بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله حمد الشاكرين وأفضل الصلاة وأزكى التسليم على سيد الخلق أجمعين نبي الهدى والرحمة أبي القاسم المصطفى محمد وعلى أهل بيته الغر الميامين.
السلام عليكم حضرات المستمعين وأهلاً بكم في حلقة جديدة من نهج الحياة وتفسير آيات أخرى من سورة النحل المباركة ونبدأ بالآية الأولى بعد المئة التي نستمع إلى تلاوتها أولاً:
وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ ۙ وَاللَّـهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴿١٠١﴾
النسخ في التشريع هو كالبداء في التكوين، يأتي الإثنان لحكمه من الله ومصلحة، حيث تتغير الأحكام الشرعية التي تكون الحاجة لها مؤقتاً، وعلى سبيل المثال فإن تحريم الخمر جاء على مراحل البدء دعت الشريعة الى عدم الإقتراب من الصلاة في حال السكر ومن بعد ذلك تدرج التحريم حتى أصبح عاماً لا يخص حال الصلاة دون غيرها، وثمة نقطة مهمة لابد من الإشارة إليها هنا وهي النسخ في التشريع هو من مختصات الله عزوجل وليس لأي نبي، مهما بلغت مرتبته، حق النسخ؛ وقد جاء في الذكر الحكيم قولاً عن النبي (ص) [ما كان لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي].
ويستفاد من هذا النص ما يلي؛
- إن تغيير الأحكام في صدر الإسلام كان على أساس المصلحة والحكمة الإلهية.
- ليس للناس علم بأسرار الأحكام الإلهية، وهذا من مناشيء إثارة الشبهات حولها.
والى الآية الثانية بعد المئة من سورة النحل المباركة:
قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ ﴿١٠٢﴾
إن الكفار والمشركين اتخذوا النسخ في الأحكام وسيلة للتعرض الى الإسلام والإدعاء بأنه ليس من عند الله العزيز الحكيم، وتأتي هذه الآية آمرة النبي (ص) بأن يقول للناس أن القرآن نزل به روح القدس الملك جبرائيل وإن جميع ما فيه من آيات هو من الله تعالى شأنه، ومن اللازم أن نذكر هنا أن تغيير الأحكام هو للتسهيل على المؤمنين وجعلهم على استعداد لأداء الفروض الشرعية، وهنا تمكن الحكمة في النسخ.
ونتعلم من هذه الآية ما يلي:
- إن القرآن الكريم هو الحق والحقيقة، وقد نزل على صدر النبي الكريم (ص) بواسطة الأمين جبرائيل كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، إنه تنزيل من لدن العزيز الحكيم.
- إن درجات ومراتب الإيمان عند الناس متفاوتة، فبعض آمن بلسانه والمؤمنون الحقيقيون هم الذين دخل الإيمان قلوبهم فأنار فيها مصابيح الهداية وإن القرآن كتاب الرشاد والسداد للجميع.
ويقول تعالى في الآية الثالثة بعد المئة من سورة النحل المباركة:
وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ۗ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ ﴿١٠٣﴾
ادعى بعض الكفرة أن النبي (ص) قد تعلم القرآن من غير الله تعالى ونقله الى الناس، كبرت كلمة خرجت من أفواههم ولنا أن نسأل إذا كان للنبي (ص) العياذ بالله معلم، فلماذا لم يدع المعلم النبوة وتركها لتلميذه؟
ثانيا: إن من إدعى المشركون إنهم كانوا العياذ بالله للنبي (ص) معلمين كانوا من غير العرب ومن خارج جزيرة العرب، ومن بعد هذا كيف يتأتى لغير العربي أن يضع القرآن بلغة العرب الفصيحة، الكتاب الذي هو معجزة في الفصاحة والبلاغة والبيان.
وقد بلغ إعجاز القرآن الكريم حداً إتهم الكفار فيه النبي (ص) بالسحر وكان المشركون يوصون الناس بعدم الإصغاء الى آيات القرآن الكريم عندما كان النبي (ص) يتلوها لئلا يقعوا، حسب زعمهم، تحت تأثير سحرها وما هي بسحر إن هي إلا قول الله تعالى والقرآن الكريم بنفسه طلب من الناس أن يأتوا بسورة من مثله، وجاء ذلك صريحاً في قوله تعالى؛ بسم الله الرحمن الرحيم، وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهدائكم من دون الله إن كنتم صادقين، صدق الله العلي العظيم.
ومن الواضح أن القرآن من عند الله تعالى، فليس هناك أي شبه من حيث الأسلوب بين آيات القرآن من جهة والأحاديث النبوية الشريفة من جهة أخرى، ومن الجدير أن نذكر هنا أن ما جرى على لسان الرسول الخاتم (ص) هو إما آيات القرآن أو الأحاديث القدسية أو الأحاديث النبوية، وإنه (ص) كان اللسان الناطق بوحي الله تعالى.
والذي نستفيده من هذا النص:
- لابد من التعرف على ما يلقيه المعارضون من شبهات ولابد من الرد عليها، فلكل الشبهات حلول واجوبة.
- علينا أن نكون على الدوام يقظين أمام مؤامرات الأعداء التي تحاول وتريد فصلنا عن القرآن الكريم.
اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا، اللهم اجعل القرآن زاد حياتنا، اللهم اجعل القرآن شاهداً لنا يوم القيامة لاشاهداً علينا، آمين يا رب العالمين.
حضرات المستمعين الأفاضل هكذا انتهت هذه الحلقة من نهج الحياة، دمتم في أمان الله سالمين والسلام عليكم ورحمة الله.