البث المباشر

دلالات القسم برب البحر المسجور

الأربعاء 2 أكتوبر 2019 - 12:13 بتوقيت طهران
دلالات القسم برب البحر المسجور

اذاعة طهران – عهد الصادقين : الحلقة : 2

 

لا نزال نحدثك عن دعاء العهد، وهو الدعاء الذي يتلى صباحاً، لندب شخصية العصر الامام المهدي(عج) وتعجيل ظهوره، والتوسل بالموفقية الى مساندته(عج) عند ذلك... وقد حدثناك في لقاء سابق عن الفقرة الاولى من الدعاء، ونعني بها قول الامام الصادق عليه السلام (اللهم: رب النور العظيم)، حيث انتهينا الى ان العبارة المذكورة تترشح بدلالات متنوعة الا ان الدلالة‌ العامة تتمثل في ان الله تعالى هو المفيض على الظاهرة الكونية من حيث كونه (خيراً محضاً) حيث يرمز النور الى الخير المطلق: كما هو واضح والمهم - بعد ذلك - ان ما نلحظه من القسم بحملة ظواهر ترد بعد القسم برب النور العظيم، وهي: القسم بالكرسي، وبالبحر المسجور وسواهما، تظل مصاديق متنوعةً للخير او النور المذكور،... ونحن نحدثك الآن بحسب تسلسل الظواهر التي أقسم بها الامام عليه السلام او لنقل: الظواهر التي المح الامام عليه السلام الى ان الله تعالى (رب) لها، اي: المدبر لها... واول قسم او ظاهرة‌ ترد بعد ظاهرة (النور العظيم) هي قوله(ع): (ورب الكرسي الرفيع)... وهذا ما نحدثك عنه الآن...
اننا نتساءل اولاً: ما المقصود (الكرسي)، هل هو وجود حسي او مادي (كالبحر، أو السماء، او الشمس أو الزيتون...الخ)، ام انه وجود (معنوي)؟
طبيعياً، لانتوقع من قارئ الدعاء ان يعترض علينا ويقول مثلاً: ما فائدة ان نبحث عن معنى (الكرسي)؟ لاننا نجيبه ان قراءتنا اليومية للدعاء تفرض عليناً معرفة‌ ما تعنيه كلماته، والا كيف نندب شخصية العصر(ع)، ونجهل عباراتنا التي نمهد بها لمخاطبته؟...
اذن: لامناص من معرفة ذلك، وهو: البحث عن الدلالة التي نستخلصها من عبارة (الكرسي).
النصوص الواردة عن المعصومين عليهم تتفاوت في تحديدها لدلالات الكلمة المذكورة،... فهناك من يقارن بينها وبين كلمة (العرض)، فيجد ان العرش هو الاوسع من الكرسي، وان الكرسي هو دونه... وهناك من يذهب الى ‌ان (الكرسي) رمز للعلم،... وهناك من يقرر بان (الكرسي) رمز للملك... الخ، لكن قبل ان نستخلص الدللالة الاكثر لصوقاً بمحدودية اذهاننا لابد وان نشير الى الامام الصادق عليه السلام قدم لنا سمةً او وصفاً (الكرسي) بانه (رفيع)، اي: يتسم بالرفعة... ولعل الاتسام بالرفعة يقرب الى الذهن بان (الكرسي) يرمز الى ‌(الملك).... ويسعفنا على هذا الاستخلاص ان الآية المعروفة (آية الكرسي)، تربط بين (الكرسي) وبين السماوات والارض، ‌حيث تقول (وسع كرسيّه السماوات والارض، ولا يؤده حفظهما وهو العليّ العظيم)، فبقرينة انه تعالى يسع كرسيه السماوات والارض، وبقرينة‌ انه تعالى لا يثقل عليه حفظهما (اي السماوات والارض): حينئذ نستخلص بان المقصود هو (الملك)... هذا بالاضافة الى ان آية الكرسي تشير الى سمة (العلي) لله تعالى، حيث ان (العلو) و (الكرسي) يرمزان الى ‌دلالة متوازنة كما هو واضح...
يبقى ان نتساءل عن (التداعي الذهني) الذي يترتب على قارئ الدعاء من وراء استخصاره لمعنى (الكرسي)،... اي: انك (بصفتك قارئاً لدعاء العهد) عندما تمر على ذهنك عبارة (رب الكرسي الرفيع): ماذا يتداعى ذهنك اليه؟ طبيعتا، نستحضر عظمة الله تعالى، بصفته (المدبر) لهذا الوجود، وبصفته المهيمن عليه، وبصفته صاحباً (الرفيع) عن فاعليته الوحيدة على الوجود المذكور هذا من جهة... ومن جهة اخرى: ينبغي الا يغيب عن اذهاننا ان استحضار عظمة الله تعالى (من خلال تدبيره او هيمنته) يظل غير منفصل (ولو لاشعورياً) عن ظاهرة (الندب) لشخصية العصر الامام المهدي(ع) بصفة ان ظهوره(ع) من الحتميات التي وعد الله تعالى عباده بها، حتى يملأ الارض عدلاً بعد ان ملئت جورا... وحينئذ، فان (النصر) الموعود يظل - من حيث أثره النفسي على قارئ الدعاء- امراً لا ترديد البتة‌ في تحقيقه: مادام الله تعالى (وهو رب الكرسي الرفيع) المالك لهذا الوجود، والمهيمن عليه، قادراً تماماً على تحقيق وعده المذكور....
هنا، بعد ان حدثناك اولاً عن الفقرة الاستهلالية لدعاء العهد متمثلة في عبارة (رب النور العظيم) وهي العبارةً الشاملة لمفردات متنوعة، جاءت مفردة (رب الكرسي الرفيع) من مصاديقها... عند ذلك سوف نواجه عبارات او مفردات (جزئيةً) مثل (رب البحر المسجور) وهي فقرة او عبارة تستوقفنا-دون اونى ‌شك-حيث جاءت في سياق (النور) و(الكرسي) وهما رمزان شاملان لفاعلية الله تعالى وهيمنته المطلقة، بينما جاءت عبارة (البحر المسجور) مفردةً ‌(جزئيةً) دون غيرها من عشرات الظواهر الوجودية... فما هو السر الكامن وراء ذلك؟... هذا ما نحدثك عنه في لقاء لاحق إن شاء الله تعالى.

*******

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة