البث المباشر

الكناية والمجاز في نهج البلاغة - القسم ۳

الأربعاء 25 سبتمبر 2019 - 08:35 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- على خطى النهج: الحلقة 12

إخوتنا ، أخواتنا المستمعين والمستمعات !
سلام من الله عليكم ورحمة منه وبركات ، وكلّ المراحب بكم في هذا اللقاء الجديد الذي يسرّنا أن يجمعنا بحضراتكم بين أسرار البيان في نهج البلاغة عبر برنامجكم الأسبوعي علي خطي النهج والذي سنواصل الحديث فيه من خلال الاستعانة بخبير البرنامج عن المجاز والكناية ومواضع استخدامهما ومواطن الجمــال في هذا الاستخدام ، ندعوكم للمتابعـــة ....
مسمعينا الأفاضل !
يعني المجاز في اللغة - كما مرّ في الحلقة الماضية - التعدّي ويكون عندما يتعدّي اللفظ معناه اللغويّ ، فيتّصف بالمجاز . بأن ينتقل الذهن من لفظ ما إلي معني غير معناه وهو التعدّي والتجاوز ، وأمثاله كثيرة ومبثوثة بين دفّتي نهج البلاغة ، من مثل قوله سلام الله عليه في إحدي حكمه :
" إنّما المرءُ غرض تنتضل فيه المنايا .
والمعني أنّ الإنسان يشبه في هذه الدنيا من حيث تعرّضه للموت في كلّ لحظة ، الهدف الذي الذي تتعاقب وتتسابق عليه سهام المنايا لتختطفه من الحياة .
ويبدو أنّ المراد أنّ أنواع الآلام والمصائب التي يتعرّض لها الإنسان هي كالسهام التي يطلقها رام اسمه الموت باتجاه الإنسان حتي يصيبه أخيراً لينهي حياته .
وتشتمل هذه العبارة علي قصرها علي عدّة مصديق من المجاز ، منها أنها مصداق للمجاز العقلي لأن الفاعل الحقيقي للآلام والمصائب وللنعم والرخاء في نفس الوقت هو الله في النهاية وليس الموت في الحقيقة ، كما تضم الحكمة السابقة استعارة بالكناية حيث شُبِّه فيها الموت برام في حين حُذِف المشّبّه به ، كما ان الرماية هي مصداق لصورة استعارية نسب فيها الموت إلي الرامي .
مستمعينا الأكارم !
نسترعي انتباهكم الآن إلي الحديث الذي أدلي به خبير البرنامج علي الهاتف الدكتور علي العلي استاذ فلسفة القوانين والتشريعات من مدينة قم المقدسة حول المجاز العقلي و بعض من مصاديقه في نهج البلاغة ، فلنستمع معاً :
العلي: بسم الله الرحمن الرحيم اذا أردنا ان نتكلم عن المجاز العقلي لابد أن نبين كمقدمة بسيطة حتى يتضح للمستمع معنا، بإختصار او لغة المجاز هو فصل المعنى الظاهر عن المعنى المرجوح بقرينة واضحة وهوأحد تصنيفات علم البيان في علوم البلاغة. المجاز ينقسم الى عدة أقسام منه المجاز اللغوي ومنه المجاز العقلي، المجاز العقلي الذي هو مورد السؤال هو استعمال اللفظ بأن يسند الى غير مل هو له بأن نقول مثلاً "شفا الطبيب المريض" في واقع الأمر هو الذي الطبيب الذي شفا المريض، الشفاء من الله ولكن عن طريق الطبيب وهكذا هذا يتنوع بأنواع كثيرة منها، ربما يكون إسناده بسبب الفعل، ربما بالمكان، ربما بسبب الزمان وربما يكون الاسناد الى المقصد، هذا بإختصار. اذا أردنا التدقيق في نهج البلاغة او كلمات امير المؤمنين عليه السلام، ماهي المصاديق التي تناول فيها المجاز العقلي او التي وردت عليها؟ مثلاً نجد من كلماته حين يقول "وأجهد عليه عمله وكبت به قطنته" في خطابه الى معاوية. وايضاً "تصرخ من جور قضاءه الدماء وتعج منه المواريد" واضح هنا أن هنالك صرفاً للمعنى، تصرخ وتعج منه المواريد، المواريد بطبيعتها لاتعج ولكن لأن هناك دلاله عقلية فصرف المعنى من جهة الى اخرى. الكثير في كلمات امير المؤمنين مثلاً عندما يقول "قد أسرك الكفر ضراً والاسلام اخرى فما فداك من واحدة منها مالك ولاحسبك" يعني ما فداك منها لامالك ولاحسبك. وعندما يقول "إنا أصبحنا في دهر عنود ودم تنود" طبعاً هذا مستوحى من اللغة القرآنية في الواقع ومن اوضح الآيات "فما ربحت تجارتكم" طبعاص بطبيعة الحال التجارة لاتربح ولكن التاجر هو الذي يربح من هذه التجارة. هذا فيما يتعلق بالمجاز العقلي.
