بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله على جميع النعماء وأسمى صلواته على خاتم المرسلين والأنبياء وعلى آله الأئمة الأمناء. إخوتنا وأعزّتنا المؤمنين الأفاضل، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلاً بكم مع كتاب الله الحكيم الذي لا يأتيه الباطل من يديه ولا من خلفه ومع وصي رسول الله وخليفته بالحق عليّ أمير المؤمنين وسيد الوصيين سلام ربنا عليه وعلى أبنائه الأئمة الهداة المهديين. قال تعالى في محكم تنزيله المجيد: "إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً{57}وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً{58}"(سورة الأحزاب)، وهما الآيتان: سبع وخمسون، وثمانٍ وخمسون من سورة الأحزاب المباركة أوردهما الحافظ أبو نعيم في مؤلّفه (ما نزل من القرآن في علي عليه السلام)، ثمّ أدرج تحتهما سنداً طويلاً موثّقاً ينتهي الى مقاتل بن سليمان ليقول في ظلهما نزلت في علي ين أبي طالب وذلك، ان نفرا من المنافقين كانوا يؤذونه ويكذبون عليه. وفي هامش هذه الرواية ذكر المحقق المحموديّ أن الحافظ الحسكاني الحنفي أوردها في كتابه (شواهد التنزيل) عن مقاتل بن سليمان أيضا وكذا الواحدي في كتابه (أسباب النزول ولكن بهذا النص: نزلت الآية في علي وذلك أن أناسا من المنافقين كانوا يؤذونه ويسمعونه. وبهذا النص روي الزمخشري في تفسيره (الكشّاف). وإذا جئنا أيها الإخوة الأكارم، إلى (المستدرك على الصحيحين) وجدنا الحاكم النيسابوري الشافعي يروي بإسناد منته إلى عبيد الله بن أبي مليكة ليقول: جاء رجل من أهل الشام فسبّ عليا عند ابن عبّاس فحصبه ابن عبّاس، أي رماه بصمّ من الرمل والحصى، وقال له: يا عدو الله! آذيت رسول الله. ثم قرأ قوله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً"، ثم قال له: لو كان رسول الله صلى الله عليه وآله حيا لآذيته. قال الحاكم النيسابوري بعد إيراده الخبر: هذا حديث صحيح الإسناد.
إخوتنا الأعزة، لقد بلغ من اشتهار آية الإيذاء أنّها نازلة في لعن الذين آذوا عليا عليه السلام، مبلغا أنها أصبحت شاهدا ودليلاً معاً يوضعان في نار جهنّم. ثم قال صلى الله عليه وآله: "إن عليا منّي وأنا منه وهو ولي كل مؤمن من بعدي".
ومن خلال الآية المباركة آية الإيذاء، والروايات الحائمة حولها تفسيراً وأسبابا للنزول واستشهادا نخلص أيها الإخوة الأحبة، الى هذه النتيجة المهمة وهي: التلازم الوثيق والضروري، عقلا ومنطقا وقرآنا وشرعا بين إيذاء علي صلوات الله عليه وبين إيذاء الله ورسوله. وكذا التلازم العقائدي بين هذا الإيذاء وبين اللعن الإلهي في الدنيا والآخرة مع ما أعدّه الله جلت قدرته من العذاب المهين لمن آذى عليا عليه السلام أو يؤذيه. وذلك جلي في صريح الآية المباركة: "إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً". أما من خلال الروايات المتواترة في معنى الآية الشريفة فإن الأمر يتجلّى أكثر فأكثر، فقد روى أحمد بن حنبل في (مسنده) وكذا في (فضائل الصحابة) والبيهقي في (دلائل النبوة) وابن كثير في (البداية والنهاية)، وغيرهم كثير بإسناد عن عمرو بن شاش الأسلمي أنه وجد على علي (أي غضب عليه)، فلمّا رآه النبي حدّ إليه النظر وقال له: يا عمرو! أما والله لقد آذيتني. قال عمرو: قلت: أعوذ بالله أن أؤذيك يا رسول الله. قال: بلى من آذى عليا فقد آذاني. قال المناوي: قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي قال هيثمي: رجاله رجال الصحيح. وذكره ابن كثير في تاريخه راويا أن النبي صلى الله عليه وآله قال: "يا عمرو إنّ من آذى عليا فقد آذاني". وفي رواية أخرى من طرق كثيرة في مصادر جمّة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وبخ جماعة وقال لهم وهو غاضب عليهم: ما لكم ومالي؟! من آذى عليا فقد آذاني، قالها ثلاث مرّات. فيما أخرج الموفق الخوارزمي الحنفي في كتابه (مقتل الحسين عليه السلام) عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لعبد الرحمان بن عوف: "يا عبد الرحمان! أنتم أصحابي وعلي بن أبي طالب منّي وأنا من علي فمن قاسه بغيره فقد جفاني ومن جفاني آذاني ومن آذاني فعليه لعنة ربّي". أجل هذا مصير من قاس عليا بغيره فكيف بمن فضل غيره عليه بل كيف من غصبه حقّه وحاربه وقتله وقتل ذرّيته وسبى أهله وعياله وشرّد ذراريه ومحبّيه وآذى رسول الله فيه وفي عترته؟! ومن هنا نفهم ما روي عن رسول الله من أنّه ما أوذي نبي مثل ما أوذي هو صلّى الله عليه وآله.