بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم مستمعينا الكرام ورحمة الله تعالى وبركاته، نرحب بحضراتكم أطيب ترحيب في هذا اللقاء ونحن نقف على بعض من الاخلاق امير المؤمنين علي (عليه السلام)، حول إنابته لله تعالى، نرجوا ان تبقوا معنا.
مستمعينا الكرام، نأخذ في هذا اللقاء شذرة من سموّ ذات الامام علي (ع) ومن عناصر أخلاقه وهي إنابته المطلقة الى الله تعالى، روى الصدوق في أماليه والمجلسي في بحار الانوار، مسنداً عن أبي الدرداء، قال: شهدت عليّ بن أبي طالب في بعض محلّات بني النجّار، وقد اعتزل عن مواليه، واختفى ممّن يليه، واستتر بنخيلات، فافتقدته، وبعد عليّ مكانه، فقلت: لحق بمنزله، فإذا بصوت حزين ونغمة شجيّة قائلة:
"إلهي كم من موبقة حلمت عن مقابلتها بنقمتك، وكم من جريرة تكرّمت عن كشفها بكرمك، إلهي ان طال في عصيانك عمري، وعظم في الصحف ذنبي، فما انا بمؤمّلٍ غير غفرانك، ولا أنا براج غير رضوانك... "
وذهل ابو الدرداء، وهام من خشية الله تعالى، وراح يفتش عن صاحب الصوت ولم يلبث ان عرفه، وإذا هو امام المتقين علي بن ابي طالب (ع)، فاستتر ليسمع بقية مناجاته، وراح الامام يصلّي، فلمّا فرغ من صلاته توجّه الى الله تعالى بقلب منيب وأخذ في المناجاة قائلا: "إلهي أفكّر في عفوك فتهون عليّ خطيئتي، ثم أذكر العظيم من أخذك فتعظم عليّ بليّتي" .
ويستمرّ الإمام بإنابته، ويقول ابو الدرداء: ثم انفجر الامام باكياً وخمد صوته، فسارعت اليه فوجدته كالخشبة الملقاة، فحرّكته فلم يتحرك، فقلت: إنا لله وإنا اليه راجعون، مات والله علي بن ابي طالب، فبادرت مسرعاً الى بيته أنعاه الى أهله، فأخبرت سيدة النساء فاطمة (ع) فقالت:
"هي والله يا أبا الدرداء الغشية التي تأخذه من خشية الله) وناولتني ماءً وأمرتني ان اريقه على وجهه الشريف، ففعلت ذلك، فأفاق ونظر اليّ وانا أبكي فقال لي: (ممّ بكاؤك يا أبا الدرداء؟"
فقلت أبكي لما انزلته بنفسك، فأجابه الإمام بصوت حزين:
"يا أبا الدرداء، كيف لو رأيتني وقد دعي بي إلى الحساب، وأيقن اهل الجرائم بالعذاب، واحتوشتني ملائكة غلاظٌ، وزبانية فظاظ، فوقفت بين يدي الملك الجبّار، وقد أسلمني الأحياء، ورحمني اهل الدنيا، لكنت اشدّ رحمة لي بين يدي من لا تخفى عليه خافية" .
وبهر ابو الدرداء من خشية الامام، وعظيم خوفه من الله تعالى، وراح يقول: ما رأيت ذلك لأحد من أصحاب رسول الله (ص).
كانت تلك مستمعينا لاكرام، شذرة من خلق الامام علي (ع) في إنابته لله سبحانه، دمتم في رعايته تعالى.