يبدو أن الخطة تُعرف بأنها اتفاق بين الطرفين الفلسطيني والصهيوني باسم صفقة القرن، لكن النتيجة هي أننا نواجه الآن خطةً أمريكيةً أحادية الجانب ينظمها فريق له علاقات وثيقة مع اليمين الإسرائيلي.
في هذا الصدد، ثمة أسئلة خمسة تطرح حول ماضي صفقة القرن وحاضرها ومستقبلها:
1- لماذا تم إعلان صفقة القرن في هذا الوقت بالذات؟
وعد سفير الولايات المتحدة في الأراضي المحتلة "ديفيد فريدمان" بالإعلان عن تفاصيل صفقة القرن قبل نهاية عام 2019؛ لكن تم تأجيله إلى نهاية الشهر الأول من عام 2020، وفقًا لعدد من المصادر، نتيجةً للفراغ السياسي الحالي في الكيان الصهيوني في أعقاب انهياره في ديسمبر 2018 وفشل الصهاينة في تشكيل الحكومة في عمليتين انتخابيتين.
ولكن السبب في الإعلان عن تفاصيل صفقة القرن في هذا الوقت لا يعود إلي هذا الأمر فقط؛ فسلسلة من العوامل المحلية المتعلقة بالأزمة السياسية التي يعيشها دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو، هي السبب الأكثر أهميةً.
وفي هذا الصدد، أكد "سامي العريان" مدير مركز الدراسات الإسلامية والشؤون الدولية، على أن أسباب توقيت إعلان صفقة القرن ترتبط من ناحية بوضع ترامب، الذي تم تهديده بالعزل وهو يريد إيقاف عملية الاستجواب من خلال حرف النقاشات المتعلقة بعزله.
ومضى العريان قائلاً: إن الجدول الزمني مرتبط أيضًا بظروف نتنياهو الذي يريد الهروب من تهم الفساد بين الصهاينة، وهنالك احتمال لهزيمته في الانتخابات المقبلة؛ فيريد نتنياهو تقديم شيء يُذكر في الانتخابات المقبلة.
2- ما هي الأبعاد والأهداف السياسية لصفقة القرن؟
كانت حكومة الولايات المتحدة مسؤولة عن السياسة الخارجية لخطة صفقة القرن، وسلوكها السياسي في هذه الخطة غامض؛ بحيث أنها كشفت عن تفاصيلها تدريجياً، وقبل الإعلان عنها رسميًا خلقت بيئةً خاليةً ومناسبةً لتقديم هذا المشروع، من خلال فرض مجموعة من الوقائع على الأرض، حول القضايا الرئيسية للخطة مثل قضية القدس المحتلة واللاجئين وحدود فلسطين ومسألة السيادة وما إلى ذلك، والتي تعرف باسم قضايا الحل النهائي.
كانت هذه صورة سابقة لشكل النهج الأمريكي وتفكير إدارة ترامب حول القضية الفلسطينية، وهي في انسجام تام مع رؤية اليمين الصهيوني.
قدم البيت الأبيض، بعد إعلانه عن صفقة القرن، مخططًا تفصيليًا من 181 صفحة، مقسمًا إلى جزأين، الجزء الأول هو الإطار السياسي الذي يتألف من 22 قسمًا ويشمل الجزء الثاني السياق الاقتصادي للخطة، وبالطبع تم نشر هذا الجزء من قبل.
تكشف الدراسة الدقيقة لصفقة القرن أن هذه الخطة قد انتهكت بوضوح جميع الأسس السياسية التقليدية من أجل التسوية بين الجانبين الصهيوني والفلسطيني؛ مثل قرارات الأمم المتحدة، اتفاق أوسلو، مبادرة السلام العربية وغيرها من المعاهدات المبرمة بين منظمة التحرير الفلسطينية والكيان الإسرائيلي، وهذا يمثل انقلاباً أمريكياً على طريق التسوية بين الجانبين ضد القضية الفلسطينية منذ العقود الماضية.
وهو أيضًا، وفقًا لبعض المراقبين الدوليين، انقلاب دولي في آليات التعامل مع القضايا المتعلقة بالنزاعات بين الفلسطينيين والصهاينة، والتوجُّه نحو فرض الخطة من جانب واحد.
