إخوتنا ، أخواتنا المستمعين والمستمعات !
سلام من الله عليكم ورحمة منه وبركات ، وكلّ المراحب بكم في هذا اللقاء الذي يسرّنا أن يتجدّد معكم من خلال حلقة أخري من حلقات برنامجكم الشبابي نبض الحياة والتي سنخصّصها لموضوع الثقة بالنفس وبناء الذات في مرحلة الشباب ، كونوا برفقتنا ....
مستمعينا الأفاضل !
سنتطرّق في حلقتنا هذه من برنامج نبض الحياة إلي موضوع الثقة بالنفس و بناء الذات في مرحلة الشباب مبتدئين هذا الموضوع بالتأكيد علي أن الشباب هو ربيع الحياة ؛ الربيع الذي يحدّد المصير والذي يتمّ فيه الكثير من مظاهر نموّ الشخصيّة وتفتّح قدراتها واستعداداتها . ففصل الشباب هو فصل الازدهار وفصل العبادة وبناء الذات وهو عهد الكفاح والجهاد والبناء و مرحلة التعلّم وقبول المسؤوليّة وفصل تجسّد القدرات والكفاءات . ولذلك ، يُتوقَّع من الشاب أن يوظّف استعداداته ومواهبه وقدراته الضخمة في طريق اكتشاف مكارم الأخلاق والفضائل الإنسانيّة .
وقد أثبت تاريخ البشريّة أنّ تطوّر كلّ بلد وازدهاره يتوقّفان علي شبابه لأن مرحلة الشباب هي مرحلة تقبّل الواجبات وقبول المسؤوليّات الفرديّة والاجتماعيّة . وفي هذه المرحلة ، يكتسب الفرد النمو والنضج اللازم لأداء الواجبات الدينية والاجتماعية ومن ينبغي عليه استغلال فرصة الشباب للبناء و بناء ذاته وأن ينفّذ مسؤوليّاته . يقول سماحة قائد الثورة الإسلاميّة مخاطباً الشريحة الشابّة :
عليكم أيها الشباب الأعزّاء أن تعلموا أن هنالك اليوم مسؤوليات باهظة تقع علي عاتقكم ألا وهي مسؤوليّة بناء الذات ، بناء الذات من الناحية العلميّة والفكريّة ، بناء الذات من حيث القوّة الجسميّة والإصلاح الأخلاقي ، وبناء الذات بلحاظ المعرفة الدينية والسلوك الديني ، ومن واجب الجميع وخاصة الشباب اكتساب هذه الصلاحيّات .
والمسؤوليّة الأولي التي تقع علي عاتق الشاب إزاء نفسه ، المعرفةُ الصحيحة لنفسه وأن يعرف ذاته كما هي ويدرك أيّ موجود هو وماهي النعم التي يتمتّع بها ؟ لأنّ معرفة الشاب لنفسه بشكل صحيح و علمه بالمواهب والقدرات الكامنة في ذاته كلّ ذلك يمكّنه من أن يدرك قيمة نفسه . كما أن معرفة قدراته تهيّء الأرضيّة للتخطيط الصحيح كي يتخذ القرارات المناسبة لمستقبله و يوظّف قدراته من خلال التخطيط الصحيح و يحقّق التطوّر اللافت في مجالات الحياة المختلفة .
إخوتنا ، أخواتنا المستمعين والمستمعات !
وهكذا ، فإن معرفة النفس هي من أهم الواجبات التي ورد التأكيد عليها مراراً في الآيات والروايات . قال تعالي في محكم كتابه الكريم : "يَا ايُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا علَيكُم انفسَكُم... فمراقبة النفس لها مفهوم عام وهي تشمل معرفة الذات أيضاً ؛ أي علي الشاب أن يجمع بين معرفته لنفسه ومراقبته لها في نفس الوقت ؛ فما لم يعرف نفسه ويدرك أهميّتها ، فإنه لا يعمد إلي مراقبة نفسه . ولذلك فإن معرفة النفس ضروريّة باعتبارها مقدّمة بناء الذات ومراقبتها .
وتؤدّي معرفة النفس وإداراك حقيقة الذات ومعرفة ما يتمتّع به الشاب من قوّة و استعداد ، دوراً أساسيّاً في تعيين طريق حياته وأسلوبها . وعلي كلّ شاب أن يعلم مدي القدرات والقوي الكامنة في وجوده والخصوصيّات التي يتمتّع بها . وحينئذ يكون بمقدوره أن يحقّق الكمال المطلوب في الحياة الدنيا والآخرة من خلال توظيفها . ومن المعلوم أن القدرة الجسميّة و القدرة علي التعقّل والتفكير والإبداع والخلّاقيّة هي من خصوصيّات الشاب ونحن لا نجدها عند الشرائح الأخري إلّا في النادر . وإذا ما أحاط الشاب علماً بحقائق وجوده ، فسيظهر لديه الشعور بالثقة بالنفس والاعتماد عليها وسيؤمن أن بإمكانه أن يكون مصدر خدمات وأنشطة مختلفة من أجل نموّه وتطوّره الفردي والاجتماعي .
ومن واجبات الشاب المهمّة إزاء نفسه ، بلوغُ روح الثقة بالذات وأن تحصل لديه القناعة بأنه يمتلك الكثير من القدرات وبإمكانه أن يكون مؤثِّراً في مجالات الحياة المختلفة . وإذا ما أحاط الشاب علماً بما يتمتّع به وبما هو موجود في المجتمع ، فسيستطيع بسهولة أن يعزّز روح الثقة بالذات في نفسه وأن يبادر للقيام بالأعمال الفردية والاجتماعية المهمّة . والأثر المهم للثقة بالذات هو أنه يهيّء الأرضيّة للاستقلال والاعتماد علي النفس .
أعزّتنا المستمعين !
إنّ الثقة بالنفس هي القاعدة التي تهيّء الأرضية للكثير من الخصوصيات الأخري لدي الشاب ؛ لأن الشاب الواثق من نفسه يخطّط وهو عالي الهمّة ويتخذ القرارات ويبذل الجهود وهو ناجح دوماً في أي عمل يقوم به . وإذا ما فقد الشاب الثقة بنفسه ، فإنه سوف يفقد كلّ تلك الخصوصيّات ويكون بذلك قد أمضي عمره في التقاعس والبطالة .
ومن الواضح أنّ الشاب الذي لا يثق بنفسه ، فإنه لا يجرؤ علي أن يقدم علي أي عمل . ولذلك ، يجب علي الشاب أن يعرف أمكاناته الذاتية أولاً ثم الإمكانيّات المتوفّرة في المجتمع . ثم يعمد بعد ذلك إلي النشاطات الفردية والاجتماعية مستضيئاً بإرشادات القرآن و المعصومين عليهم السلام . فإن فعل ذلك ، فسوف ينجح لا محالة في حياته المادية والمعنوية .
ومرحلة الشباب هي أيضاً فترة بلوغ إتباع الأهواء والرغبات النفسية ذروتها . وإذا ما تغلّبت الرغبات الطبيعية والشهوات الغريزية علي الشباب ، خَشِيَ عليهم من السقوط في هاوية الظلال والشقاء .
ويري أئمّة الدين أنّ الشخص الذي يعرف شرفه الباطني وجوهره الإنساني ، فإن هذه المعرفة سوف تحفظه من الأهواء النفسية والأماني الباطلة . و التغلّب علي الشهوات الغريزية المنفلتة وتجنّب الذنوب والمعاصي يؤدّيان إلي قدرة النفس وهما أساس العزّة و الإباء .
وعلي إثر بناء الذات ، ينمو ويترعرع البُعدُ المهم لدي الشاب وهو البُعد الروحي والمعنوي . وقد دعا القرآن الكريم كلّ البشر إلي تزكية النفس قائلاً : " قَد اَفلَحَ مَن تَزَكَّي ، كما يقول في موضع آخر : " قد افلح من زَكّاها ، فالسعادة والفلاح تقتصران من وجهة نظر القرآن الكريم علي الذين زكّوا أنفسَهم وأما الأشخاص الملوّثون بالمعصية ، فلا سبيل أمامهم للفوز والفلاح . والشباب هو أفضل مرحلة لتزكية النفس حيث إن بإمكان كلّ شاب أن ينجو من الأرجاس الأخلاقية و يبلغ ذري التقوي الشامخة عبر توظيف قدراته الفرديّة واتباع تعاليم القرآن وسيرة المعصومين عليهم السلام . وبالطبع فإنّ بناء الذات والابتعاد عن المعصية مطلوبان من كل شخص ، ولكن ذلك سيكون أجمل إذا ما صدر من الشاب . فجمال روح الشاب يتضاعف بالتوبة والتزكية و سيكون الشاب محبوباً عند الله سبحانه وتعالي .
مستمعينا الأطايب !
دقائق ممتعة ومفيدة قضيناها معكم عبر حلقتنا لهذا الأسبوع من برنامج نبض الحياة وعلي أمل أن تكون برامجنا مفيدة وممتعة دوماً لكم ، نودّعكم حتي الأسبوع المقبل لنجدّد اللقاء بكم عند موضوع آخر من المواضيع التي تهمّ الشباب ، في أمان الله .