نص الحديث
قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الخير والشر: "انما هما نجدان، نجد خير ونجد شر".
دلالة الحديث
هذا الحديث ينتسب الى (الصورة الاستعارية) حيث يخلع النص طابع (النجد) على الممارسة الخيرة او الشريرة... والنجد هو: ما ارتفع من الارض.. وحينئذ نتساءل: ما هي النكات البلاغية لهذا الحديث النبوي؟ هذا ما نبدأ بتوضيحه الآن...
الصورة المتقدمة هي (تناص) اي: مستقاة من نص قرآني كريم هو "وهديناه النجدين" ويعني بهما: الخير والشر... وقد استخدم القرآن الكريم هذه الصورة التمثيلية او الاستعارية في خطاب نفسي يرتبط بتركيبة البشر عبر عبارة (فألهمها فجورها وتقواها).
والآن بمنأي عن (التناص) يعنينا ان نحلل الاستعارة المذكورة... فماذا نجد؟
بلاغة الحديث
قلنا: ان (النجد) هو ما أرتفع من الارض، وحينئذ قد يتساءل قارئ النص: من الممكن ان نقول بان (الخير) مادام هو ما ينبغي العمل به: حينئذ فانه يتسق في دلالته مع عبارة (نجد) مادام (النجد) هو ما اشرف على الطريق او هو ما ارتفع من الارض... وحينئذ يظل (الارتفاع) تعبيرا عن الخير، فكيف نوفق بين هذا الاستخلاص وبين جعل الخير والشر بمثابة نجدين؟
الجواب: ان (النجد) هذا قد استخدمه القرآن الكريم والنبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بمثابة ما هو (متميز) و(مشاهد) بحيث لا يجهله أحد، فالطريق اذا ارتفع في مساحة ما عند سائر الطرق يظل متميزاً سواء اكان الطريق وعراً أو سالماً. ولذلك عبَّر القرآن الكريم عن إلهام الخير والشر، بالإلهام أي بما هو نظري يعرفه الناس جميعاً، سواء (كانوا علماء او جهلاء، صغارا او كبارا الخ...
والان:مع معرفتنا بأن النجد هو عبارة للمرتفع من الارض فهذا يعني ان عبارة لما هو(متميز) في الطريق يشاهده المار ويعرفه ولا يجهل ذلك ابدا والان اذا كان (النجد) رمزا لما هو متميز... فماذا نستخلص؟
واضح، ان البشر كلهم يميزون في حالة مشاهدتهم ما ارتفع الارض هذا الارتفاع عن غيره من الطريق،... واذا كانوا كذلك فانهم يميزون ما هو الخير وما هو الشر ومع تميزهم لهذا الموضوع حينئذ فان العاقل من ينتخب طريق الخير.
اذن امكننا ان نتيبن طرافة الصورة الاستعارية المذكورة، حيث لاحظنا ان ما ارتفع من الارض هو رمز لما هو (متميز) عند الانسان، حيث يعرف الانسان وفق إلهامه من الله تعالى ما هو الخير وما هو الشر بالنحو الذي اوضحناه قبل قليل.
ختاماً: نسأله تعالى ان يوفقنا الى ان ننتخب نجد الخير وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة،انه سميع مجيب.