بسم الله الرحمن الرحيم، مستمعي الاكارم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ندعوكم لتكونوا معنا دقائق نتعرف فيها على تفسير مبسّط لآية اخرى من آيات الله البينات.
بداية ننصت خاشعين لتلاوتها وهي الآية الثالثة من سورة المائدة:
حرّمت عليكم الميتة والدم.... فان الله غفور رحيم
هذه الآية، هي في الواقع آيتان قد جمعتا في آية واحدة، وتتنازولان موضوعين مختلفين ومنفصلين عن بعضهما. الجزء الاول من آية تتمة للآية الاولى من هذه السورة فهي تعدّ المحرمات من الاطعمة كما توضح عشرة انواع من اللحوم المحرمة، بعضها حيوانات ماتت بشكل طبيعي او اثر التعرض لحادثة فهذه ميتة ولحومها حرام إلاّ اذا ذبحث، والبعض الآخر هي حيوانات أحلت لحومها وذبحث ايضاً ولكن لحومها صارت حراماً لانها لم تذبح لله ولم يذكر اسم الله عليها.
وهذا يوضح ان الحلال والحرام لا يستند فقط على نفعها اما ضررها الماديين على الانسان، والا فان لحم الحيوان لا يختلف ظاهرياً إن كان قد ذكر ام لم يذكر اسم الله عند ذبحه ولكن لا شك ان تأثيره على روح الانسان من الشدة بحيث نهى الله عن اكمل لحمه.
طبعاً كما اشارت آيات أخرى في القرآن الكريم، عندما يتعرض الانسان الى جوع شديد يجوز له اكل ما حرمه الله ولكن بالقدراللازم ليدفع عنه الموتكما ذكرنا لهذه الآية جزء ان، الاول تضمن الامور التي ذكرناها، اما الجزء الثاني والمستقل تماماً عن الجزء الاول فهو يتحدث عن يوم عظيم ومصيري في تاريخ المسلمين، يوم عبّر عنه القرآن باليوم الذي يئس فيه الكفار من التحكم بالمسلمين ، يوم اكمل فيه الدين الاسلامي وتمّت فيه نعمه الله على المؤمنين.
اي يوم هذا؟ اي يوم في تاريخ الاسلام او في حياة النبي (صلى الله عليه وآله) يتمتع بمثل هذه الخصيصة الفريدة؟ للاجابة، يجب ان نعرف متى نزلت هذه الآية كي يعرف اليوم الذي تشير اليه الآية المذكورة اجمع المفسرون على ان هذه الآيات نزلت في آخر حجة حج فيها النبي في العام العاشر للهجرة في (حجة الوداع) وفي أواخر عمر النبي، ذهب بعضهم الى انها خاصة بيوم عرفات التاسع من ذي الحجة، وآخرون الى انها نزلت بعد ذلك اي في الثامن عشر من ذي الحجة في موضع يدعى غدير خم.
استناداً الى روايات متواترة القى النبي في هذا الموضع خطبة مفصلة على الحجيج ذكر فيها اموراً عديدة اهمها امر الخلافة من بعده وفيه اخذ النبي بيد علي بن ابي طالب الذي كان اول الناس ايماناً وشهد مع النبي جميع حروبه ورفعها اليه وقال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه، وعلى اثر تحقق هذا الامر المهم نزل هذا الجزء من الآية الثالثة من سورة المائدة:
اليوم يئس الذين كفروا من دينكم
فالكافرون الذين كانوا يأملون انهم يموت النبي ولأنه صلى الله عليه وآله لم يعين خليفة له الى ذلك الوقت سيتمكنون من الانتصار على المسلمين والقضاء على الاسلام، ولكن بنزول هذه الآية فقد تحولت آمالهم الى يأس وإحباط.
ومن جهة اخرى فالدين مجموعة من القوانين والاحكام الالهية وهو ناقص دون تعيين امام عادل والهي، وبتعيين خليفة للبني يتولى مهمة حفظ دينه الخاتم كمل الدين واتم الله نعمة هداية الناس بأمره باقامة علي بن ابي طالب والائمة المعصومين من بعده أوصياء له (صلى الله عليه وآله) والإيمان بهذا الدين الكامل هو الدين الذي ارتضاه الله لعباده.
من هذه الآية نتعلم الكثير من الدروس، فيما يلي نشير الى بعضها:
1-ان وجود امام عادل والهي مهم الى درجة ان الدين بدونه لا يعتبر كاملاً والنعم تذهب هدراً ولا تتم.
2-ان الاسلام لا يستوي ولا يستمر دون قيادة صحيحة اي امامة وولاية اثني عشر امام بعد النبي (ص) وآخرهم الامام المهدي (ع) الغائب عن الابصار.
على امل ان نراه وهو يملأ الارض قسطاً وعدلا كما ملئت ظلماً وجورا، نستودعكم الباري تعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.