بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبي الهدى والرحمة، محمد بن عبد الله وعلى آله آل الله.
السلام عليكم حضرات المستمعين الأكارم وأهلاً بكم في نهج الحياة؛ لقد أنهينا تفسير 6 آيات من سورة طه المباركة، وفي هذه الحلقة نقدم تفسيراً لست آيات أخرى من هذه السورة، حيث نستمع أولاً إلى تلاوة الآيتين السابعة والثامنة:
وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ﴿٧﴾
اللَّـهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ ﴿٨﴾
خلال تفسير الآيات الست الأولى من سورة طه المباركة بينّا ثلاث أركان من صفات الرب الجليل وهي الخلق والحكم والملك، فالله تعالى هو الخالق الحاكم المالك، وتأتي هاتان الآيتان للإشارة إلى الركن الرابع في صفات الكريم المنان وهو العلم، ذلك أن الله تباركت أسماؤه هو العالم العليم.
نعم، إن الله تعالى عالم بكل شيء، يعلم الجهر وما يخفى، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور؛ وفي سياق النص القرآني الذي استمعنا إليه جاء التأكيد على وحدانية الخالق في الذات والصفات، أي أنه ليس كمثله شيء، ومن هنا فهو واحد أحد وفرد صمد، وصفاته جل جلاله، أي صفاته الثبوتية عين ذاته لا زائدة عن الذات، فإن قلنا عليم فهو عليم بذاته، وإن قلنا قادر فهو قادر بذاته، وعلمه عين قدرته، وهكذا الحال في باقي صفاته تبارك وتعالى؛ قدرة الله وعظمته ورحمته ورأفته تتجلى في الوجود بأبهى صورة.
والآن إلى الدروس المستفادة من هذا النص الشريف:
- عندما يعلم الإنسان أن الله تعالى بكل شيء عليم يتجنب عن أداء المنكر من الأعمال أو يقلع عنها.
- إن من تتجلى فيه صفات الجمال والكمال هو الذي يستحق العبودية، ولا ريب ولا شك في أن الله وحده جامع صفات الجمال والكمال والمنزه عن كل عيب ونقص، فهو ربنا ذوالجلال والإكرام.
حضرات المستمعين، والآن نستمع إلى تلاوة الآيتين التاسعة والعاشرة من سورة طه المباركة:
وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ ﴿٩﴾
إِذْ رَأَىٰ نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى ﴿١٠﴾
اعتباراً من الآية التاسعة من هذه السورة وحتى ما يقرب من ثمانين آية، يتحدث القرآن الكريم عن سيدنا موسى عليه السلام، وفي حياة النبي موسى، على نبينا وآله وعليه الصلاة والسلام، دروس وعبر في محاربة الطغاة والوقوف بوجههم وعدم الخوف إلا من الله جل شأنه، وجاءت بعثة النبي موسى (ع) في الوادي المقدس عند عودته من مدين، وكانت معه أسرته، قد آنس في الليل وجوفه المظلم ناراً، لقد كان موسى (ع) قد ضل الطريق في حالك الظلام، ولما رآى النار علم أن من حولها أناس فطلب من زوجه وولده التوقف ريثما يذهب ويأتي بالخبر.
واتضح الأمر لموسى (ع) حيث لم يكن ما رآى ناراً، بل نوراً إلهياً تجلى في شجرة، والذي يبدو أن هذا النور الإلهي قد تجلى لموسى (ع) دون أهله.
وهكذا دلّ موسى (ع) على الطريق وأضاء الله تعالى له طريق إنقاذ المجتمع ليس من الظلام المادي وحسب، بل ومن ظلمات النفس كذلك.
نعم، أوضح الله تعالى لموسى (ع) النهج الوضاء لإنقاذ بني اسرائيل من التيه والضلال.
والذي يمكن أن نأخذه من هذا النص الشريف:
- إن من أساليب التربية في القرآن الكريم، عرض أحداث التاريخ وسالف الأمم والأقوام، وذكر ما مر عليهم من طوارق الحدثان صعوداً ونزولاً، وفي ذلك الدروس والعبر للإنسان.
- علينا أن لا نخاف المشاكل والصعاب، إن هي أقبلت علينا إذ فيها ما فيها من بناء الذات، ثم أن الله تعالى يجعل من بعد عسر يسراً وهو اللطيف الخبير.
والآن نصغي إلى تلاوة الآيتين الحادية عشرة والثانية عشرة من سورة طه، حيث يقول تبارك شأنه:
فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَىٰ ﴿١١﴾
إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ۖ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ﴿١٢﴾
سمع موسى (ع) النداء الإلهي في وادي طور سيناء، وكلمه الله تكليماً وأعلمه أنه ربه، وجاء الأمر بخلع النعلين لقدسية الحدث وقدسية المكان، والمستفاد من هذا الحدث التاريخي والديني المهم، حرمة الأماكن المقدسة، مثل المساجد والمشاهد المشرفة ولزوم التحفي عند دخولها.
والآن إلى ما يستفاد من هذا النص المبارك:
- أراد موسى (ع) أن يأتي لأهله من النار بقبس بينا أوكل الله إليه مهمة كبيرة هي النبوة، نعم التقدير ورسم معالم الحياة بيد الله تعالى، وما تشاؤون إلا أن يشاء الله.
- إن أول خطوة لنيل اللطف الإلهي رعاية الأدب في الأماكن المقدسة.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لمراضيه ويجعل مستقبل أمرنا خيراً من ماضيه، إنه ذوالرحمة والرضوان والكريم المنان.
هكذا انتهت هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة، نشكر لكم حسن المتابعة والسلام خير ختام.