الفيلم الوثائقي تمّ بثه يوم الجمعة 27 سبتمبر/ايلول على قناة العربية، وحمل الفيلم اسم: "غرف سوداء .. عودة التنظيم السري لحركة النهضة"، اتهمت فيه الحركة بارتكاب أعمال إرهابية.
وما إن عُرض الفيلم على شاشة العربية حتى انتفضت حركة النهضة في وجه "العربية"، وقرّرت مقاضاتها، حيث قالت عضوة حركة النهضة فريدة العبيدي، في فيديو نُشر على الصفحة الرسمية للحركة بمنصة "فيسبوك"، بعد يوم من بث تقرير "العربية": إن "النهضة ممثلة في مكتبها القانوني، قررت اتخاذ الإجراءات القانونية من أجل مقاضاة قناة العربية بعد بثها وثائقياً حول التنظيم السري المزعوم".
وأضافت: "النهضة تعتبر ما ورد في الوثائقي كذباً وافتراء وتدخُّلاً في الشأن الداخلي لتونس"، معتبرةً أن الغاية من الفيلم الوثائقي هي "تشويه حركة النّهضة".
وأشارت إلى أن عملية تشويه صورة الحركة، بحسب قولها، تأتي في وقت تعيش تونس على وقع حملة انتخابية، لافتةً النظر إلى أن هذا الفيلم "يهدف إلى توجيه سلوك الناخبين وإرادتهم من أجل عدم التصويت لها"، في إشارة إلى حركة النهضة.
وأعربت عن رفض حركة النهضة ما وصفته بـ"التدخل السافر"، ورفض "كل ما ورد في الوثائقي، واعتباره كذباً وافتراء".
وقالت العربية على موقعها الإلكتروني "في العام 2013: "إبّان حُكمِ التّرويكا بقيادة حركة النّهضة الإسلامية في تونس، قُتل زعيمان سياسيّان هما شكري بلعيد ومحمّد البراهيمي.. اعترف أفراد من حركة أنصار الشريعة التي كانت مُتحالفة مع حركة النّهضة بتنفيذ الاغتيالين.. ومع ذلك، لم يُعرف الطرفُ الذي أمر وخطّط لمقتل الزّعيمين السياسيّين وخصوصاً أنّ اليساري شكري بلعيد كان من أشدّ أعداء الحركة الإسلاميّة".
وتابعت "قبلها بعام، تمّ صدفة اكتشاف مخزن كبير من وثائق مسروقة من وزارة الدّاخلية التّونسية وأجهزة تجسّس وتنصّت، وحاسوب تضمّن تقارير أمنيّة خطيرة"، وأضافت إن هذا الوثائقي يكشف ما تضمنته هذه المستندات السرّية ومن خطط، وتنفيذ اغتيال بلعيد والبراهيمي وكيف سعت حركة النهضة إلى عرقلة التحقيق وقتها.
من جهتها كذبت الداخلية التونسية في بلاغ توضيحي صحة الوثيقة التي تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي وفي الوثائقي والذي تضمن معلومات تفيد بأن المؤسسة الأمنية التونسية على علم بعملية "باردو" الإرهابية قبل وقوعها في مارس/آذار 2015، مؤكدة أن الوثيقة المنشورة مفتعلة ولا وجود لها، إدارياً وقانونياً.
في المقابل نفت النهضة الاتهامات الموجهة لها من قبل هيئة الدفاع عن المعارضين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، معتبرة أنه كلام تكرره هيئة تعمل بالوكالة عن جهة سياسية بهدف التشويه المستمر لحركة النهضة، ليس بغاية كشف الحقيقة بل لضرب الحركة.
ممارسات القناة السعودية تأتي في وقت تقف فيه تونس على بُعد أيام قليلة من الجولة الثانية الحاسمة في الانتخابات الرئاسية المبكرة بين المرشح المستقل قيس سعيّد ورجل الأعمال نبيل القروي، إضافة إلى الانتخابات التشريعية التي من المتوقع أن تشهد صراعاً كبيراً بين مختلف الأحزاب، للحصول على أكبر عدد من مقاعد البرلمان.
ومنذ ظهورها المثير للجدل إبان الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، سطع نجم "العربية" كقناة رائدة في الدفاع عن الأنظمة العربية والترويج لسياساتها، والعمل بشدة على تلميع صورتها، وإقناع المواطن العربي بأن استمرارها "ضرورة حتمية، ورحيلها يعني خراباً ودماراً ودماءً في كل مكان".
السعودية أرادت من وراء إطلاق "العربية" مواجهة غريمتها "الجزيرة" القطرية، ومع ذلك لم تستطع أن تصل إلى نصف التأثير الذي تحققه "الجزيرة" بالرغم من انخفاض شعبية الأخيرة بعد أن وُجّهت اتهامات لها في تأجيج الشارع العربي في مصر وسوريا على وجه الخصوص.
قناة "العربية" ليست الوحيدة
يبدو أن هناك منهجية واضحة لمواجهة الحركات الإسلامية في تونس، حيث تلقت القناة الإخبارية السعودية انتقادات لاذعة بعد وصفها مدينة "الذهيبة" الحدودية بأنها "العمق الاستراتيجي لتنظيم الدولة"، حيث تسعى لتشويه الحركات الإسلامية، وفي مقدمتها حركة النهضة، صاحبة الأغلبية البرلمانية في البلاد، كما يقول محللون.
وبثت قناة "العربية الحدث"، وهي سعودية تبث من الإمارات، تقريراً أعدّه الصحفي عمار الهندي، اعتبرت فيه أن مدينة الذهيبة، التابعة لولاية تطاوين، القريبة من الحدود مع ليبيا، تعجّ بالإرهاب والإرهابيين، مشيرة إلى أنها "بؤرة للإرهاب والمهربين".
الرد التونسي كان عنيفاً، إذ طالبت "النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين"، (5 سبتمبر 2019)، القناة السعودية بسحب التقرير التلفزيوني، واعتبرته "موجَّهاً وموظَّفاً سياسياً بغاية التشويه والتضليل، ولخدمة أجندات سياسية إقليمية".
وقالت النقابة في بيان: إنّ لجنة أخلاقيات المهنة الصحفية التابعة لها "تطالب قناتي العربية والعربية الحدث، وكل المؤسسات الإعلامية التي تنقل عنها التقارير الصحفية، وصفحاتها على وسائل التواصل الاجتماعي و(موقع) يوتيوب، بسحب التقرير فوراً".
وعزت النقابة مطلبها إلى "ما شاب التقرير من عيوب أساسية، تمس من صدقية العمل الصحفي، ولما له من تأثيرات سلبية على التونسيين"، مشيرة إلى أنه "تضمَّن تزييفاً لشهادات المستجوَبين، ومساً من صورة تونس عامة ومواطني منطقة الذهيبة (جنوب شرق) خاصة".
وأكدت النقابة أن "اعتبار أكثر من 90% من سكان الذهيبة يمتهنون التهريب تشويه مرفوض لسكان المنطقة، وهو مخالف لكل المواثيق الأخلاقية المهنية وروح العمل الصحفي المرتكز على الأمانة والنزاهة والتعلق بالحقيقة".
تجارب سابقة
وللقناة السعودية تجارب سابقة كثيرة، أثارت خلالها جدلاً واسعاً في مناسبات عدة، إذ تحدثت سابقاً عن "نجاح العمليات الإرهابية بتونس"، وهو ما تسبّب في موجة استنكار واسعة دفعت نشطاء إلى اتهام السعودية والإمارات بالوقوف وراءها.
وخلال اتصال هاتفي أجرته القناة مع العميد سفيان الزعق، الناطق باسم وزارة الداخلية التونسية، أواخر يونيو 2019، سألت المذيعة: "كيف تفسّرون نجاح هؤلاء في القيام بالأعمال الإرهابية، رغم المعلومات السابقة عن إمكانية حصولها؟"، ليقاطعها "الزعق" بقوله: "أنتم تقيّمون هذه العمليات بالناجحة ونحن نقيّمها بالفاشلة"، لترتبك المذيعة، محاوِلةً تفسير كلامها.
وتولّت القناة السعودية، التي يصفها البعض بـ"العبرية"، لكونها تتبنّى روايات "إسرائيل" دائماً على حدّ قولهم، مهمة الترويج لشائعة وفاة الرئيس التونسي الراحل الباجي قايد السبسي، خلال وجوده في المستشفى العسكري، قبل نحو شهر كامل من وفاته رسمياً (25 يوليو 2019).
وكان نشطاء تونسيون قد هاجموا على مواقع التواصل الاجتماعي، الإعلامية اللبنانية بقناة "العربية" نجوى قاسم، بسبب سخريتها من الثورة التونسية في ذكراها السابعة (يناير 2018).
وكتبت قاسم، إحدى أبرز الوجوه الإعلامية في "العربية"، على حسابها بموقع "تويتر"، معلِّقة على الاحتجاجات في تونس: "الاحتجاجات تتسع في تونس.. الخبر نفسه في الموعد نفسه الذي وعدنا بالياسمين قبل سبع سنوات.. سبع عجاف عجاف عجاف، حتى لم نعد نريد وعداً، ونخشى كل موعد".