ضيوف البرنامج عبر الهاتف: السيد جعفر فضل الله الباحث الاسلامي والاستاذ في الحوزة العلمية من بيروت والاستاذ حسام شعيب الباحث الاجتماعي من دمشق
المحاور: بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الأعزاء اهلاً ومرحباً بكم في البرنامج الأسبوعي من الواقع الذي نقدمه من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران. في حلقة اليوم احبتي المستمعين سنتحدث عن موضوع طالما كانت نتائجه سيئة وسلبية، لمَ لا وهو لايتوافق مع ماجاء في القرآن الكريم، إنه موضوع الإسراف والتبذير وكما تعلمون اعزائي فإن الله سبحانه وتعالى قد نهى عن ذلك حين قال في محكم آياته "بسم الله الرحمن الرحيم إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ" صدق الله العلي العظيم (سورة الإسراء۲۷). لذلك أعزائي المستمعين فالإسراف والتبذير من الصفات الغير جيدة التي على المسلم أن يبتعد عنها من خلال حرصه وإلتزامه بتعاليم الإسلام وإلا فعواقب ذلك وخيمة ونتائجها لم تكن إلا في ضرر من يُخطأ التصرف ويُضل الطريق. تعالوا معنا اعزئي المستمعين لنتابع قصة الشاب كمال الذي كان يبذّر ماله كثيراً وكيف كان يُنفق ماله في أشياء غير ضرورية وماذا حلّ به بعد ذلك؟ لنعد ومناقشة قضيته مع ضيفي البرنامج سماحة السيد جعفر فضل الله الأستاذ في الحوزة العلمية والباحث الإسلامي من بيروت والأستاذ حسام شعيب الباحث الإجتماعي من دمشق كي نتعرف من خلالهما على أهم النصائح والإرشادات وكذلك الحلول من وجهة نظر الدين ومن وجهة نظر العلم ايضاً. فلنستمع الى قصة كمال اولاً
مستمعينا عُرف عن كمال إنه شاب مُسرف جداً، يشتري مايُحبه دون أن يحسب أي حساب لأي شيء فجيبه نادراً ما كان يخلو من النقود حتى اشتهر بين أصدقاءه بالشاب المُبذّر فقد تعود منذ كان طفلاً أن يرتدي أفضل الملابس ويقتني أفضل اللعب، كان مُميزاً عن أقرانه كثيراً فوالده تاجر كبير في السوق وكان يحبه بشدة ويوم وُلد كمال كان فرحة الأب لاتوصف لذلك فقد سعى لأن يوفر لأبنه كل شيء. في كل مرة كان يخرج كمال مع أصدقاءه نراه هو السبّاق في الإنفاق والمبادرة في الشراء سواء أكانوا في مطعم او في كازينو ولو قرر الجميع أن يذهبوا الى أحد مقاهي الأنترنت مثلاً فلايبخل زميلهم المُحبب كمال في دفع النقود مقابل الساعات الطويلة التي كان يقضيها مع الأصدقاء في الأنترنت. في يوم إقترح الجميع على كمال أن يطلب من أبيه أن يوافق على محل لشراء الأنترنت له ليقضون فيه اوقاتهم بدلاً من الذهاب الى قاعات اخرى وبطبيعة الحال إستحسن كمال الفكرة ولما عاد الى البيت لم يجد والده إنما فقط والدته التي كانت تتحدث بالتلفون. إنتظرها حتى تُكمل حديثها ولما أغلقت السماعة قالت له: كيف حالك ياولدي؟ هل تريد أن تأكل شيئاً؟ لقد أعدت ام محمد اليوم الطبق الذي تحبه دائما. قال لها والشهيّة بدت عليه: وما هو هذا الطبق ياأمي؟ ردت عليه: طبق الدجاج المحشي الذي تعشقه. قال كمال: آه ه ه ه ما ألذه؟ فعلاً إنه طبقي المُفضّل. تناول كمال الطعام ولما إنتهى منه إقترب الى أمه وقال لها: جئتك بطلب ياأمي أرجو أن تساعديني في ذلك. قالت الأم: وماهو طلبك ياعزيزي؟ قل بسرعة!
قال كمال: إقترح عليّ أصدقائي اليوم بأن يشتري أبي لي محلاً للأنترنت نقضي فيه أوقاتنا بعد أن نخرج من المدرسة بدلاً من الذهاب الى هذا المحل او ذاك ويكون في نفس الوقت فرصة أن أعمل فيه. إستبشرت الأم بالفكرة وقالت: إنها فكرة رائعة ياولدي فبدلاً من أن تقضي أنت وأصدقاءك أوقاتكم في التجوّل في المدينة او تلعبوا الكرة في الطرقات يكون أفضل لكم لو تجمعتم في مكان واحد وفي نفس الوقت يكون هذا المحل بداية جيدة لك ولمستقبلك. فرح كمال كثيراً وراح يُقبّل أمه ويدعو لها، فقالت له كلام فيه مزاح مُبطّن وهي تبتسم: يالك من ولد شقي! أعرفك جيداً فحين تطلب شيئاً وأوافق أنا او أبوك عليه ترتسم الفرحة على وجهك بسرعة ولما نرفض تنزعج وتخرج من البيت ولاتعود إلا آخر الليل.
أعزائي المستمعين في هذه الأثناء كان كمال يشعر بالسعادة لأنه كان متأكداً من أن أباه سوف يوافق على فكرته وسوف يشتري له محل الأنترنت وفعلاً بعد لحظات طرق الأب الجرس، نهض كمال من مكانه مُسرعاً، فتح الباب وإستقبل والده بالعناق والتقبيل كأنه لم يره منذ فترة طويلة. إستغرب الأب من تصرفات إبنه فسأله: ما بك ياولدي؟ أجابه: أحبك ياأبي كثيراً، نعم أحبك. قال الأب: وأنا أحبك ياولدي. قال كمال: اذن يجب أن تشتري لي محلاً للأنترنت. هنا تقدمت الأم وساندت إبنها في ما طلبه.
أحبتي المستمعين لقد عرفتم مدى حب الأب لأبنه وعرفتم أن كمالاً كان يعتمد على والده كثيراً فيما يُخصصه له من نقود متى ما إحتاج اليها لكن هذا لم يكن كافياً لأن يوافق الأب على طلب إبنه. نعم فقد رفض الأب فكرة محل الأنترنت لأنه ورغم حبه الشديد لأبنه إلاّ أنه كان يعلم بمخاطر هذا المشروع خاصة وأن إبنه لايزال صغيراً لايدرك مساوئ محال الأنترنت جيداً لهذا فقد شكّل رفض الأب صدمة للأبن وهنا حاول الأب أن يشرح سبب إمتناعه لكن كمالاً لم يفهم ولم يدرك الأمر جيداً فخرج من البيت منزعجاً.
مستمعينا قرر بعد ذلك الأب أن يُقلل من المصروف اليومي الذي كان يُعطيه لأبنه بعد ما علم أنه يرتاد نوادي الأنترنت كثيراً ظناً منه أن كمالاً سيضطر الى العودة الى البيت وينشغل بدروسه اليومية بدلاً من الإنشغال بقاعات ونوادي الأنترنت. لكن جاءت الرياح بما لاتشتهيه سفن الأب، نعم اعزائي فكمال قد تعوّد على البذخ والإنفاق كثيراً فهو دائماً يتباهى ويتفاخر عند أصدقاءه أنه شخص مهم بنظر أبيه وأن أباه لايمكن أن يبخل عليه بشيء وبسبب ذلك إدعى كمال أن أباه قد زاد من مصروفه اليومي بدلاً من شراء المحل وفعلاً بدأ كمال يُنفق بشكل أكثر من ذي قبل على أصدقاءه ولكن مستمعينا من أين كان يأتي كمال بالنقود؟ هل حقاً أن أباه زاد من مصروفه اليومي؟ طبعاً لا! اذت بسبب أن كمالاً تعوّد على التبذير والإسراف الكثير اضطر أن يمد يده الى مال أبيه الذي كان يدخر بعضاً منه في البيت وإستمر على هذه الحال دون أن ينتبه أبوه الى ذلك. كل ذلك لكي يظهر كمال أمام أصدقاءه بالصورة التي رسمها لهم وبطبيعة الحال فقد كان أصدقاءه في نفس الوقت يستغلونه إستغلالاً كبيراً حتى تعوّد على سرقة أبيه وأصبح شيئاً عادياً بالنسبة له أن يدخل ويأخذ ما يريد دون خوف. في أحد الأيام دخل كمال كعادته الى غرفة أبيه ليأخذ بعضاً من النقود ولما همّ بالخروج من الغرفة شاهدته الخادمة المُسنّة أم محمد فإكتشفت سوء فعلته وبدون شعور منها أخذت تصرخ. حاول كمال في تلك اللحظة أن يُسكتها لكنها ظلت تصرخ فإضطر أن يضربها على رأسها ويرميها على الأرض وخرج مُسرعاً من البيت لأن لاتشاهدها أمه.
المحاور: مستمعينا الكرام مازلتم تستمعون لبرنامج من الواقع من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران. بعد أن إستمعتم الى قصة كمال عرفتم بالتأكيد مساوئ الإسراف والتبذير وعرفتم الى أية هاوية وصل كمال لذلك ولكي نلقي الضوء أكثر على هذه الحالة وماذا يقول الشرع بشأن الإسراف والتبذير وبماذا ينصح نتوجه الى السيد جعفر فضل الله الباحث الإسلامي والأستاذ في الحوزة العلمية من بيروت. فلنستمع معاً
فضل الله: بسم الله الرحمن الرحيم في الواقع في أكثر من توجيه تربوي وشرعي أكد على أن الانسان لابد أن يتحرك في مسئلة الصرف المالي في خط التوازن لأن المال هو لتلبية الحاجات والمال هو ليحقق الانسان من خلاله مايمكن ان تقوم به شؤون حياته المتنوعة من مأكل وملبس ومشرب وكذلك من امور لها علاقة بالترفيه عن النفس او ما الى ذلك وهذا الامر يخضع لنظام وضعه الاسلام للانسان في توزيع أوقاته على أوقات ثلاث، الأوقات وقت يناجي فيه ربه ووقت لمعاشه ووقت لنفسه في غير محرم بالتالي ليس من الطبيعي ان يطغى الصرف على الملذات على المسؤوليات الاخرى التي لها علاقة بأن ينطلق الانسان ليتكسب وليكون له عمل يحصل من خلاله على مايسد به حاجاته. في كل الاحوال الله سبحانه وتعالى أكد على ان الانسان حتى في عمل الخير، وآتي ذا القربى حقه وإبن السبيل ولاتبذر نبذيراً إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفوراً بمعنى أن الانسان حتى في عمل الخير هو ينطلق في خط التوازن فكيف اذا كان يصرف الانسان في الامور التي تضره ولاتنفعه او في الامور التي يصرفها الانسان على غير هدى. نحن نعرف ان الانسان لديه حاجات وأنه يصرف على مقدار حاجاته بخط التوازن أما أن يصرف فيما يحتاجه وفيما لايحتاجه مما يعد أسرافاً وتبذيراً فهذا يكون صرفاً للمال وهدراً للطاقة في غير موضعها مما يمثل عنوان الاسراف والتبذير لذلك عندما وصف الله سبحانه وتعالى عباد الرحمن قال عنهم "إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً" إذن على الانسان أن ينظر الى المال بطبيعته بأنه الوسيلة التي يحقق بها رغباته وأنها الوسيلة التي لابد ان تبقى وسيلة وأن لاتصبح هي غاية ايضاً اللهو واللعب عندما يصرف الانسان عليهما لابد ايضاً أن يكون ذلك وسيلة يستعين بها الانسان على إستعادة نفسه الى النشاط المعهود لتمارس مسؤولياتها ولاتصبح هي الغاية إذن بطبيعة الحال لانستطيع ان نلقي باللوم على الآباء عندما يقومون بتلبية كل حاجات أبناءهم منذ الصغر بطريقة غير مسؤولة وغير متوازنة لأنهم بذلك يعودون أبناءهم إذا ماكبروا أنهم متى ماأرادوا شيئاً فلابد ان يتحقق وبأي وسيلة ليصبح المال وهذا ما كنت أشير اليه يصبح المال هو الغاية لذلك هذه المشكلة تبدأ من الصغر وفي كل الاحوال اذا حصلت المشكلة ووقعت الواقعة لابد ان يتعاون الجميع على علاجها بالطريقة التي ايضاً نتدرج فيها في الاسلوب حتى لانكون قد جذرنا الاسلوب السيء في الحياة والخلق السيء في الحياة وجياة هذا الانسان وهو صاحب القصة وهو كمال، لانجذر في حياته خلقاً سيئاً ثم بعد ذلك نريد أن نحل المشكلة هكذا وبكلمة واحدة او بموقف واحد هذا يكون ضاراً لذلك دفع هذا الشاب او هذا الفتى دفع الى أن يتحول الى انسان سارق لأنه إعتاد وهو لايستطيع ان يخرج من ذلك بسهولة وإعتاد على انه كلما أراد شيئاً لابد أن يكون المال بين يديه لأن أباه عوده على ذلك او ربما أمه عودته على ذلك لذلك نحتاج الى نوع من التدرج الذي يرصد المشكلة ويعرف مداخلها ومخارجها ويحاول ان يحرك الحل في طريقة متوازنة حتى نصل شيئاً فشيئاً الى أن يعود الانسان الى التوازن في هذا المقام وربما نحتاج الى تظافر عدة خبرات في هذا المجال، الخبرات الشرعية الاساسية، الخبرات النفسية، الخبرات الاجتماعية نحتاج الى أن تتظافر الجهود حتى نستطيع أن نعيد هذا الانسان الى أن يعيد توازنه الى الحياة وينظر نظرة متوازنة الى المال ووظيفته في هذه الحياة.