المحاور: موفور الشكر وكثير الامتنان بين يدي فضيلة الشيخ الدكتور علي العلي استاذ فلسفة القوانين والتشريعات من مدينة قم المقدسة كان معنا عبر الهاتف.
إخوتنا ، أخواتنا المستمعين والمستمعات !
وإذا ما عدنا إلي الكناية واستخداماتها في نهج البلاغة رأينا أن من بين أنواعها التي تكرّر استعمالها في نهج البلاغة ، ما يعرف بإطلاق المثل علي الكناية ، علماً أنّ الأمثال تعدّ بحد ذاتها نوعاً من الكناية لأنها من باب عدم استخدام الألفاظ في معناها الحقيقي بل من باب إرادة المعاني اللازمة لها ، من مثل قوله عليه السلام في إحدي حكمه : " الحجر الغصيب رهنٌ علي خرابها ، وهو كناية عن التلازم بين ظلم الظالم وهلاكه و خراب كلّ ما بني علي الظلم والغصب والعدوان ، وهو ما يستدعي إلي الأذهان قول النبي (ص) : " اتّقوا الحرامَ في البنيان فإنه أسباب الخراب .
ومن نماذج الأمثال الكنائيّة في النهج مانراه في قوله سلام الله عليه :
" ما أنقضَ النومَ لعزائم اليوم .
فمن الواضح أنّ العبارة التعجبيّة السابقة جاءت في قالب المثل لبيان حال الشخص الذي يقرّر القيام بعمل ما ثمّ سرعان ما ينساه أو يتعلّل فيه .
وقد يطلق المثل علي الحكمة التي هي الكلام الحكيم الذي بلغ حدّ الشهرة العامة ولذلك اعتبر في حكم الأمثال ، ولكنه ليس بمجاز ولا كناية بل إن المعني الحقيقي هو المراد والمقصود ، كقوله سلام الله عليه :
" من نالَ استطالَ ، فعلي الرغم من أن هذا القول عرف كمثل ولكنه لايصدق عليه المجاز ولا الكناية لأنه مستعمل في معناه الأصلي بمعني أن الشخص الذي يحصل علي نفوذ أو مال أو أي جاه في الدنيا فإنه سرعان ما يمنّ علي الآخرين ويطغي عليهم .
أيها الأخوة والأخوات حدثنا خبير البرنامج عبر الهاتف الدكتور الشيخ علي العلي حول الاستعمالات الكنائية والمجازية للأمثال في نهج البلاغة ذاكراً بعضاً من نماذجها، نسترعي انتباهكم أيها الأحبة الى هذا الحديث.
العلي: في دراسات كثيرة حول نهج البلاغة وخصوصاً حول المجازات ومستويات الأبعاد الجمالية لنهج البلاغة فيما يتعلق بالبديع وبالبيان وغيرها من الأمور، حقيقة اذا كان هناك نصاً يستحق الوقوف عليه بعد القرآن الكريم ومقتضبات من الحديث الشريف، الحديث الوارد مباشرة عن النبي صلى الله عليه وآله ربما لانجد أمامنا إلا نص نهج البلاغة بقوته. مثلاً من الكناية لكي يكون فيها وضوح وفسم من اقسام المجاز وليس شيء قائم مستقل بذاته وايضاً هو يندرج تحت علم البيان وخلاصته هو إبدال لفظ بلفظ لامانع من اللفظ به يعني يأتون بلفظ قبال لفظ آخر فيه دلالة معينة. عندما يقولون "قرارات النساء" لأن العرب كانت تستحي أن تصف المرأة وخصوصيات النساء فلايقولون أرحام النساء، يقولون قرارات النساء. فهنا بلاغة لأن يستقر الطفل داخل المرأة فهذا يكشف على أنه بلوغ في الآداب وعلو في المستوى. طبعاً كلمات امير المؤمنين في هذا الصدد كثيرة ولكن قبل هذا أبين أن الكناية ايضاً فيها تقسيمات، مرة الكناية تكون مرتبطة بالصفة، بالموصوف ومرة بالنسبة. هذه تقريباً مقوماتها لذلك هي تركز على ما يدل عليه الايجاز وهو تركيز على ماله أهمية كبيرة في حيز صغير مثلاً يصفون امرأة ويقولون طول رقبتها يقولون "قرطها بعيد" يعني