بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ايها اعزائي ورحمة الله وبركاته واهلاً وسهلاً بكم مع آيات من القرآن الكريم وتفسير مبسّط لها، نبدء البرنامج بتلاوة عطرة للآية 67 من سورة المائدة فلننصت خاشعين:
يا أيها الرسول............ القوم الكافرين
تتمتع هذه الآية بصفات جعلتها تمتاز عن الآيات السابقة لها واللاحقة وتعتبر كآية مستقلة بذاتها فاولاً ان هذه الآية بدأت بـ (يا ايها الرسول) فهي تخاطب الرسول (ص)، وهذا النوع من الخطاب ورد في كتاب الله مرتين، وكلتاهما في سورة المائدة، الخصيصة الثانية: امر النبي (ص) بابلاغ امر يعدل الرسالة كاملة، بحيث انه اذا لم يبلغ الرسول هذا الامر فكأنه لم يبلغ رسالته، ثالثاً: هذا الامر على اهميته عند الله عزّوجلّ ولكنه خطير بحيث ان النبي قلق من إبلاغه ويخشى رفض الناس له وانكارهم له، وتهدد الآية في آخرها من يرفض هذا الامر (طغياناً وكفرا) بأن: هؤلاء لن يهديهم الله ابداً.
والآن يجب ان نعرف اي امر مهم هذا الذي امر النبي (ص) ان يقوله للناس دون خوف ووجل ولا يخشى عصيانهم. بالنظر الى ان هذه الآية قد نزلت في اواخر عمر النبي (ص) فمن الواضح ان هذا الامر لم يكن وجوب الصلاة او الصوم او الحج او الجهاد او اي من الواجبات الدينية الاخرى لانها قد تم تبيانها طوال السنوات الماضية وقد مارسها المسلمون.
حقاَ، إذن فأي امر مهم يجب عليه (ص) طرحه في آخر ايام عمره الشريف واكد عليه الله بهذا الشكل، وكان الرسول (ص) بخاف من مخالفة المنافقين ومؤامراتهم؟ الامر الوحيد الذي يتمتع بهذه الصفات هو خلافة الرسول ومستقبل الاسلام والمسلمين. لذا فقد ذكر مفسرون كبار من اهل السنة كالفخر الرازي هذا الامر كاحد الاحتمالات في تفسيرهم لهذه الآية، ونقلوا الروايات التاريخية المتعلقة بها. وطبعاً الشيعة الذين يؤمنون بتفسير آيات القرآن الكريم ضمن اطار تفسير اهل بيت النبي (ص) له يعتقدون ان هذه الآية نزلت في تعيين علي بن ابي طالب خليفة للرسول، حيث جمع الرسول الاكرم (ص) في آخر حجة له وعند عودته المسلمين في مكان يدعى غدير خم، ثم ارتقى واخبرهم بقرب رحيله وعيّن افضل الصحابة خلال 23 عاماً من رسالته وهو علي بن ابي طالب خليفة له وقال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه. وءلب من الحاضرين ان يبلغوا الغائبين، وبعدما انهى النبي (ص) كلامه توجه الصحابة ومن حضر من المؤمنين الى علي بن ابي طالب يهنئونه بالخلافة معتبرينه مولاهم بعد النبي (ص).
وقال البعض ان النبي اراد بولاية علي مودته وليس الامامة والرياسة ولكن الثابت تاريخياً انه لا أحد من المسلمين كان يشك بحب النبي لعلي كي يؤكد النبي عليه في ذلك الجمع الغفير وفي اواخر ايام حياته ولا معنى لقيام الصحابة بتقديم التهاني لعلي بن ابي طالب بذلك.
على اي حال، ان نزول هذه الآية وخصائصها توضح ان مأمورية النبي امر ابعد من مجرد اعلام مودته، امر ابعد من موضوع عاطفي، الموضوع يعني امة الاسلام ويعني اهم موضوع لديها اي الامامة وقيادة المجتمع الاسلامي بعد النبي (ص)، ومن هذه الآية نستنتج:
- اذا لم تسلم قيادة المسلمين الى الصالحين الذين يعيّنهم الله عزوجل فسيصبح الدين في خطر.
- ما كان يخشاه النبي (ص) ليس خطر الاعداء الخارجيين بل خطر الفتن الداخلية والاختلافات والتمرد الداخلي.
والآن ايها الاكارم لننصت خاشعين الى تلاوة عطرة للآية 68 من سورة المائدة:
قل يا أهل الكتاب ............ على القوم الكافرين
هذه الآية مشابهة في المحتوى للآية 66 من هذه السورة وقد تناولناها في الحلقة السابقة، مرة اخرى يبين القرآن موقف اهل الكتاب من الاسلام ونبي الاسلام ويأمر النبي كي يقول لهم اذ ادّعاء طاعة الانبياء كموسى وعيسى (ع) لا يكفي، بل ان علامة الايمان الحقيقي اقامة الاحكام واطاعة اوامر الله في جميع ابعاد الحياة فردية واجتماعية.
بما ان بعثة الانبياء (ع) كانت سنة الهية على مدى التاريخ فأن التصدي لها وانكار الانبياء اللاحقين نوع من العصبية العنصرية او الدينية التي تمنع تكامل الانسان وتؤدي الى غمط الحقوق لذا اكد الله تبارك وتعالى في هذه الآية على الاعتراف بجميع الكتب السماوية والايمان بها كلها ببيانه لحقيقة أن الكثير من اهل الكتاب لا يريدون الاعتراف بالقرآن وهذه الافكار ستؤدي الى كفرهم، ولانهم تعمدوا انتخاب هذا المسلك على علم منهم اذن لا تحزن لكفرهم وسيحاسبهم الله عليه.
من هذه الآية نستنتج:
- ادعاء الايمان ليس كافياً وانما يجب ان يصاحبه قيام به وممارسة فمن لا يمارس التعاليم لادين له.
- ان قيمة كل انسان عند الله بمقدار التزامه وثباته على تطبيق الاوامر الدينية، ويجب ان تكون مكانته في المجتمع كذلك تمنح له على هذا الاساس.
- علينا نبذ العصبيات وعلينا احترام عقائد الآخرين الحقة وفي نفس الوقت عرض عقائدنا عليهم.
وبهذا نأتي الى ختام هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة على امل اللقاء بكم في حلقة قادمة نستودعكم الله والسلام عليكم.