حيث تأتي زيارة عادل عبد المهدي وسط ثلاث أزمات خطيرة في العراق. على المستوى الأول ما زلنا نشهد احتجاجات في الشوارع في بعض المدن العراقية، بعد مضي أكثر من 100 يوم على نشأتها.
وعلى مستوى ثان فخلال الأسبوعين الماضيين ، حوّل العدوان الأمريكي على اللواء قاسم سليماني هذا البلد إلى ساحة توتر بين طهران وواشنطن. وفي الوقت نفسه ، أدى اغتيال اللواء قاسم سليماني من قبل الأمريكيين إلى قرار البرلمان العراقي بطرد القوات الأجنبية من العراق. وعلى المستوى الثالث ، تستمر أزمة تعيين رئيس وزراء جديد وخليفة لعادل عبد المهدي ، حيث فشلت الأحزاب السياسية حتى الآن في التوصل إلى اتفاق بشأن تعيين فرد جديد.
وفي مثل هذه الظروف ، توجه عادل عبد المهدي إلى عاصمة إقليم كردستان على الرغم من استقالته الرسمية كرئيس للوزراء ، والتقى نيجيرفان بارزاني ، رئيس إقليم كردستان ومسرور بارزاني ، رئيس وزراء إقليم كردستان ، ومسعود بارزاني ، زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي والرئيس السابق لإقليم كردستان. ومع ذلك ، أصبح من الممكن الآن السؤال عن جوانب وتداعيات زيارة عادل عبد المهدي ولقائه مع القادة الأكراد؟. هناك أربعة محاور أساسية للإجابة على هذا السؤال.
التركيز المشترك على عدم تحويل العراق إلى ساحة اقتتال لاعبين آخرين
لا شك أن أهم قضية في لقاءات عادل عبد المهدي مع القادة السياسيين الأكراد ترتبط بالتطورات الأخيرة في العراق. ففي الأسبوعين الماضيين ، كانت الحكومة العراقية تتعرض لضغوط متزايدة في أعقاب العمل الإرهابي الأمريكي الذي أدى الى استشهاد اللواء قاسم سليماني وقادة حزب الله العراقي. فمن جهة ، يجب على الحكومة أن تمنع قوات التحالف الدولية ضد داعش من انتهاك سيادة البلاد الوطنية ، ومن ناحية أخرى بعد موافقة البرلمان على اخراج جميع القوات الأجنبية من العراق فإن الحكومة ملزمة بمتابعة وتنفيذ هذا القرار.
وهذا ما جعل العراق ميداناً لتصفية الحسابات الأمريكية والإيرانية. وقد شهدنا نتيجة لذلك اطلاق الحرس الثوري الإسلامي صواريخ على القواعد العسكرية الأمريكية في قاعدة عين الأسد العسكرية في محافظة الأنبار وأربيل العراقية كرد انتقامي قاس على الجريمة الامريكية. والان يشعر العراقيون بقلق متزايد من احتمال تصاعد التوترات على الرغم من أن معظم السياسيين العراقيين يعترفون بأن اجراءات إيران كانت دفاعية وأتت رداً على الاعتداء الأمريكي غير القانوني وغير المشروع الذي أسفر عن اغتيال الشهيد قاسم سليماني ، ولكنهم لا يزالون قلقين من تصاعد التوترات.
وفي الوقت نفسه ، يدرك عادل عبد المهدي وغيره من المسؤولين السياسيين العراقيين أن الحلول دون تحول العراق إلى ساحة صراع بين القوى الإقليمية والدولية تتطلب تعاوناً مكثفاً بين الحكومة المركزية وحكومة الإقليم الكردي. ونتيجة لذلك وخلال زيارة عبد المهدي شهدنا اهتمام جاد من الجانبين بهذا الموضوع. وفي هذا الصدد نشر مسرور البرزاني منشورًا على صفحته على تويتر يعرب فيه عن ارتياحه للقاء مع رئيس الوزراء العراقي ، مشيرًا إلى استمرار التزام الجانبين بإجراء محادثات بناءة وأعلن انه تم الاتفاق مع عبد المهدي للحد من التوترات في البلاد وأنه لا ينبغي أن يصبح العراق وإقليم كردستان جزءًا من نزاعات المنطقة.
المواقف المشتركة بين أربيل وبغداد بشأن قانون اخراج القوات العسكرية الأمريكية
كان أحد المخاوف الخطيرة في الأيام الأخيرة بعد صياغة قرار اخراج القوات العسكرية الأمريكية في البرلمان العراقي أنه على الرغم من الجهود التي تبذلها الحكومة المركزية ، يمكن أن يؤدي تعاون الأكراد وتنسيقهم مع الولايات المتحدة الى أزمة كبيرة في البلاد بناءً على أن الأكراد، خلافًا للإرادة والقانون ، يوفرون بيئة لاستمرار وجود القوات الأمريكية في شمال البلاد.
ونتيجة لذلك ، نرى ان رئيس الوزراء العراقي المستقيل يتوجه إلى أربيل للتأكد من أن حكومة الإقليم لن تفعل ذلك وتناقش الأمر مع رئيس الحكومة نيجيرفان بارزاني, النقطة المهمة في هذه الأثناء هي أن بارزاني يعلن صراحة تأييده لقرار بغداد حول اخراج القوات العسكرية الامريكية وأي قرار أمني آخر تتخذه، وليس لدى الأكراد أي اعتراض عليه. حيث يمكن اعتبار هذا التنسيق والموقف المشترك بين أربيل وبغداد في الوقت الحاضر فشلًا كبيرًا للأميركيين. ويبدو أنه لم يعد الأكراد يرغبون بالبحث عن المغامرات والصراع مع بغداد بعد الان ، هذا من ناحية, أما من ناحية أخرى ، فقد توصلوا إلى استنتاج مفاده أن الأمريكيين ليسوا حليفًا موثوقًا به وعليهم أن يغادروا المنطقة والعراق عاجلاً أم آجلاً. ويجب ألا يتسببوا في مثل هذه الظروف في توتر وصراع مع جيرانهم الدائمين على حدودهم أي إيران.
حل نزاعات أربيل وبغداد العالقة
بالإضافة إلى مسألة وجود جهات فاعلة أجنبية في العراق والحاجة إلى التنسيق بين الطرفين ، يمكن تقييم قضية مهمة أخرى خلال زيارة عبد المهدي إلى أربيل وهي حل النزاعات حول الأرض المتبقية بين الجانبين في السنوات التي تلي عام 2003. الحقيقة هي أنه على الرغم من مضي حوالي 17 عامًا على سقوط النظام البعثي ، الا انه لا يزال الأكراد يختلفون مع الحكومة المركزية بشأن قضايا مختلفة مثل تنفيذ المادة 140 من الدستور والميزانية والجيش وبيع النفط والعقود الاقتصادية. رغم أن الجانبين حاولا في أوقات مختلفة حل المشكلات والنزاعات ، إلا أن هذه القضية لم تحل بعد.
وفي أعقاب هذه الجهود، تم مناقشة مسألة حل النزاعات مرة أخرى خلال زيارة عادل عبد المهدي. وفي هذا الصدد ، قال عبد المهدي خلال لقائه مسرور برزاني والذي حضره أعضاء الوفد المرافق لعبد المهدي، وكذلك قباد طالباني مساعد الرئيس بارزاني وأعضاء آخرين في إدارته: لقد تم وضع أساس جيد للعلاقات بين أربيل وبغداد ، والآن أتيحت فرصة مواتية لحل المشاكل بين الحكومة المركزية واقليم كردستان بطريقة تخدم مصالح جميع قاطني العراق. ولاقت هذه القضية دعماً من رئيس الوزراء الكردي مسرور برزاني حيث أكد أيضًا على وجود الإرادة والعزم الجاد على حل المشاكل والخلافات بين الحكومة المركزية العراقية وحكومة إقليم كردستان بالكامل وبشكل أساسي وتنفيذ الاتفاقيات.
استمرار تعزيز التعاون الأمني بين أربيل وبغداد
بالإضافة إلى مسألة التعاون الأمني على مستوى آخر ، تحدث عادل عبد المهدي للمسؤولين السياسيين الأكراد عن الحاجة إلى تعزيز التعاون الأمني لمواجهة التهديدات المختلفة. فعلى الرغم من هزيمة داعش ونهاية خلافة أبو بكر البغدادي الذي نصب نفسه خليفة في العراق ، لا تزال هذه الجماعات الإرهابية موجودة ومختبئة تحت الأرض في العراق ، وهناك قلق شديد من قبل أربيل وبغداد من عودة ظهور هذه الجماعات المرعبة.
وفي الوقت نفسه ، فإن طرد القوات الأجنبية ، وعلى رأسها قوات التحالف المدعو بالتحالف الدولي المناهض لداعش ، قد زاد من هذه المخاوف. ونتيجة لذلك ، كانت مسألة تعزيز التعاون الأمني بين أربيل وبغداد محور تركيز رئيسي آخر في محادثات رئيس الوزراء المستقيل مع بارزاني.
وناقش عبد المهدي خلال هذه الاجتماعات التطورات الأخيرة في العراق وسبل الحفاظ على سيادته ومواجهة تهديدات داعش. وفي هذا الصدد ، نرى أن مسرور البرزاني ، رئيس وزراء إقليم كردستان ، يشير إلى أن داعش لا يزال يمثل تهديدًا خطيرًا لجميع مناطق العراق ، وبالتالي فإن المزيد من التنسيق بين أربيل وبغداد بالتعاون مع التحالف الدولي لمكافحة داعش أمر ضروري.