بسم الله الرحمن الرحيم نستعين به ونحمده جل وعلا حمد الشاكرين ونصلي ونسلم على خير خلقه وخاتم من بعث بالهدى وأرسل محمد وعلى آله الطاهرين.
السلام عليكم إخوة الإيمان وأهلاً بكم في برنامج نهج الحياة وتفسير ما تبقى من سورة المائدة المباركة.
بادىء ذي بدء، ننصت خاشعين وإياكم أعزاءنا المستمعين لهذه التلاوة العطرة من سورة المائدة- الآية مئة وأربع عشرة:
قال عيسى ابن مريم اللّهمّ ربنّا أنزل علينا مائدة من السّماء تكون لنا عيدً لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين
قال النبيّ عيسى بن مريم على نبينا وآله وعلى أمه العذراء الصلوة والسلام ملتمساً ربه الجليل خواناً عليه طعام: نسألك اللهمّ أن تنزل علينا مائدة من عندك تكون لنا ومن يأتي بعدنا عيداً ودلالة منك عزّ شأنك ورزقاً وأنت خير من يرزق وأفضل.
في الحلقة السابقة من البرنامج أشرنا إلى أنّ الحواريين- وهم خاصّة أصحاب السيّد المسيح وانصاره- طلبوا منه (عليه السلام) أن يدعولهم الله إلى أن ينزل عليهم خواناً عليه طعام من السماء، لتطمئن قلوبهم ويزدادوا به إيماناً وبمن بعثه جلّ جلاله إليهم وإلى الناس جميعاً رسولاً نبياً.
فبعد أن تأكد للسيد المسيح صدق الحواريين وان ما طالبوه لم يكن بدافع الإحتجاج واللجّاج أو العناد- رفع عليه السلام يديه بالدعّاء ملتمساً الله طعاماً من السماء يكون لمن حضر من أنصاره عيداً ومن غاب شاهداً ودليلاً.
نستفيد من الآية:
- الأعياد والإحتفالات الدينية وإطعام الناس في المناسبات الدينية- أمرٌ يرضاه الإسلام وتقرّه كل الأديان.
- من الضروري للمؤمنين النظر الى الأعمال والتصرفات الماديّة معنوياً، فندرك أن ما نأكل ونشرب انما هو رزق إلهي ودليل وشاهد على قدرة الخالق وحده لا إله إلا هو ، الأمر الذي يحتم علينا إذاً تسخير مالنا من قوة وعزيمة وإرادة في سبيل الله الواحد ومرضاته جلّ وعلا سبحانه.
وتقول الآية التالية:
قال الله إني منزّلها عليكم فمن يكفر منكم فإني اعذبه عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين
هذه الآية من سورة المائدة المباركة التي كما مرّ نزلت على قلب الرسول الاكرم (ص) في أخريات أيّام حياته الشريفة... وسميت بالمائدة لاحتوائها كما جاء في الآية السابقة دعاء النبيّ عيسى بن مريم (ع) لنزول المائدة السماوية، نقول: تبين هذه الآية ان الله هو منزل هذه المائدة. لذا فمن يكفر بعد ذلك منكم بهذه المعجزة وينكرها فسيعذبه عذاباً لا يعذب به احداً سواه.
فبما أن معجزة نزول المائدة من السماء كانت بناءً على طلب الحواريين ولم يكن سيدنا عيسى أتى بها بل الله العليّ القدير، لذا حذرهم سبحانه وتعالى من أن يشككوا بها أو يجحدوا بما أنزل وبأحقية نبيه المسيح عيسى بن مريم وبمعجزته (عليه السلام)، غير أن بني اسرائيل كما تقول الروّايات- كفروا وهذا إن دل على شيء إنما يدل على شدة كفرهم بما أنعم الله عليهم ونكرانهم لجميل نعمه سبحانه وتعالى التي لا تعدو ولا تحصى.
وتعلّمنا الآية:
- عظم مسئولية العلماء ومدى تفوق مسئوليتهم على مسئولية غيرهم- فالعلماء يفهمون الحق ويرونه- فإن هم كفروا بعدما رأوا الآية- لعذبهم الله عذاباً شديداً.
- على من يتوخى المزيد- المزيد من الإلتزام أيضاً
نستمع الآن للآية مئة وست عشرة من سورة المائدة:
وإذ قال عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس أتخذوني وأمّي ألهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب
معنى هذا الخطاب الإلهي هو: يا عيسى بن مريم أأنت من أبلغ الناس أعبدوني أنا وامي- من دون الله؟ قال عيسى: سبحانك يا الهي فإنك منزّه من كل شريك- مالي وهذا الكلام وان اقول ما لا يحق لي وآمر الناس إليه. انا لم اقل ذلك، لأني لو كنت قلت ذلك لما خفي عليك لأنك علام الغيوب. تعلم ما اعلم ما في نفسي – ولا علم لي ما في ذاتك.
تشير الآية لحوار الله والسيد المسيح يوم القيامة، وإن كان المسيحيون لا يرون اليوم في العذراء مريم اقنوماً من الأقانيم الثلاثة.
ففي أيام نبينا محمد (صلى الله عليه وآله) كان من النصارى بدلاً عن روح القدس يرى في مريم سلام الله عليها أحد الآلهة الثلاثة، ومن النصارى أيضاً من كان يقف امام تمثالها عابداً... وهذا ما نلاحظه اليوم في محاريب الكنائس – التي فيها تتجلى القديسة مريم صورة أو تمثالاً وكذا الحال بالنسبة لوليدها السيد المسيح على نبينا وعليهما أفضل الصلوة والسلام.
نتعلم من هذه الآية:
- ان السيد المسيح براء من أن يقال له ابن الله او يوازي الله وينافس جلالته في الوهيته... وانه (عليه السلام) يرفض بالتأكيد مثل هذه العقيدة ويأباها.
- ان الانبياء والرسل – انما هم بشر- مهما كبروا وعظموا ولن يرقوا إلى ما هو عليه الله الواحد الأحد.
- ان علم الانسان- وحتى الانبياء – محدود... بينما علم الله محيط بكل الامور ما ظهر منها وما بطن.
لنستمع الآن إلى الآية 117 من سورة المائدة:
ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن أعبدوا الله ربّي وربّكم وكنت عليهم شهيداً مادمت فيهم فلمّا توفيتني كنت أنت الرّقيب عليهم وأنت على كلّ شيء شهيدٌ
قال السيد المسيح (عليه السلام) مخاطباً الله سبحانه وتعالى: أنا لم أقل للناس إلا ما أمرتني به من الإقرار بالعبوديّة وأنك ربي وربّهم (اللهمّ!!) مادمت حيّاً –كنت شاهداً عليهم. وما إن أمتني وقبضتني إليك كنت أنت الشاهد والرقيب على الناس وأنت عالم بجميع الأشياء لا تخفى عليك خافية ولا يغيب عنك شيء.
إستمراراً لحوار الله الخالق جل جلاله والنبي عيسى بن مريم عليهما السلام في القيامة –مثلما ورد في القرآن- في هذا الحوار ينبري السيد المسيح للدفاع صراحة عن رسالته وبيان دعوته للتوحيد ... معلوم أن الله كذلك شاهد على رسوله ورقيب على كل ما يقوم به ويتصدى لكل خطأ وعمل غير صالح- عليهذا يكون الكلام- تحذيراً لاتباع السيد المسيح (ع) ليعلموا أن التثليث ليس من تعاليم النبي عيسى وأنّ ما دعا إليه هو التوحيد.
مستمعينا الافاضل، انتهت هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة، وإلى حلقة اخرى ، نلتقيكم على بركة الله والسلام عليكم.