في يوم الغدير الثامن عشر من شهر ذي الحجة من السنة العاشرة من الهجرة النبوية المباركة نَصَّبَ الرسول المصطفى محمد ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ بأمر من الله عزَّ وجلَّ علي بن أبي طالب ـ عليه السَّلام ـ خليفةً ووصياً وإماماً وولياً من بعده.
والغدير ثاني أهم الحوادث في تاريخ الرسالة الاسلامية بعد البعثة النبوية الشريفة ومن الايام العظيمة التي ذكرت الأحاديث الشريفة جوانب من عظمته، ففي رواية الامام علي بن موسى الرضا ـ عليه السَّلام ـ عن أبيه عن جده ـ عليهم السَّلام : " إِنَّ يَوْمَ الْغَدِيرِ فِي السَّمَاءِ أَشْهَرُ مِنْهُ فِي الْأَرْضِ".
وما أراه مهما في مناسبة عيد الغدير أختصرته في ثلاث أسئلة، وهي: من اين جاءت أهمية وعظمة عيد الغدير؟ ولماذا أتفق جميع المسلمون على وقوع الحادث وكل تفاصيله؟ وما هي الاسباب وراء إختلافهم في هدف الرسول ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ في إيجاد هذه المناسبة، وتفسيراتهم لحديثه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ بخصوصها؟
استطيع القول ان مقومات عظمة الحدث ثلاث هي الأطراف الفاعلة فيه والموضوع والزمان، ومن هنا اصبح واضحا ولا نحتاج الى المزيد من التفصيل فعناصره هم رسول الله محمد بن عبد الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ والامام علي ـ عليه السَّلام ـ وخيرة الأصحاب ـ رضوان الله عليهم ـ وجمع غفير من حجاج بيت الله الحرام من عامة المسلمين، وفوق كل هذه الاطراف الوحي الذي نزل في هذه المناسبة.
أما الموضوع الذي جمع النبي الاكرم ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ المسلمين لأجله في يوم قائض وحرصه الشديد على أن يشهد الحادث أكبر عدد من المسلمين حيث جمعهم عند مفترق الطريق الذي يتشعب الى المدينة المنورة والى اليمن، وهذا يعني ان هناك أمرا مهم جدا يستدعي ان يتخذ الرسول ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ كل هذه الاجراءات ليضمن وصوله الى جميع المسلمين. أذن فما هو هذا الامر أليس التبليغ بولاية علي ـ عليه السَّلام ـ من بعد رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ أم هناك شيء آخر؟ كما ذهب إليه البعض بما يخالف العقل والمنطق من ان الرسول ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ أراد ان يبلغ المسلمين بأن علي ابن ابي طالب ـ عليه السَّلام ـ هو ابن عمه، فهل من المعقول كل هذه التحضيرات لهذا الاجتماع الذي يعد الأكبر في تاريخ حياة الرسول ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ لأجل ان يُعَرِفْ المسلمين بأن علي ابن عمه، اترك للقارئ الكريم تحديد الجواب المناسب.
اما زمان الحدث ـ يوم الغدير ـ فكان في نهاية موسم الحج وما للمناسبة من قدسية وأهمية كبيرة، كما أن تدخل الارادة الغيبية واضحة حيث كانت تلك الحجة بالنسبة لرسول الله هي حجة الوداع أي آخر حجة من عمره الشريف التي إلتقى بها مع المسلمين من جميع مناطق الدولة الاسلامية، ومن هنا شاءت الأرادة الإلهية ان يكون هذا العام وهذا اليوم هو يوم إكمال الدين وإتمام النعمة فنزل قوله تعالى ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلَامَ دِيناً)) في الآية 3 من سورة المائدة.
من هنا نستطيع القول ان حادث الغدير مستوفي لجميع مقومات العظمة وأكتسب الأهمية الكبيرة في تاريخ الرسالة المحمدية الأصيلة لما له من آثار على حياة المسلمين ومستقبلهم سواء على مستوى الفرد أو الأمة، ومن الواضح جداً أن هذه الآثار تتجاوز الحياة الدنيا الى الآخرة.
أما لماذا أتفق جميع المسلمون على وقوع الحادث ولم يختلفوا في كل تفاصيله؟ فذلك لأسباب عديدة، اهمها العدد الكبير الذي شهد الحادث، وكذلك لم تتدخل المصالح السياسية في وقت الحدث، الوحي الذي كان عنصر أساسي في الحادث.
ولكن لماذا أختلف البعض في هدف الرسول ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ في إيجاد هذه المناسبة؟ فهم أختلفوا في تفسيراتهم لحديثه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ بخصوص قوله "من كنت مولاه فهذا علي مولاه" وهو كلام واضح وصريح وبلسان عربي فصيح لا يقبل التأويل، يفصح عن حق علي ـ علية السَّلام ـ بالولاية على المسلمين بعد النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ يأمر من الله سبحانه وتعالى، وهذا ما يقره العقل والمنطق فإنه ليس من المعقول ان تترك الرسالة وتترك الامة بعد رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ في مهب الريح، تتلاعب بها الاهواء والمصالح الشخصية.
ومراجعة منصفة لتاريخ الدولة الاسلامية بعد رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ نصل الى الحقيقة التي تقول لو ان الامور سارت كما اراد الله ورسوله بعد وفاته ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ لما وصل الحال بالأمة الاسلامية الى ما شهدته من مآسي والى يومنا هذا، بل لو إلتزم المسلمون اليوم بولاية علي بن ابي طالب ـ عليه السَّلام ـ لأستطاعوا أن يحققوا حلم الانبياء، في حين ان أعداء الامة الاسلامية يدركون هذه المعاني جيداً ولهذا نجدهم اليوم يحاربون فكر الإمام علي والموالين له في كل مكان وامامكم خارطة العالم فكل منطقة فيها أتباع علي ـ عليه السَّلام ـ تجدونها ملتهبة، ولم تتوقف الحرب على خط الولاية على المستوى العسكري والاقتصادي بل تجاوزت ذلك الى مرحلة الحرب الفكرية والثقافية، فتشهد الساحة اليوم حربا بسلاح من نوع آخر يكاد يكون غير مؤلوف ألا وهو سلاح الخرافة التي يحاول العدو ان يسمم أفكار المسلمين بها لاسيما أتباع أهل البيت وبأساليب جهنمية وخطط استراتيجية بعيدة المدى.
من هنا أوجه الى كل مسلم غيور نداء الاخوة الاسلامية ان لا يكون عونا للأعداء في بث الفرقة بين المسلمين وأن يكون حريصا على تقصي المفاهيم العقائدية بعيدا عن الخلفيات الطائفية والقومية، وأن يقرء الأصالة ولا ينسب السلوك المنحرف للجهلة والمغفلين للفكر الأصيل، كما يفعل اليوم أعداء الحقيقة.
جابر كرعاوي