المحاور: مستمعينا الأفاضل بعد أن إستمعنا الى ماقاله السيد جعفر فضل الله الباحث الإسلامي والأستاذ في الحوزة العلمية من بيروت نشكره شكراً جزيلاً ونتوجه الان الى الأستاذ حسام شعيب الباحث الإجتماعي من دمشق لسؤاله عن الأسباب التي تكمن وراء لجوء بعض الشباب الى الإسراف الكثير وعلى من تقع مسؤولية ذلك وماهي الطرق لمعالجة هذا الأمر؟ لنستمع معاً
شعيب: لاشك أن هذه الحالة مشابهة لكثير من الحالات التي يعاني منها او تعاني منها مجتمعاتنا العربية والاسلامية أما بالنسبة الى هذه الحالة وما عاناه الاخ كمال فنحن نقول ان التبذير لاشك أنه غير ممدوح وهو يعود بعوائد سيئة ونحن ايضاً لانقول أنه هناك الخلط مابين الكرم الزائد الذي نحن نسميه الكرم الحاتمي كما إعتدنا عليه في تاريخنا او أن يكون التبذير وايضاً أن لايكون التقتير لدرجة أن يصل الى البخل وفي مسئلة الاخ كمال سيكون اللوم طبعاً على الاب الذي جعل ولده يعتاد على طلباته وخصوصاً تلك المطالب التي تتعلق بالامور المالية والتي كان حاضراً له دوماً في هذه الطلبات مما جعله ايضاً يتمادى في طلباته وجعل اصدقاء ولده وزملاءه يطمعون في صحبة هذا الشاب ليكون الولد مطية لرغباتهم وشهواتهم وأهواءهم عن طريق النيل من مال الاب لتحقيق رغباتهم بالتالي لاشك أن جميع الاطراف هي ملامة في هذا الموضوع فأنا أنصح الاخ الوالد الكريم أولاً أن يكون هناك العقل والحكمة في التعامل مع إبنه بأن لايحرمه بالمقابل أن لايعطيه كل شيء وان يسئله عندما يعطيه ماذا أنفق وفي أي مكان أنفق وهو يعطيه بقدر حاجته وعلى قدر سنه بما يتلائم مع وضعه في المجتمع ومع سنه ومع ايضاً ماينتمي اليه إن كان للجامعة او إن كان مصروفاً خاصاً أما الشاب كمال فلاشك أنه ملام لأني أريد ان أنصحه ان رفاقاً وزملاءاً كهؤلاء الذيم يطلبون منه ويحرضوه على ولده وأن يقوموا من باب هذا التحريض بأدعاء حبهم له وبأستغلال هذا الحب حب الشباب لبعضهم وهذه الزمالة لتحقيق رغباتهم لاشك انهم اصحاب سوء ورفاق سوء وأنصحه بالابتعاد عنهم او امثالهم والألتفات الى مصالحه فالصديق الحقيقي هو من صدقك لامن صدقك والصديق الحقيقي هو من حافظ على اموالك ومن حافظ على عرضك وأتمنى لكثير من هذه الحالات التي تتشابه لمثل هذه الحالة أن ننتبه الى أبناءنا وان ينتبه الأبناء والشباب الى زملاءهم ورفاقهم فلايكون هناك التقتير ولايكون هناك التبذير وخير الامور دائماً أوسطها.
المحاور: في ختام حلقة اليوم مستمعينا نشكر لكم حسن المتابعة كما نشكر لضيفينا الكريمين السيد جعفر فضل الله الباحث الإسلامي والأستاذ في الحوزة العلمية من بيروت والأستاذ حسام شعيب الباحث الإجتماعي من دمشق حسن المشاركة لبرنامج من الواقع الذي قدمناه من طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران. الى حلقات اخرى إن شاء الله نستودعكم الله وفي أمان الله.