بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين وأفضل السفراء المقربين أبي القاسم محمد وعلى أهل بيته سفن النجاة ومصابيح الهدى في الهلكات.
حضرات المستمعين الأكارم أسعد الله أوقاتكم بكل خير وأهلاً بكم في حلقة أخرى من نهج الحياة، لازلنا في رحاب سورة طه المباركة ونبدأ بالإستماع إلى تلاوة الآيتين الثالثة عشرة والرابعة عشرة منها، حيث يقول تعالى شأنه:
وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىٰ ﴿١٣﴾
إِنَّنِي أَنَا اللَّـهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴿١٤﴾
في الحلقة الماضية ذكرنا أن موسى عليه السلام لما غادر مدين متوجهاً إلى مصر، وفي الوادي المقدس (طوى) سمع النداء الإلهي؛ ويأتي هذا النص ليبين أن ذات القدس الربوبي أبلغ موسى عليه السلام بأنه قد أختير للنبوة وبعث في بني اسرائيل رسولاً، وجاء النداء الإلهي لإعداد موسى عليه السلام لتلقي الوحي والتنزيل والإضطلاع بأبعاد الرسالة.
ودعي موسى عليه السلام لعبادة الله الواحد الأحد وأداء الصلاة للرب الجليل. نعم، إن الأنبياء والرسل عليهم أفضل الصلاة والسلام مأمورون من قبل الله تبارك وتعالى لهداية الناس ودعوتهم إلى التوحيد وهم القدوة الحسنة في ذلك، ومن هنا يأتي الخطاب من الله تعالى أولاً إليهم، ذلك أنهم أول المكلفين بعقيدة التوحيد وأول الناس أداءاً للفرائض الدينية.
وفي كل هذا، الدروس والعبر للدعاة إلى الدين الحنيف لجعل أنفسهم قدوة للناس ونموذجاً، ومن يريد تعليم الناس فليبدأ أولاً بتعليم نفسه.
والآن إلى الدروس التي نأخذها من هذا النص الشريف فهي:
- إن التوحيد ومعرفة الخالق هو في مقدمة أصول الدين، كما أن الصلاة هي في مقدمة كل العبادات.
- إن كل الأديان السماوية تأمر الناس بطاعة الله تعالى من خلال إقامة الصلاة.
- إن الصلاة في أفعالها الظاهرية من قيام وقعود وركوع وسجود لوحدها غير كافية، بل لابد للصلاة أن تكون مفعمة بروح التوحيد والعبودية الخالصة لله جل جلاله.
والآن نصغي إلى تلاوة الآيتين الخامسة عشرة والسادسة عشرة من سورة طه المباركة:
إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ ﴿١٥﴾
فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَن لَّا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَىٰ ﴿١٦﴾
تحدثت الآيات السابقة عن ركنين أساسيين في الأديان الإلهية، وهما التوحيد والنبوة ويأتي هذا النص متحدثاً عن الركن الثالث وهو المعاد ويوم القيامة، إن الساعة التي هي تعبير عن يوم الجزاء آتية لا ريب فيها، لكن متى وقوع الساعة؟
للإجابة عن هذا السؤال نقول أن علم الساعة لله تعالى وحده، وحتى الرسل والأنبياء المقربون لا علم لهم بالساعة ويوم الحساب.
وأمر القيامة كأمر الموت، القيامة واقعة والموت واقع لا محالة، ولكل أجل كتاب، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، إن هذا النص يبين كذلك الغاية من يوم المعاد، فهو اليوم الذي تجزى فيه كل نفس بما كسبت وما ربك بظلام للعبيد.
نعم، إن الجنة للمحسنين الشاكرين والنار للمسيئين العاصين.
والذي يوضحه هذا النص أيضاً أن الكثير من الناس لايريدون قبول المعاد ويشككون فيه وفي الحياة الآخرة، ويشيعون هذا التشكيك بين الناس، وفي قبال هذه الدعوات التشكيكية وهي موجودة في كل زمان ومكان، لابد للمؤمنين من الثبات على مبادئهم الحقة وإيمانهم الراسخ.
والمستفاد من هذا النص:
- إن الساعة آتية لاريب فيها أن الله يبعث من في القبور وأمر ذلك إلى الله جل شأنه.
- إن الهوى واتباع نزوات النفس هما السبب في إنكار يوم المعاد، بعض الناس يريدون أن يفعلوا ما يشاؤون من دون أن يكون لهم حساب وعليه ينكرون المعاد.
- الثبات على العقيدة الحقة أمر لازم لصيانة النفس من عذاب الآخرة.
وآخر ما نستمع إليه في هذه الحلقة تلاوة الآيتين السابعة عشرة والثامنة عشرة من سورة طه:
وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَىٰ ﴿١٧﴾
قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ ﴿١٨﴾
لقد اختار الله تعالى موسى بن عمران رسولاً نبياً، فهو عليه السلام من الأنبياء أولي العزم ومن أصحاب الكتب السماوية، ولما بعثه الله تعالى نبياً جهزه بالمعجزات كي تكون براهين ساطعة على إثبات نبوته عليه السلام.
واشتهر موسى على نبينا وآله وعليه الصلاة والسلام، بعصاه وجاءه الخطاب الإلهي ذات مرة، ما تلك بيمينك يا موسى؟ الله تعالى كان يعلم الجواب وهو العليم الخبير، بيدأنه جل شأنه جعل هذا السؤال مقدمة لقيام تلك العصى بالمعجزات بإذن الله.
على أي حال، جواب موسى عليه السلام جاء موضحاً الأعمال البسيطة التي تؤديها العصى من قبيل الإتكاء عليها؛ وسيأتي منا بإذن الله الحديث عن معاجز عصى موسى في الحلقة القادمة.
وما نأخذه من هاتين الآيتين من دروس هو:
- إن الرعي كان عمل الأنبياء عليهم السلام، ولعل في صعوبة هذا العمل ما يؤهل الأنبياء (ع) لأداء جسام الأمور المناطة بهم.
- إن الله تعالى لإظهار قدرته والمعجزات، يجعل أبسط الوسائل سبيلاً إلى ذلك.
طبتم وطابت أوقاتكم بكل خير والسلام على من اتبع الهدى.