نص الحديث
قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): كاد الحسد ان يغلب القدر.
دلالة الحديث
الحسد من انماط السلوك الشائع في المجتمعات، ومع انه من الدوافع غير الفطرية إلآّ ان شدة فاعليته تجعله وكأنه لا مناص منه في الاشخاص. ولذلك ورد في بعض النصوص الي انه لا يخلو احد من الحسد، كل ما في الأمر ان المؤمن يكتم حسده والفاسق يمارسه، اي المؤمن اذا حسد يظل الحسد دفيناً في اعماقه لا يرتب عليه اثراً، بينما الفاسق يرتـّب عليه اثراً، كما لو سعي بمختلف الوسائل لا زالة النعمة عن المحسود.
من جانب آخر ورد ان المؤمن يغبط ولا يحسد، وهذا يعني ان الحسد منتف عند المؤمن وهذا يتضارب مع الحديث الاول القائل بأن الحسد يغلّف جميع الناس ويمكن ان نولف بين الحديثين من خلال القاعدة والاستثناءات، ولكن بعامة، اذا كان المؤمن واعياً بمبادئه الاسلامية، وزاهداً في حياته فلا يمكن ان يصدر الحسد منه، حتي لو كان المحسود مؤمناً، اي المؤمن لا يحسد اخاه المؤمن علي الطاعة بل يفرح بها لأن الهدف هو ارضاء الله تعالي، وهذا يتحقق من خلال الطاعة الصادرة عن المحسود.
المهم، اذا أخذنا بنظر الاعتبار، ان المؤمن لا يحسد اخاه، واذا أخذنا بنظر الاعتبار ان المؤمن يغبط ولا يحسد، اي يبارك له هذه النعمة، عندئذ يبقي الحاسد وهو الغالبية من الناس، مشمولين بهذه السمة، وفي ضوء الحقيقة المتقدمة نتجه الي حديث النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث قال: بان الحسد كاد بما له تأثير بان يغلب القدر، فماذا نستلهم منه؟
الجواب: هو ملاحظة الحديث من جانبه البلاغي.
بلاغة الحديث
من الواضح ان كلمة (كاد) تعني: ان الأمر يقترب من هذا الشيء، فعبارة: (تكاد تميزّ من الغيظ).
بالنسبة الي جهنم توشك او تقرب من حالة التميّز نظراً لمشاهدتها هؤلاء الكفار، والآن اذا نقلنا حقيقة الحسد واثره، نجد ان النص يستهدف الاشارة الي ان الحسد يفعل مفعوله في الآخرين الي درجة تقترب حتي بتأثيره علي القدر، اي المقدر من هنا نتبين جمالية وبلاغة العبارة القائلة بأن الحسد كاد بما له من ثأثير بأن يغلب القدر ولكن هذا لا يعني انه بالفعل يغلب ما هو مقدّر، بل يعني شدة أثره، مما يتعين علي الشخصية الاسلامية بإن تتعوذ بالله من شر الحاسد: كما وردت الإعاذة المذكورة في سورة الفلق، اي: عبارة «مِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ».