نص الحديث
قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة لما أعطي كافراً ولا منافقاً منها شيئاً.
دلالة الحديث
هذه الظاهرة طالما أشارت النصوص الشرعية اليها، حيث تشير الي ان الدنيا لا قيمة لها عند الله تعالي، ولذلك فان الكافر وهو غير المعترف بوجود الله عندما يمنحه تعالي اشباعات متنوعة في حياته الدنيوية انما تفصح الحقيقة عن انها - اي الدنيا - لا قيمة لها البتة الا لما اعطي الله تعالي من يجحده شيئاً منها، وانما يمنح تعالي عطاءاته الحقيقية للمؤمنين به وليس للجاحدين.
والحق: ان هذا الخطاب موجه الينا نحن المؤمنين بالله تعالي، المقصرين في ممارسة وظيفتنا العبادية، حيث يستهدف الحديث بنحو غير مباشر بان يقول لنا: ان الطاعة هي المطلوبة منا، وان الدنيا نصيبنا منها هو ممارسة مهمتنا العبادية وليس الاشباع هو المطلوب، بل ان الاحباط هو الغالب علي الدنيا، انها سجن المؤمن، وانها بيئة الشدائد، فلذلك فان المطلوب هو ممارسة الطاعة وليس الاشباع غير الضروري للحاجات.
بلاغة الحديث
هذه الحقيقة نقلها الحديث لنا عبر صورة بلاغية دقيقة هي ما نطلق عليه (الصورة الفرضية).
الصورة الفرضية هي: ما نفترضه من الامور التي نستهدف الاشارة منها الي شيء قد يقع وقد لا يقع، ولكنها في حقيقتها صورة عملية. فمثلاً عندما يقول الله تعالي «لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا» يظل فرضية ولكنها واقعية في الآن ذاته، وهذا ما ينسحب علي صورة ان الدنيا لوكانت عند الله تعالي تساوي (جناح بعوضة) لما اعطي المنحرف منها شيئاً والطرافة البلاغية هنا هي: ان جناح البعوضة هواتفه ما يمكن تصوره من الاشياء التي لا قيمة لها البتة، بل العكس هي: تفاهة لا وجود لما هو اتفه منها. ان البعوضة أساساً لا قيمة لها مقابل سائر الطيور او الحشرات، واما جناحها فبطريق اولي لا قيمة له البتة، اذن نحن الآن امام حشرة لا قيمة لها، وامام جناح منها لا قيمة له بطريق اولي. اذن ما اتفه هذه الحياة الدنيا؟ ثم ما اتفه الكافر أو الفاسق الذي يشبع حاجاته في الدنيا ويحرم في الاخرة من كل اشباع، ليس هذا فحسب بل يواجه احباطاً وشدائد من العقاب الذي ينتظره في اليوم الآخر.
اذن امكننا ان نتبين مدي جمالية وطرافة وعمق الصورة المشار اليها، وتداعياتها التي تجعل قارئ الحديث منتبها علي ضرورة ان يمارس مهمته العبادية المطلوبة، وهو ما نسأله تعالي ان يوفقنا الي ذلك، وان يزهدنا بالدنيا، ويجعلنا ممن يمارس الطاعة بما هو مطلوب، انه سميع مجيب.