البث المباشر

تفسير موجز للآيات 118 الى 120 من سورة المائدة

الأحد 2 فبراير 2020 - 11:16 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- نهج الحياة: الحلقة 187

بسم الله الرحمن الرحيم: نحمده حمد الشاكرين، ونصلّي ونسلم على خيرة خلقه وخاتم أنبيائه ورسله المصطفى محمّد وعلى آله الطاهرين وصحبه المنتجبين. السلام عليكم إخوة الإيمان وأهلاً بكم في برنامج نهج الحياة وحلقة هذا اليوم.

 

حضرات المستمعين الكرام، لتفسير ما تبقى من سورة المائدة ننصت وإيّاكم أولاً لهذه التلاوة العطرة من الآية مائة وثماني عشرة منها:

اعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم

ان تعذ بهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم

سبق أن علمنا، أنّ السيد المسيح على نبينا وعليه أفضل الصلوة والسلام في مشافهته وهو في الجنة الله جلّ جلاله حول من اعتقدوا فيه وفي أمه العذراء مريم انهما إلهان، أنه عليه السلام تبرأ مما هم فيه باعتباره مخالفاً لدعوته إلى التوحيد.

وفي هذه الآية يقول لربه: إن تعذبهم وهذا يعني تسليم الأمر لمالكه وتفويض إلى مدبّره وتبرّؤ من أن يكون إليه شيء من أمور قومه كما يقول الواحد منا إذا تبرّاً من تدبير أمر من الأمور ويريد تفويضه إلى غيره هذا الأمر لا مدخل لي فيه فإن شئت فافعله وإن شئت فاتركه مع علمه وقطعه على أنّ احد الأمرين لا يكون منه. وقيل ان المعنى هو (إن تعذبهم فبإقامتهم على كفرهم وان تغفر لهم فتوبة كانت منهم). فكأنه إشترط التوبة وان لم يكن الشرط ظاهراً في الكلام وإنما لم يقل فإنك أنت الغفور الرحيم لأنّ الكلام لم يخرج مخرج السؤال ولو قال ذلك لأوهم الدّعاء لهم بالمغفرة على أن قوله العزيز الحكيم أبلغ في المعنى... فالمغفرة قد تكون حكمة وقد لا تكون... والوصف بالعزيز الحكيم يشتمل على معنى الغفران والرحمة إذا كانا صوابين ويزيد عليهما باستيفاء معان كثيرة لأنّ العزيز هو المنيع القادر الذي لا يضام والقاهر الذي لا يرام وهذا المعنى لا يفهم من الغفور الرحيم والحكيم هو الذي يضع الأشياء مواضعها ولا يفعل إلا الحسن الجميل فالمغفرة والرحمة إن إقتضتهما الحكمة دخلتا فيه وزاد معنى هذا اللفظ عليهما من حيث اقتضي وضعه بالحكمة في سائر أفعاله.

 

الآية تشير إلى ان شفاعة الانبياء (ع) لأقوامهم واتباعهم تبيان لرأفة رسل التوحيد ومحبتهم للناس، وتفهمنا:

  •  ان العقاب، والجزاء، والعذاب والمغفرة امور أمرها بيد الله فحسب وليس من حقنا نحن في الحياة الدنيا تزكية أحد من الناس أو تكفيره ... فقوله تعالى: (لا يزكي الأنفس إلا الله) ما يؤكد ذلك.
  •  في الحب الالهي او البغض الالهي اساس من الحكمة... ذلك، ان خالق الكون وخالق الجنة والنار وحده العالم من يدخل الجنة ومن يدخل النار.
  •  الانبياءهم شفعاء الناس- طبعاً لمن هو جدير بهذه الشفاعة لا لكل المذنبين والمنحرفين عن الصراط المستقيم.

 

والآن نستمع للآية مائة وتسع عشرة من سورة المائدة:

قال الله هذا يوم ينفع الصّادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم

لما بين النبيّ عيسى بن مريم سلام الله عليهما بطلان ما عليه قومه قال الله تعالى (هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم) أي: ما صدقوا فيه في دار التكليف... فيوم القيامة لا تكليف فيه على أحد ولا يخبر أحد فيه إلا بالصدق ولا ينفع الكفار صدقهم يوم القيامة إذا أقرّوا على أنفسهم بسوء أعمالهم وقبل إن المراد بصدقهم تصديقهم لرسول الله وكتبه عزّ شأنه. وقيل إنه الصّدق في الآخرة وانه يتفهم لقيامهم فيه بحق الله فعلى هذا يكون المراد به صدقهم في الشهادة لأنبيائهم بالبلاغ (لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً)، أي: دائمين فيها في نعيم مقيم لا يزول (رضي الله عنهم) بما فعلوا (ورضوا عنه) بما أعطاهم من الجزاء والثواب (ذلك الفوز العظيم) هو ما يحصلون فيه من الثواب.

 

الآية تصرح، بأن شرط النجاة والسعادة هو الصدق بينما في غيرها يكمن هذا الشرط في الايمان والعمل الصالح.

مما تقدم، نعي:

  •  إذا كان المؤمنون- بصدقهم- يتحملون بعضاً من مشكلات الحياة الدنيا، فبصدقهم هذا ينتفعون في الحياة الآخرة أيضاً.
  •  وجوب ملازمة العمل للقول. فما جدوى القول إن لم يكن معزراً بالعمل!؟ واذا اقتصرت الامور على القول او الكلام فما هذا القول او الكلام إذاً الا شعار فارغ، وبعبارة حبر على ورق.

وأخيراً نستمع للآية مائة وعشرين وهي الأخيرة في سورة المائدة:

لله ملك السّموات والأرض وما فيهنّ وهو على كل شيء قدير.

صدق الله العليّ العظيم

 

ثم بين سبحانه وتعالى عظيم قدرته واتساع مملكته فقال (لله ملك السموات والأرض وما فيهنّ) نزه الله جلّ وعلا نفسه عما قالت النصارى إنّ معه إلها فقال لله ملك السّموات والأرض دون كل من سواه لقدرته عليه وحده.

وقيل، إنّ هذا جوابٌ لسؤال مضمر في الكلام كأنّه قيل من يعطيهم ذلك الفوز العظيم فقيل الذي له ملك السّموات والأرض وجمع السموات ووحّد الأرض تفخيماً لشأن السّموات (وهو بكل شيء قدير) فهو يقدر على المعدومات بأن يوجدها وعلى الموجودات بأن يعدمها وعلى كثير منها بأن يعيدها بعد الافناء وعلى مقدورات غيره بأن يقدر عليها ويمنع منها وقيل معناه انه قادر على كل شيء يصح أن يكون مقدوراً له كقوله خالق كل شيء.

 

تفهمنا الآية وهي كما مر الاخيرة في سورة المائدة المدنية، عظمة الكون وقدرة الخالق تعالى الذي يقول، ويؤكد لنا جميعاً بأن لا يظن أحدٌ منا أنه خارجٌ عن القدرة الإلهية وقادر على القيام بعمل ما بدون الارادة الإلهية.

فلا مالك لهذا الكون ودنيانا الدنية هذه إلا الله وحده لا شريك ولا منازع إلا هو... لذا لم يعد لنا إلا التوجّه إلى الله الواحد الاحد والإتصال بقدرته وعظمته اللامتناهية كاتصال قطرة الماء بمياه البحر.

وهكذا حضرات المستمعين الأفاضل، أنهينا تفسير سورة المائدة المباركة بآياتها المائة والعشرين، على أمل الأخذ بما في القرآن الكريم والعمل به نستودعكم الله.

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة