البث المباشر

مراقبة الناس وما يملكون

السبت 16 نوفمبر 2019 - 11:01 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- من الواقع: الحلقة 18

بسم الله الرحمن الرحيم
ضيوف البرنامج عبر الهاتف: الدكتور وجيه فانوس المفكر الاسلامي من لبنان والاستاذة زينب منصور الاخصائية التربوية من لبنان
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أيها الإخوة والأخوات المستمعات اليوم سنكون مع قصة جديدة من قصص التي تمر علينا يومياً وهي تتحدث عن (مراقبة الناس وما يملكون). فالله، سبحانه وتعالى، نهى عن النظر والتحسر على ما متع الله به الآخرين ولكن البعض وللأسف يعيشون هذه الحالة كحال ابي طارق فلنكن معاً ونستمع لحال واقع ابي طارق أولاً، ومن ثم نستمع الى رأى أحد علماء الدين وأحد الخبراء الإجتماعيين أو النفسانيين أو التربويين إذن ندعوكم الى سماع قصه اليوم بعد هذا الفاصل.
الكل في البيت يستفيق وهو يحمد الله على الحال في بيت ابي طارق الا انه إعتاد ان يستفيق وهو يتذمر من واقع حاله وهو يندب حظه. فهو لم يكن مثل ابي جمال جاره ولم يستطع ان يكون مثل ابي سعيد، زميله في العمل، فهو يندب حظه على رزقه القليل وعلى زواجه وعلى أولاده وعلى كل ما يملكه حتى على عمله الذي لم يتطور فيه منذ زمن بعيد.
فتح ابو طارق باب منزله في الصباح ليخرج الى العمل، تنفس نفساً عميقاً ولكن فجاتا اندهش مما راى وقال لزوجته: انظري يا امرأة۱ انظري الى جارنا ابي جمال من اين يأتي بالمال؟ انظري لقد جاء بسيارته الجديدة كما قال. انظري كم هي جميلة وحديثة. الله اعلم كم يبلغ ثمنها لا اعرف من اين يأتي الناس بكل تلك الاموال فنحن نشقى ونتعب طوال اليوم وفي اخر المطاف لا نحصل حتى على عربة يجرها حصان. انظري كيف يتمتع الآخرون بالحياة ونحن هكذا لانستطيع امتلاك حتى دراجة هوائية، كيف يكون ذلك؟ اما زوجته فقد كانت تتحسر على وضعه وتقول له: يا رجل! مبارك لهم. لا تقل مثل هذه الأمور سيوفقنا الله يوماً ما وستشتري أفضل منها، لاتفكر هكذا... احمد الله على ما اعطاك من صحة وعافية.. احمد الله على ما اعطاك من ابناء مجدين مجتهدين في المدرسة.. احمد الله على الستر.... ولكن ابا طارق لايسمع ولايرى سوى سيارة جاره الجديدة...
دخل ابو طارق محل عمله فوجد الكل يهنئ ابا سعيد زميله في العمل. فسأل: لماذا تباركون لابا سعيد؟ ما الذي حصل؟ فاجابه ابا سعيد: بارك لي يا رجل لقد حصلت على ترقية جديدة وجاءني الايفاد الذي كنت أنتظره. ساذهب الى خارج القطر... كاد أن يغمى على ابي طارق من شدة هول ما سمع، كانه أصابته صاعقه، هرع اليه زملائه وهم ينادونه: ما بك لا حول ولا قوة الا بالله ما بك يا ابا طارق ما الذي حصل لك؟... تمالك ابو طارق نفسه وقال : لا شيء، اظن انه ضغط الدم. نعم انه ضغط الدم. شعرت انه هبط فجأة مبارك لك يا ابا سعيد وبالتوفيق... قالها لسانه ولكن قلبه كان يتفطر وهو يقول: لماذا هو؟ لماذا هو؟ هكذا كان حال ابا طارق... فهو بدء يحصي نعم ابي سعيد وابي خالد وابي زيد وكل من حوله ولايرى ان الله قد انعم عليه ... وينسى قول الله تعالي: "لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ"...
مرت الايام والسنون وهو على هذه الحال كبر ابنائه وكل واحد منه شق طريقه في الحياة. نجح ابنه الكبير في الكلية العسكرية واصبح رجل امن مرموقاً ولا زال ابا طارق يندب حظه ويقول: ابن جاري ابا جمال اصبح طبيباً وغدا سيكبر ويكبر اسمه معه. الكل ينادونه ابو الطبيب وانا ماذا يقولون عني... يرفض كل من يتقدم لابنته لأن ابنت جاره تزوجت من مهندس ولابد لابنته ان تتزوج من مهندس او دكتور لا اقل من ذلك ... اما ابنه الصغير لازال يراوح في الثانوية العامة لأن والده لايقبل بشيء سوى النجاح في كلية الطب او الهندسة، لكنه رسّام و يحب ان يدرس فن الرسم.... هكذا كان حال ابا طارق، كلما رأى بيد احد شيئا تمنى ان يكون له هو و كلما اشترى احد شيئا تمنى ان يشتريه هو ولايرضيه اى شيء .....الكل يتألم منه ولايعرفون كيف يرضونه وكيف يخرجونه من هذه الأزمه.
مستمعينا الكرام الآن وكما عوّدناكم استضفنا الدكتور وجيه فانوس المفكر الاسلامي من لبنان وبعد سماعه لقصه اليوم سألناه: ما هو حكم من يراقب الناس ويحصي نعمهم عليهم؟ فاجاب مشكورا:
فانوس: من يراقب الناس ليحصي نعم الله عليهم ليفرح بهذه النعم فهو انسان شكور اما اذا كان يراقب الناس ليحصي هذه النعم ويتمنى لو كانت له او يقول انهم لايستأهلونها وانه هو مظلوم هنا يصبح هذا نوع من انواع الحسد وهذا النوع مكروه ومرفوض ويتنافى مع الاسلام ومع محبة المسلمين لبعضهم. المسلم اذا اصاب اخيه خيراً فرح له بهذا الخير واذا اصابه سوءاً اسف لهذا السوء وسعى لأبعاده عنه وان لايتمنى ان يكون خير للاخرين وان يحسدهم عليه هذا هو الحكم الاسلامي العام برأيي في هذا الموضوع واسبابه عديدة في هذا المجال وهو يرتبط بالتكوين الايماني لهذا الشخص اذ يكون ايمانه ضعيفاً وهذا من اهم الاسباب ومن اسبابه ايضاً العقد النفسية وقضايا نفسية واجتماعية يعيشها هذا الانسان ولايستطيع ان يتغلب عليها فتتحكم به الاهواء ومن هنا كان دور الايمان فالايمان يعصمنا عن الهوى ويعصمنا عن الشرور ويضعنا دائماً في خانة الايمان وخانة الاسم وخانة الحق. التعامل مع هذه الحالة يكون على عدة مستويات اولاً على المستوى الاجتماعي لابد من توجيه النصح والتوعية لهذا الشخص ولابد ان يرافق هذا النصح والتوعية مستوى ايماني اي ان نشرح له مفروض الاسلام في هذا الامر وحقيقة دعوته في هذا الامر وكيف ان الايمان يعصم الانسان عن هذه الشرور وايضاً ان نراعي حالته فأن كانت لديه فعلاً مظالم او مظلومية معينة فليستجاب لها وان ترفع عنه هذه المظلومية ومن هنا كان قوله رسول الله صلوات الله عليه واله "انصر اخاك ظالماً او مظلوماً"، مظلوماً فهمنا فكيف ظالماً؟ قال ساعده على رفع ظلمه عن الناس فنحن نريد ان لايظلم احد في هذا وان نساعد الجميع فأدعو الى سبيل ربك بموعظة حسة ايضاً.
نشكر الدكتور وجيه فانوس على ما تفضل به أما الآن نواجه سؤالنا الى الاستاذة زينب منصور الاخصائية التربوية من لبنان حيث سألناها: ما هي الأسباب وراء مثل هذه الحالات؟ وكيف يمكن التعامل والتعايش معها؟ فاجابت مشكورة:
منصور: بسم الله الرحمن الرحيم قد تعود اسباب هكذا حالات في الكثير من الاحيان الى بعض المشاكل النفسية والتي قد نحددها بعدم تقدير الذات بشكل صحيح، يعني ينظر الانسان الى نفسه بنظرة نقص ودائماً يشعر ان لديه فروقات عن غيره والغير افضل مني فأريد ان اغطي هذا النقص وهذه المشاكل انظر لما انعم الله سبحانه وتعالى على الاخرين يعني بشكل اساسي هنا تكمن المشكلة ان انا اذا كان عندي نقص معين افتش عن طريق لأغطي هذا النقص ان كان مادياً او كان قدرات او كان مهارات اسعى وانظر لما انعم الله على الاخرين. اكيد الموضوع يؤدي الى مشكلة في التعاطي مع غيره يعني في علاقاته يكون هذا الشخص تعبان ان كان في علاقاته الخاصة او في علاقاته العملية يعني في العمل يكون الهاجس الذي يلاحقه لماذا فلان اخذ ترقية، لماذا فلان اعطوه اجازة مثلاً وانا لم احصل على هذا الامر، سيؤدي الى سوء علاقة مع المحيط وعدم القدرة على التكيف مع الواقع الذي هو فيه في حين ان هناك بعض النصائح البسيطة التي المفروض الانسان يسعى للحصول عليها يعني هناك قاعدة يحفظها الجميع "القناعة كنز لايفنى" اذا الانسان مرن نفسه ان يكون قنوعاً يتدرب لكي يرتاح ولايعاني من هذه المشاكل ولم يعد يعاني من مشكلة مراقبة الناس لأن "من راقب الناس مات هماً" برأيي النقطة الاساسية هنا يجب ان يسعى الانسان ليدرب نفسه عليها وهو موضوع القناعة بشكل اساسي وفي نفس الوقت يحاول يروض نفسه انه يغض بصره عما انعم الله لغيره وعما منح الله سبحانه وتعالى الاخرين لأن الحكمة عند الله انه ميز الناس ان كان في الرزق او في الطاقات او في القدرات، وفي نفس الوقت يفتش في داخله انه انا لااملك سيارة لكن عندي شيء ثاني ان الله سبحانه وتعالى اعطاني اياه ويختلف عن غيري، برأيي هكذا يستطيع الانسان ان يروض نفسه تدريجياً ويحقق او يحصل بالاحرى على القناعة التي هي بالفعل كنز لايفنى. نشكر الاستاذة زينب منصور على ما تفضلت به، كما ونشكركم ايها الاعزاء المستمعون وحسن استماعكم والى موعد اخر مع برنامج (من الواقع) الذي قدمناه لكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران. نستودعكم الله.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة