً ليعبدوه ولا ريب أن السامري استغل غياب موسى (ع) عن قومه ليشيع فيهم الشرك والكفر، وكان موسى (ع) قد أخلف في قومه أخاه هارون، بيد أن القوم لم يعبأوا بوجود الخليفة ولم يسمعوا له كلام، وتمادى بنو اسرائيل في عدم الإنصياع لأوامر هارون حينما أخذوا يوجهون له التهديدات حتى كادوا يقتلونه.

وعلى أي حال فإن المستفاد من هذه الآية أمران، هما:

  • إن عصر غيبة القائد السماوي أو الديني هو فترة إختبار، ومن الممكن أن لا يخرج البعض من هذا الإختبار ناجحين.
  •  على الإنسان المؤمن أن يستعد للإمتحان كي يخرج منه مرفوع الرأس.

ويقول تعالى في الآية السادسة والثمانين من سورة طه المباركة:

فَرَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا ۚ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا ۚ أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِي ﴿٨٦﴾

يذكر المفسرون أن موسى عليه السلام قبل أن يتوجه إلى جبل الطور، كان قد أخبر قومه أن الله تعالى وعده بنزول التوراة عليه، ومن جهة أخرى كان موسى (ع) أخذ العهد من قومه أن يطيعوا خليفته هارون ولا يخالفون له أمراً، لكن الأمر لم يكن كما أراد موسى (ع)، لم يسمعوا كلام هارون وعنه صاروا معرضين، ومن هنا دخل الحزن في قلب موسى (ع) لما عاد إلى قومه.

نعم، الحزن حل في قلب هذا النبي بدلاً من الفرح بنزول التوراة عليه، لكن يا ترى ما هي الدروس المأخوذة من هذه الآية الكريمة؟ نعم، إنها ثلاثة، هي كالتالي:

  •  من خصائص أولياء الله الكرام، الحزن وحتى الغضب غيرة على الدين وتعاليمه الغراء.
  •  إن غضب الأنبياء والرسل عليهم السلام يتبعه غضب الله تعالى، نستجير وإياكم من ذلك والله المستعان.
  • إن عدم الوفاء بعهد الله تعالى يهيء الأجواء للإنحراف في المجتمع.

ويقول جل جلاله في الآية السابعة والثمانين من سورة طه الكريمة:

قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَـٰكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَٰلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ ﴿٨٧﴾

إن بني إسرائيل شعروا بالندم على ما فعلوا في غياب نبيهم وأخذوا يتذرعون بالحجج والذرائع لكي يبرروا فعلتهم مع السامري، إنهم قالوا أن السامري هو الذي أثر فينا بأقواله وما فعلناه لم يكن بمحض إرادتنا.

واعترف بنو اسرائيل لموسى (ع) بأنهم أعطوا كل ما كان عندهم من ذهب للسامري لكي يصنع عجله الذهبي.

والذي تفيده هذه الآية هو:

  •  إن البعض من المذنبين يلقون تبعة ذنبهم على الغير، لكن هذا التعامل ليس بذي أثر في دفع العقاب أو حتى تقليله.
  •  إن الزينة وهي أمر غير محرم ذاتاً قد تكون سبباً للوقوع في الحرام في بعض الأحيان.

والآن نصغي إلى تلاوة الآيتين الثامنة والثمانين والتاسعة والثمانين من سورة طه، حيث يقول تبارك وتعالى:

فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَـٰذَا إِلَـٰهُكُمْ وَإِلَـٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِيَ ﴿٨٨﴾

أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا ﴿٨٩﴾

بعد أن أخذ السامري الذهب والمجوهرات من الناس، صنع منها عجلاً وبحيله جعل العجل يصدر صوتاً، الأمر الذي أثار دهشة الناس، وبلغت الوقاحة بالسامري حداً أن قال: إن على موسى (ع) أن يأخذ أوامره من هذا العجل لا من الله، جل شأنه.

وجاء الكلام الإلهي موبخاً للقوم المشركين، إذ كيف تأتي لهؤلاء ترك التوحيد وعبادة الله الواحد الأحد والإقبال على عبادة صنم، هو العجل الذي لا يفيد ولا يضر في شيء، إن المعبود الحقيقي هو ذلك الذي يلبي حاجات العباد ويفيدهم ولا يضرهم.

على أن ما نأخذه من فوائد من هذا النص القرآني الكريم هو:

  •  إن أعداء طريق الحق يوظفون كل الإمكانات لحرف الناس عن الصراط المستقيم ومن ذلك الإمكانات الفنية.
  •  إن عقول بعض من الناس في عيونهم، ومن هنا فهم لا يؤمنون بالله لأنهم لم يرونه بالباصرة، لكن الله أمام كل الناس تدركه البصائر والألباب.

عصمنا الله وإياكم من الشرك والكفر ووفقنا للإيمان إنه سميع الدعاء، حضرات المستمعين الأكارم أنتم على موعد مع تفسير آيات أخرى من سورة طه المباركة بإذن الله، نستودعكم الله والسلام خير ختام.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة