البث المباشر

حذيفة بن اليمان

الثلاثاء 22 يونيو 2021 - 21:17 بتوقيت طهران
حذيفة بن اليمان

حذيفة بن اليَمان بن جابر العبسي وكنيته أبا عبد الله وكان صاحب سر رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم.

جاء ‏حذيفة هو وأخـوه ووالدهمـا الى رسـول الله واعتنقوا الإسلام ولقد نما رضي الله عنه في ظل هذا الديـن، وكانت ‏له موهبـة في قراءة الوجوه و السرائر، فعاش مفتوح البصر والبصيرة على مآتي الفتن ومسالك الشرور ليتقيها، ‏فقد جاء الى الرسول يسأله: يا رسول الله ان لي لسانا ذربا على أهلي وأخشى أن يدخلني النار...
فقال له النبي: ‏فأين أنت من الاستغفار؟؟...اني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة. ‏

*******
يوم أحد ‏

لقد كان في ايمانه رضي الله عنه وولائه قويا، فها هو يرى والده يقتل خطأ يوم أحد بأيدي مسلمة، فقد رأى ‏السيوف تنوشه فصاح بضاربيه: أبي، أبي، انه أبي !!...ولكن أمر الله قد نفذ، وحين علم المسلمون تولاهم ‏الحزن والوجوم، لكنه نظر اليهم اشفاقا وقال: يغفر الله لكم، وهو أرحم الراحمين...ثم انطلق بسيفه يؤدي ‏واجبه في المعركة الدائرة...وبعد انتهاء المعركة علم الرسول صلى الله عليه و آله وسلم بذلك، فأمر بالدية عن ‏والد حذيفة حسيل بن جابر ولكن تصدق بها حذيفة على المسلمين، فزداد الرسول له حباً وتقديراً... ‏

*******
غزوة الخندق

عندما دب الفشل في صفوف المشركين وحلفائهم واختلف أمرهم وفرق الله جماعتهم، دعا الرسول صلى الله عليه ‏و آله وسلم حذيفة بن اليمان، وكان الطقس باردا والقوم يعانون من الخوف والجوع، وقال له: يا حذيفة، اذهب ‏فادخل في القوم فانظر ماذا يصنعون، ولا تحدثن شيئا حتى تأتينا!...فذهب ودخل في القوم، والريح وجنود الله ‏تفعل بهم ما تفعل لاتقر لهم قدرا ولا نارا ولا بناء، فقام أبوسفيان فقال: يا معشر قريش، لينظر امرؤ من جليسه ‏؟...
قال حذيفة: فأخذت بيد الرجل الذي كان الى جنبي فقلت: من أنت؟
قال: فلان بن فلان...فأمن نفسه ‏في المعسكر، ثم قال أبو سفيان: يا معشر قريش، انكم والله ما أصبحتم بدار مقام، لقد هلك الكراع والخف، ‏وأخلفتنا بنوقريظة، وبلغنا عنهم الذي نكره، ولقينا من شدة الريح ما ترون، ما تطمئن لنا قدر، ولا تقوم لنا نار، ‏ولا يستمسك لنا بناء، فارتحلوا فاني مرتحل...ثم نهض فوق جمله، وبدأ المسير، يقول حذيفة: لولا عهد رسول ‏الله صلى الله عليه و آله وسلم الي الا تحدث شيئا حتى تأتيني، لقتلته بسهم...وعاد حذيفة الى الرسول الكريم ‏حاملا له البشرى... ‏

*******
خوفه من الشر

كان حذيفة رضي الله عنه يرى أن الخير واضح في الحياة، ولكن الشر هو المخفي، لذا فهو يقول:... ‏
كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني... ‏
قلت: يا رسول الله، انا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟...
قال: نعم ‏‏... ‏
قلت: فهل من بعد هذا الشر من خير؟...
قال: نعم، وفيه دخن... ‏
قلت: وما دخنه؟...
قال: قوم يستنون بغير سنتي، ويهتدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر... ‏
قلت: وهل بعد ذلك الخير من شر؟...
قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم اليها قذفوه فيها... ‏