حلقة اذنها طويلة وهذا يدل على أن هذا له أبعاد. من كلمات امير المؤمنين ولكي يكون هناك وضوحاً نجد قوله "أيها الناس لاتستوحشوا في طريق الهدى لقلة اهله لأن الناس قد إجتمعوا على مائدة شبعها طويل وجوعها قصير" هنا نلاحظ أن امير المؤمنين دخل الصناعيات التي تعطي دلالة وفيها كناية واضحة، طبعاً كناية على أن الآخرة هي طريق الحق وكناية على أن الدنيا خارج هذا الاطار وكناية على أن الآخرة هي كالمائدة والدنيا ايضاً مائدة ولكن هذه شبعها قصير وجوعها طويل فالوصف واضح. امير المؤمنين من عمق الدلالات أنه دائماً يأتي بالثنائيات، يذكر الانسان الصالح والطالح، ذكر الهدى والضلال، ذكر الحياة والموت وذكر الجوع والشبع وكذر القصروالطول وذكر القلة والكثرة فهذا يعطي للكناية أبعاداً أوسع وكيف تكون لها دلالات مرتبطة بالصفة والموصوف والنسبة ودلالالتها. نرى "أيها الناس لاتستوحشوا في طريق الهدى لقلة أهله فإن الناس قد إجتمعوا على مائدة شبعها قصير وجوعها طويل" هذا كخلاصة وكلمات امير المؤمنين فيها دلالات أعمق وأعمق ومخزون وثراء لغوي وثراء اجتماعي وحتى قرأت رسالة اخيراً تناولت الكثير من كلمات امير المؤمنين وطبيعة دلالالتها وهذا حقيقة يحتاج الى تنظيم حلقة خاصة.
المحاور: موفور الشكر وكثير الامتنان للدكتور علي العلي استاذ فلسفة القوانين والتشريعات من مدينة قم المقدسة.
أعزّتنا المستمعين !
ومن قصار كلمه وحكمه عليه السلام والتي تتجلّي فيها الكناية بأجمل صورها وأبهي حللها ، قوله في المقارنة بين نوعين من الناس ؛ الكريم واللئيم :
" احذروا صولة الكريم إذا جاع ، واللئيم إذا شبع .
فجوع الإنسان الكريم هو كناية عن عدم اهتمام الناس به ، وعدم احترامه كما ينبغي ، وعدم تلبية احتياجاته التي يستحقّها ، و شبع الإنسان اللئيم كناية عن استغنائه الذي يبعثه علي مواصلته لؤمه ووضاعته . ولكن ربّما أدّي جوعه إلي تغيير أخلاقه من أجل تحقيق أهدافه. واستمرار شبع الأشخاص اللئام والوضيعين يستلزم أذيّة من هو دونهم ومن هم بحاجة إليهم . وعلي هذا فإنّ من الواجب قطع أسباب الحاجة إلي اللئيم كي نأمن من سطوته وأذاه .
وورد في إحدي خطبه عليه السلام في الشكوي من الزمان وأهله ، وكثرة الغدر وشيوع الجهل بينهم، وتحوّل هاتين الصفتين الذميمتين إلي قيمتين أخلاقيتين يُمدَح بهما أهل هذا الزمان ، ويُشاد بهم ، مستعملاً عليه السلام التعابير الكنائيّة في نقل هذه المفاهيم :
"ولقد أصبحنا في زمان قد اتّخذ أكثرُ أهله الغدر كيساً ، ونسبهم أهل الجهل فيه إلي حسن الحيلة . ما لَهم قاتلهم الله ؟! .
والكَيْس هنا هو الكياسة والفطنة وحسن التدبير ، وجملة : مالهم ، هي من نوع الاستفهام الاستنكاري ، وعبارة : قاتلهم الله : دعاء علي مجموعة من أناس ذلك الزمان ، وهذه العبارة كناية عن بعد هؤلاء الناس عن رحمة الله وهي من منظار فنّ البيان نوع من الاستعارة .
أعزّتنا المستمعين !
أوقات طيّبة أمضيناها معكم في جولتنا لهذا الأسبوع بين ربوع الأدب والبلاغة في نهج البلاغة ، حتّي نجدّد اللقاء بكم عبر حلقة أخري لكم منّا أجمل المني وأطيب التحايا ، وشكراً علي حسن الإصغاء والمتابعة .

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة