بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وآله الطاهرين.
السلام عليكم حضرات المستمعين الأكارم وأهلا بكم في حلقة أخرى من برنامج نهج الحياة، حيث نواصل تفسيرنا الموجز لآيات القرآن الكريم، وكنا أنهينا بحمد الله تعالى تفسير 25 آية من سورة النحل المباركة وندعوكم الآن الى الإصغاء لتلاوة الآية السادسة والعشرين من هذه السورة:
قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّـهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ ﴿٢٦﴾
في الحلقة الماضية من هذا البرنامج توقفنا عند الآيات التي بينت أساليب تعامل أئمة الكفر والضلال مع آيات القرآن الكريم وبيانات الوحي المبين، حيث كانوا يعملون من أجل حرف الناس عن جادة الصواب والصراط المستقيم والنهج الإلهي الوضاء من خلال السخرية والإستهزاء بآيات السماء وتأتي هذه الآية المباركة لتوضح لنا أن أسلوب الماضين من أهل الضلال هو المكر والخديعة والتآمر على الدين الإلهي.
لكن لاريب ولاشك أن أمر الله تعالى نافذ في هذه الفئة المنحرفة حيث لهم سوء العذاب في الدنيا وفي الآخرة لهم عذاب مهين، ولابد من الإشارة هنا الى أن عذاب هؤلاء الكفرة يأتي بغتة كي ينالهم من دون أن يستطيعوا الهروب منه، وحسب تعبير القرآن من حيث لايشعرون.
والى بعض الدروس المستفادة من هذه الآية فهي:
- عندما يكون أساس الدين في خطر فإن إرادة الله تعالى شأنه تتدخل لتوقف تآمر أعداء الدين عليه.
- إن من يركبون مطية المكر والخداع لمحاربة الدين، ينالهم العذاب الإلهي الذي لا مفر منه، ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.
ويقول تعالى في الآية السابعة والعشرين من سورة النحل المباركة:
ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ ۚ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴿٢٧﴾
إن الإستهزاء بالمؤمنين وأفكارهم وقيمهم من قبل الكفار تكون نتيجته ذلة الكفار وفضيحتهم في يوم القيامة وهو اليوم الذي ينظر فيه المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر ياليتني كنت ترابا.
وفي يوم الحساب ينال الكافرون شديد العذاب لما جنوه في هذه الدنيا، والذين يظلمون، يتجاهلون المؤمنين وحقوقهم في الدنيا، يذعنون يوم القيامة لحق المؤمنين ويعترفون بجهلهم في الدنيا الذي دفعهم الى تجاهل المؤمنين، وهذا الأمر في حد ذاته من أشد أنواع العذاب.
وفي الثقافة القرآنية فإن العلم والجهل لهما معنيان يتجاوزان حدود المعرفة وعدمها؛ فالعالم هو ذلك الشخص الذي يكون فكره وعمله على أساس الحق والحقيقة وإن كان غير ملم بكثير من العلوم.
وفي المقابل فإن الجاهل هو من يكون فكره وعمله على أساس الباطل وإن كان محيطا بالعلوم الكثيرة. وفي هذا النص الشريف تم التعريف بأهل العلم وأنهم هم الذين يقفون بوجه الكفر والشرك ويؤمنون بالدين والتوحيد.
ومما تفيده هذه الآية:
- أن من يعطي قيمة لشخص أو أمر لاقيمة له عند الله، عليه أن يفسر فعلته هذه يوم الحساب.
- إن العلم الحقيقي لابد أن يقود الى الإيمان والعمل الصالح، ومثل هذا العلم جدير أن يفخر به الإنسان لأنه عطية الله تعالى ومنحته إليه.
ونصغي الآن الى تلاوة الآيتين الثامنة والعشرين والتاسعة والعشرين من سورة النحل المباركة حيث يقول تباركت أسماؤه:
الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ ۖ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ ۚ بَلَىٰ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿٢٨﴾
فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۖ فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ﴿٢٩﴾
هذا النص يتحدث عن حالة الكفار عند الإحتضار، ثم كيفية دخولهم النار، ويشير هذا النص الى أن الكافر حين النزع وفي الرمق الأخير، يظهر الإسلام والتسليم. وأنه حيما يأتيه ملك الموت يتنكر لماضيه البائس، لكن من الواضح أن إظهار الإيمان في آخر لحظات الحياة لاقيمة له لأنه إنما يجيء عن اضطرار وعجز، والموت لا يعني الفناء والعدم، بل يعني مغادرة الروح جسمها المادي الذي كانت قد حلت فيه في الحياة الدنيا.
على أن مراحل الحياة هي ثلاث:
- الحياة الدنيوية
- الحياة البرزخية، ثالثا: الحياة الآخرة وهي خير وأبقى.
وإذا كان البرزخ في اللغة هو ما يفصل بين شيئين فإن الحياة البرزخية هي الفاصل بين الدنيا والآخرة وفيها يذوق الإنسان طعم ما فعل في الدنيا إن كان مراً فمر وإن كان حلواً فحلو، ولعل هذا المعنى هو ما يومئ اليه الحديث الشريف القائل: (القبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار) أعاذنا الله واياكم من النار.
والى الدروس التي نأخذها من هذ النص القرآني الشريف فهي:
- إن الموت في الثقافة الإسلامية ليس الفناء، بل هو بداية مرحلة جديدة من الحياة.
- إن ظلم الإنسان نفسه لا يقل عن ظلمه لغيره.
- إن جذور الكفر هي في التكبر وعدم قبول الحقيقة.
غفر الله لنا ولكم والسلام عليكم.