بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين وآله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم حضرات المستمعين الأكارم ورحمة الله وبركاته وأهلا بكم في حلقة أخرى وجديدة من برنامج نهج الحياة وعودة الى تفسير آيات أخرى من سورة ابراهيم (ع)، ونبدأ بالآية السادسة والثلاثين من هذه السورة المباركة:
رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ ۖ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ۖ وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿٣٦﴾
ذكرت الآيات السابقة أن سيدنا ابراهيم (ع) كان قد دعا ربه تعالى أن يحفظه وذريته من الشرك وعبادة الأصنام ويثبت قلوبهم على الإيمان بالواحد الأحد والفرد الصمد.
المشركون من الناس وهم موجودون في كل زمان ومكان وبدلاً من اقتفاء سيرة الرسل والأنبياء العظام عليهم الصلاة والسلام والذين جاءوا لهداية الناس، ينكبون على عبادة الأصنام والآلهة المزيفة بمختلف أقسامها الظاهرة والخفية كالأهواء وأئمة الضلال وغير ذلك.
وكانت رسالة سيدنا ابراهيم (ع) رسالة التوحيد الخالص حيث أنه عمل على تحطيم الأصنام في زمانه؛ دعوة منه الى الحنيفية البيضاء، ظاهرها كباطنها، ولخلقه الرفيع، وهذا هو خلق جميع الرسل الربانيين، لم يطلب ابراهيم الخليل من ربه الجليل العذاب للمشركين، بل دعاه سبحانه وتعالى لأن يغفر لمن كان على جاهلية الشرك، وما يستفاد من هذه الآية الكريمة:
- أن العلاقات والتواصل العقائدي مقدم على العلاقات الأسرية، وبعبارة أخرى، المؤمن من أقرباء النبي وإن بعد عنه في القرابة والنسب، والكافر ليس من أهل النبي حتى وإن خرج من صلبه كما هو الحال في ابن نوح (ع)، إذن وشائج الإيمان أقوى من علاقات القرابة.
- إن صناعة التماثيل هي نوع من الفن، لكن هذا الفن إذا خدم أغراضاً تخالف الدين، مثل الشرك، فلا قيمة له لأنه فن يؤول الى الضلال.
والآن نستمع الى الآيتين السابعة والثلاثين والثامنة والثلاثين من سورة ابراهيم عليه السلام:
رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ﴿٣٧﴾
رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ ۗ وَمَا يَخْفَىٰ عَلَى اللَّـهِ مِن شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ ﴿٣٨﴾
بأمر من الله تبارك وتعالى، أسكن سيدنا ابراهيم (ع) زوجته وولده اسماعيل (ع) وكان طفلا صغيرا، في أرض مكة وكانت أرضا جرداء لا ماء فيها ولا كلأ، وتوجه هو الى بلاد الشام ودعا ربه أن ينزل من النعيم عليها، والنقطة التي لابد من الإشارة اليها هنا هي أن سيدنا ابراهيم (ع)، وإن كان قد قدم الى مكة المكرمة لتجديد بناء الكعبة الشريفة فيها، بيد أنه أوضح أن الهدف من مجيئه الى هذا البلد الحرام هو دعوة الناس الى إقامة الصلاة والتزيين بزينة الإيمان والتجرد من قيود الشرك، علما أن الكعبة هي قبلة المصلين وهي في ذات الوقت البيت العتيق الذي يزوره الناس خلال موسم الحج وأداء مناسكه، وحينما يعتمرون اليه في غير أشهر الحج.
وفي بناء الكعبة في أرض جرداء ووسط الصحراء، فيه حكمة بالغة، حيث يكون توجه الناس اليها توجه العابد الى المعبود، إذ أن الناس عبيد الله والكعبة بيت الله، لكن لو كانت الكعبة قد بنيت في أرض خضراء لا جرداء، فقد يكون سفر الإنسان اليها بقصد السياحة والإستجمام لا بقصد العبادة لله الملك العلام.
والآن الى الدروس المستقاة من هذه الآية المباركة فهي:
- إن من لوازم إطاعة الله تبارك وتعالى الإبتعاد عن الوطن والهجرة في أرض الله الواسعة.
- إن الله تعالى هو الذي يلقي المحبة في القلوب، فإذا أردنا أن يحبنا الناس، علينا التوجه الى الله لا أن نسلك للشهرة طريقاً.
والآن نستمع الى تلاوة الآية الثامنة والثلاثين من سورة ابراهيم (ع)، حيث يقول تعالى:
رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ ۗ وَمَا يَخْفَىٰ عَلَى اللَّـهِ مِن شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ ﴿٣٨﴾
إن نبي الله ابراهيم (ع) كان دعا ربه أن يوطد أواصر الألفة بين أهل مكة، على أن سيدنا ابراهيم (ع)، وكما يبدو من هذا النص يعلم جيداً أن علم الله تبارك وتعالى لا تخفى عليه خافية في السر والعلن. نعم، إن الله تبارك وتعالى هو عالم الغيب والشهادة، يعلم نية المرء وما يؤول اليه عمله، وهو جلت قدرته عالم بما في السموات والأرضين.
أما الإفادة من هذا النص الشريف فهي:
- لا علم كعلم الله تعالى وكل العلوم مهما بلغت دون علمه تعالى.
- إن عمل الخير عمل شريف لكن لا ينبغي للإنسان إذا ما فعل الخير أن يغتر بما فعل.
ونستمع الآن الى تلاوة الآية التاسعة والثلاثين من سورة ابراهيم (ع):
الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ ۚ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ ﴿٣٩﴾
إن سيدنا ابراهيم على نبينا وآله وعليه الصلاة السلام، رزق على الكبر بإذن الله تعالى اسماعيل واسحاق وها هو يشكر الباري تبارك وتعالى على هذه العطية الباهرة.
إن اسماعيل واسحاق كانا تبوأا منصب النبوة وكانت أم أحدهما أمة والأخرى حرة.
كان اسماعيل واسحاق عليهم السلام من الصالحين ومن صلبهما ظهر أنبياء آخرون صلوات الله وسلامه عليهم.
والى ما نستفيده من هذا النص الشريف:
- إن الأبناء هم هدية الله تعال الى الآباء ولابد من شكر الله تعالى على هذه الهدية والعطية والدعاء بالتوفيق للأبناء في صالح الأعمال.
- لابد من حمد الله تعالى حين ذكر نعمه، وأن نطلب النعم منه تعالى فهو الكريم الوهاب، يفيض على عباده النعم فيضاً لأنها من عطايا رحمته وقد وسعت رحمته كل شيء.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يهدينا على الدوام صراطه المستقيم وأن يوفقنا لشكر نعمه وحمد آلائه إنه مجيب الدعوات، والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الهداة والسلام خير ختام.