(الهي نامه) او الرسالة الالهية هي من جملة الكتب المشهورة، والمعروفة للشيخ فريد الدين العطار النيسابوري.
صيغت هذه المنظومة الشعرية في قالب المثنوي او المزدوج اي على قالب الابيات التي ينتهي كل شطر من ابياتها عند قافية واحدة مع الحرص على تنويع هذه القوافي بين مجموعة من الابيات واخرى.
وتشتمل هذه المنظومة على ستة آلاف وخمسمائة واحد عشر بيتاً بدأها الشاعر بالثناء على الله عزوجل، ووصف الرسول صلى الله عليه وآله.
حيث يحاول العطار ان يكشف لنا عن الاسرار الكافية في داخل الانسان الذي يمثل اكثر مخلوقات الله تعالى تعقيداً، وتشابكاً، ويروي قصة معرفة الانسان لنفسه من منظاره، ورؤيته.
نظم العطار هذا الكتاب في قالب حوار يجري بين ملك وابنائه الستة حيث يطرح على كل واحد منهم سؤالاً عن امنيته في حياته، فيكشف كل واحد من الابناء عن امنيته.
ويناقشه الاب حول امنيته هذه التي تبدو بعيدة عن الواقع نتيجة لنزق هؤلاء الابناء، وانعدام خبرتهم وتجربتهم في الحياة، فيدور بذلك حوار طريف بين الاب والابناء، يبوح من خلاله الشاعر بالكثير من آرائه، وافكاره، ورؤاه في الجوانب الدينية، والاخلاقية، والاجتماعية.
وبذلك يعد كتاب (الهي نامه) الدفتر المفتوح لحياة الانسان من الازل وحتى الابد بحيث يمكن اعتباره حكاية تروي لنا هدى ورشد الانسان من جهة، وضلاله وضياعه من جهة اخرى.
رغم ان مطالب اولئك الابناء تبدو في الظاهر متباينة، الا انها كلها تمثل رموزاً للانسان وتمنياته.
فالابن الاول يتمنى الالتقاء بشخص اسطوري، والابن الثاني يتمنى ان تكون له مقدرة سحرية تمكنه من ان يحول نفسه الى الشكل والصفات التي يريدها.
فيما يتمنى الابن الثالث ان يمتلك البنورة السحرية التي يستطيع من خلالها ان يرى كل ما يجري في العالم من حوله.
واما الابن الرابع فيساوره التمني بان يمتلك ماء الحياة لكي يكتب له البقاء والخلود في هذه الحياة.
ونرى الابن الخامس يبوح بامنيته لابيه قائلا له انه يتمنى ان يكون خاتم سليمان مُلكاً له لكي تكون له السلطة المطلقة على العالم من خلاله.
واما الابن السادس والاخير فيراوده الامل في ان يتوصل الى اسرار علم الكيمياء الذي يتمكن بواسطته من ان يحول المعادن الى ذهب.
وفي خلال كل ذلك نرى الاب الحكيم المجرب يناقش ويحاور كل واحد من ابنائه محاولاً ان يقنعه بعدم واقعية وموضوعية امنيته، وطالباً منه ان يعمل على تحقيق امنيات اخرى من شأنها ان تنفعه في حياته العملية.
مستعيناً في ذلك بسعة الصدر، ومحاولة التفهم، ومحاولاً اقناعهم عبر الاستناد الى سرد الحكايات المختلفة، وايراد الامثلة المتنوعة، والاتيان بالصور والاستعارات البليغة.
وبذلك يقدم لنا فريد الدين العطار صورة نموذجية متكاملة لما يجب ان يكون عليه الحوار الذي ينشد من خلاله المتحاورون التوصل الى الحقيقة بعيداً عن التعصب، والتطرف.
وفي هذا الاطار، ينقل الاب لكل واحد من ابنائه حكاية، علّه يستطيع عبر التمثيل ان يهديه الى الحقيقة.
وازاء هذه الحكايات، يطرح الابناء ادلتهم وبراهينهم لاثبات مطالبهم، محاولين بذلك اقناع والدهم بصحة آرائهم.
الا اننا نرى الاب، ذلك الشيخ الكبير والخبير والضليع في الحياة، يطرح في كل مرة حكاية جديدة يكشف من خلالها لابنائه سراً آخر من الاسرار الكامنة في الانسان.
ويوفق الاب في النهاية الى ان يعيد ابناءه الى حضيرة الحق، ويهديهم الى المفهوم الحقيقي لـ (الحب) و(التمني) بحيث يكون هذا المفهوم منسجماً، ومتلائماً مع سنن الحياة، وقوانينها.
وبصورة عامة يمكننا القول ان العطار عبر في كتابه (الهي نامه)، او الرسالة الالهية، ان آرائه ووجهات نظره حول الوهم والظن، واكتساب المال والمنصب عن طريق العلم، والتمني، وطلب الجاه والمال.
(باسم مَنْ أضاءَ النفوسَ بنورِ الدين
ووَهَبَ العقلَ اليقينَ في معرفةِ الله
فاكتسبَ كِلا عالَمِ الخَلْقِ الوجودَ منه
فارتفع الفَلَكُ به، وانخفضت به الارضَُ وصارتْ مِهاداً).
بهذه الابيات يبتدئ فريد الدين العطار منظومة عرفانية شهيرة اخرى تعرف باسم (اسرارنامه)، اي رسالة الاسرار او كتاب الاسرار.
حيث تعد هذه المنظومة من اشهر آثار هذا الشاعر العارف، اضف الى ذلك انها تتمتع بمكانة خاصة بين روائع الادب الفارسي الاخرى.
ونحن لانعلم بالضبط التاريخ الدقيق لنظم هذه الاشعار، الا اننا ومن خلال الاستناد الى اسم الكتاب ومفاهيمه، يمكننا ان نعتبر هذه المنظومة شرحاً، وبياناً لدقائق العرفان المبهمة، فقد حال الناظم ان يسلط الضوء على الحقائق العرفانية باسلوب يجمع بين السلاسة والبلاغة.
قُسّم هذا الكتاب الى اثنتين وعشرين مقالة، حيث تختص كل مقالة باصل من اصول العرفان.
وعلى طريقة العرفاء، فان العطار يستعين في كل مقالة بسرد حكايات، واساطير جذابة للغاية في سبيل شرح وبيان تلك الاصول، ويعكف على بيان المعضلات الكلامية للعرفاء.
وتفيد احدى الروايات ان الشاعر العرفاني الشهير جلال الدين المولوي تلقى في شبابه هذا الكتاب من العطار كهدية، وانه استفاد، ونهل منه كثيراً في نظم ديوانه المثنوي بحيث ان الكثير من حكايات اسرارنامه نجدها في المثنوي.
نظم كتاب اسرارنامه بلغة تجمع بين البساطة والسلاسة من جهة، والمضامين القوية والمتينة التي من شأنها ان توصل الى المقصود، من جهة اخرى.
وقد جاءت هذه المنظمة مشتملة على ثلاثة آلاف وثلاثمائة وتسعة ابيات، تطرق فيها العطار الى مختلف الموضوعات العرفانية، والاخلاقية، باسلوب شيق جذاب، لايخلو من الحكاية الطريفة، والنادرة المستساغة، ليسهل من خلال ذلك عملية بيان الاصول والمفاهيم العرفانية، وازاحة النقاب عنها، وكشف مجاهلها، وغوامضها.
*******