ما يسمى بخطة صفقة القرن وبنودها التي تظهر أنها خطة أحادية الجانب ومعادية تمامًا لفلسطين وقضيتها، لا تقتصر على نطاق قضايا فلسطين فقط، بل إن آثارها واضحة للعيان في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وخاصةً في تطبيع العلاقات العربية مع الكيان الإسرائيلي.
لقد بذلت الحكومة الأمريكية جهودًا كبيرةً لنجاح "مؤتمر وارسو" في أوائل عام 2019(وهو مؤتمر عقدته الولايات المتحدة وادعت أنه يهدف إلى السلام في الشرق الأوسط يومي 13 و14 فبراير في بولندا)، وحضره عدد من الدول العربية التي لم تعلن عن علاقاتها مع الكيان الإسرائيلي.
وفي هذا الصدد، يعتقد مدير مركز الدراسات الإسلامية والشؤون الدولية أن الهدف النهائي للولايات المتحدة في تقديم هذا المشروع الوهمي للسلام، يتمثل في القضاء التام والكامل على القضية الفلسطينية، ويتوسَّع ذلك في إطار ما يسمى بالحل النهائي لمسألة القدس المحتلة، اللاجئين، حق العودة، السيادة، الحدود، المستوطنات والتطبيع. وبحسب العريان، فإن الولايات المتحدة تسعى في الواقع إلى حل هذه القضايا من جانب واحد ولمصلحة الكيان الإسرائيلي.
3- ما هو دور القسم الاقتصادي في صفقة القرن؟
أما الجزء الاقتصادي من خطة صفقة القرن، فقد تم تقديمه في 25 و26 يونيو 2019 تحت عنوان "السلام من أجل الاقتصاد"، في مؤتمر عُقد في العاصمة البحرينية المنامة. لقد قاطعت دول كبرى مثل روسيا والصين المؤتمر، وشاركت فيه الدول الخليجية كما كان متوقعاً.
قدرت تكلفة هذه النظرة الاقتصادية الأمريكية في خطة السلام المزعومة بـ 50 مليار دولار، والتي يجب أن تقسم بين الفلسطينيين ومصر والأردن ولبنان(والتي تكون مسؤولةً عن إعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين)، في غضون 10 سنوات.
الأساس الاقتصادي للخطة، الذي هو في اتجاه البرامج والمشاريع الأمريكية الصهيونية، هو إذلال الشعب الفلسطيني والدول العربية المحيطة، وبالطبع فإن الأميركيين الذين نظموا هذا القسم يجهلون طبيعة الصراع بين الفلسطينيين والكيان الإسرائيلي، حيث يعتقدون أنه من خلال إقراض وتنفيذ مشاريع التنمية في ظل تدهور الوضع الإنساني الفلسطيني، يمكنهم دفع الفلسطينيين إلى قبول الخطة.
واحدة من أكبر الثغرات في هذه الخطة، هي كيفية تنفيذ هذه الرؤية؛ لأن الفلسطينيين سواء في قطاع غزة أو في الضفة الغربية، يجب أن يوافقوا عليها، وهذا أمر مستحيل والشعب الفلسطيني سيرفضها. كما لا توجد أي مؤشرات على أن الفلسطينيين من المحتمل أن يقبلوا الخطة، بالإضافة إلي أنه لا يمكن تنفيذها دون الاستقرار السياسي. لذا فإن خطة صفقة القرن ستتأثر بهذه الظروف وسوف تؤدي إلى زيادة التوترات.
4- ما هو الرد الفلسطيني على صفقة القرن؟
من الواضح تماماً أن جميع الأطراف الفلسطينية تعارض هذه الخطة وترفضها تمامًا، ودعت جميع الأطراف الإقليمية والدولية إلى الوقوف ضد صفقة القرن. وفي أعقاب هذا الإجماع على رفض هذه الصفقة، فإن الموقف الإيجابي لبعض الدول تجاه الخطة، الذي تجلي بشكل مكشوف وبحضور سفراء الدول العربية الثلاث(الإمارات وسلطنة عمان والبحرين)، سوف يتضاءل.
وفي هذا السياق، قال رئيس السلطة الفلسطينية "أبو مازن" في كلمة ألقاها بعد إعلان صفقة القرن: "إن القدس ليست للبيع والمؤامرة لن تمر وسيرفضها الشعب الفلسطيني. سيتم الحفاظ على حقوق الأسرى والجرحى ولن يتاجر بها أحد".
كما قال "باسم نعيم" من قادة حركة حماس، إن حماس قد أعلنت موقفها الرافض لهذه الخطة منذ إثارتها قبل عامين، مضيفاً أن السبب هو:
1- تحرم هذه الخطة الشعب الفلسطيني من حقوقه الأساسية في الاستقلال وتقرير المصير وحقه في العودة إلي أرضه.
2- سيزول أي احتمال أو أمل في حل محتمل للنزاعات بالوسائل السياسية وبموجب القانون الدولي العادل في حق الشعب الفلسطيني.
3- سيتعرض الأمن والسلام الدوليان للتهديد من خلال انتهاك القانون الدولي والاستناد إلي خرافات وأساطير التوراة لحل النزاعات، وسنعود إلى شريعة الغابة والفوضى.
على المستوى الوطني أيضاً، تجمع جميع الفصائل الفلسطينية علي إفشال صفقة القرن، معتقدين أنه يجب على الفلسطينيين اتخاذ خطوات عملية تهدف إلى تحريرهم من جميع الاتفاقات السابقة المسماة "السلام" بين الجانبين الصهيوني والفلسطيني، مثل اتفاق أوسلو وبنوده الأمنية والاقتصادية، واتخاذ إجراءات لوقف التنسيق الأمني مع الصهاينة على الفور.
كما يصر الفلسطينيون على الاتفاق على قيادة واحدة تحدد الإستراتيجية الوطنية لاستعادة الوحدة وتعزيز المقاومة.
ويري "سامي العريان" أيضًا أن إفشال صفقة القرن يبدأ بوحدة الفلسطينيين، وبالتالي يمكن القول إن التحدي الرئيسي أمام تأثير التحركات الفلسطينية والوصول بها إلى المرحلة العملية، هو الخلاف وعدم التنسيق والثبات في صنع القرار على المستوى السياسي الفلسطيني.
5- ما هي السيناريوهات المقبلة لمستقبل صفقة القرن؟
حالياً يمكن التنبؤ بثلاثة سيناريوهات لمستقبل صفقة القرن:
- السيناريو الأول هو أن صفقة القرن ستنجح في كسب ثقة الفلسطينيين للعودة إلى طاولة المفاوضات، وهو سيناريو ضعيف للغاية؛ لأن الفلسطينيين مستمرون في رفض البنود والشروط المنصوص عليها في الخطة، خاصةً تلك المتعلقة بحدود الدولة الفلسطينية أو نزع سلاح حماس وحركة الجهاد الإسلامي، وبالطبع جميع البنود الأخرى التي يشير جميعها إلى انتهاك حقوق الشعب الفلسطيني، وكذلك يرفضون الدخول في المفاوضات.
- السيناريو الثاني هو الفشل الكامل لهذا المشروع في تحقيق أهدافه الشاملة والجزئية، لأن الأضرار التي لحقت بالقضية الفلسطينية حتي الآن، كانت نتيجةً لفرض عدد من الحقائق على الأرض، وكذلك جهود بعض الدول العربية لإدماج الحكم الصهيوني في البيئة الإقليمية، بالإضافة إلى بعض التغييرات في مواقف الدول العربية والإقليمية والدولية بالتنسيق مع الموقف الأمريكي، ضد القضية الفلسطينية.
- أما السيناريو الثالث، وهو الأكثر ترجيحًا، فيشير إلى الفشل الجزئي للخطة وعدم نجاحها في تنفيذ تفاصيلها في ضوء استمرار الموقف الموحد للفلسطينيين في رفض صفقة القرن والمحاولة العملية لإفشالها. بالإضافة إلى ذلك، أدى التنظيم المتسارع لبنود الخطة إلى فوضى في تنفيذها، كما أنه من الصعب على الإدارة الأمريكية إعادة صياغتها.
المصدر: موقع الوقت