*******
المنافقون

كان حذيفة رضي الله عنه يعلم أسماء المنافقين، أعلمه بهم رسول الله صلى الله عليه و آله. ‏
وكان عمر إذا مات ميّت يسأل عن حذيفة، فإن حضر الصلاة عليه صلى عليه عمر، وإن لم يحضر حذيفة ‏الصلاة عليه لم يحضر عمر... ‏
آخر ما سمع من الرسول ‏
عن حذيفة قال: أتيتُ رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم في مرضه الذي توفاه الله فيه، فقلت: يا رسول الله، ‏كيف أصبحت بأبي أنت وأمي؟!...فردَّ عليّ بما شاء الله ثم قال: يا حذيفة أدْنُ منّي...فدنوتُ من تلقاء ‏وجههِ، قال: يا حُذيفة إنّه من ختم الله به بصومِ يومٍ، أرادَ به الله تعالى أدْخَلَهُ الله الجنة، ومن أطعم جائعاً أراد به ‏الله، أدخله الله الجنة، ومن كسا عارياً أراد به الله، أدخله الله الجنة...
قلتُ: يا رسول الله، أسرّ هذا الحديث أم ‏أعلنه...
قال: بلْ أعلنْهُ...فهذا آخر شيءٍ سمعته من رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم... ‏

*******
أهل المدائن

خرج أهل المدائن لاستقبال حذيفة عند عُين والياً عليها، فأبصروا أمامهم رجلا يركب حماره ‏على ظهره اكاف قديم، وأمسك بيديه رغيفا وملحا، وهو يأكل ويمضغ، وكاد يطير صوابهم عندما علموا أنه ‏الوالي حذيفة بن اليمان المنتظر، ففي بلاد فارس لم يعهدوا الولاة كذلك، وحين رآهم حذيفة يحدقون به قال لهم: ‏اياكم ومواقف الفتن...
قالوا: وما مواقف الفتن يا أبا عبد الله؟...
قال: أبواب الأمراء، يدخل أحدكم على ‏الأمير أو الوالي، فيصدقه بالكذب، ويمتدحه بما ليس فيه...فكانت هذه البداية أصدق تعبير عن شخصية الحاكم ‏الجديد، ومنهجه في الولاية.‏

*******
معركة نهاوند

‏في معركة نهاوند حيث احتشد الفرس في مائة ألف مقاتل وخمسين ألفا، اختار الخليفة عمر لقيادة الجيوش ‏المسلمة النعمان بن مقرن ثم كتب الى حذيفة أن يسير اليه على رأس جيش من الكوفة، وأرسل عمر للمقاتلين ‏كتابه يقول: اذا اجتمع المسلمون، فليكن كل أمير على جيشه، وليكن أمير الجيوش جميعا النعمان بن مقرن، فاذا ‏استشهد النعمان فليأخذ الراية حذيفة، فاذا استشهد فجرير بن عبد الله...وهكذا استمر يختار قواد المعركة حتى ‏سمى منهم سبعة... ‏
والتقى الجيشان ونشب قتال قوي، وسقط القائد النعمان شهيدا، وقبل أن تسقط الراية كان القائد الجديد حذيفة ‏يرفعها عالياً وأوصى بألا يذاع نبأ استشهاد النعمان حتى تنجلي المعركة، ودعا نعيم بن مقرن فجعله مكان أخيه ‏النعمان تكريما له، ثم هجم على الفرس صائحا: الله أكبر: صدق وعده، الله أكبر: نصر جنده...ثم نادى ‏المسلمين قائلا: يا أتباع محمد، ها هي ذي جنان الله تتهيأ لاستقبالكم، فلا تطيلوا عليها الانتظار...وانتهى ‏القتال بهزيمة ساحقة للفرس... ‏
وكان فتح همدان والريّ والدينور على يده، وشهد فتح الجزيرة ونزل نصيبين، وتزوّج فيه... ‏

*******
اختياره للكوفة

أنزل مناخ المدائن بالعرب المسلمين أذى بليغا، فكتب عمر لسعد بن أبي وقاص كي يغادرها فورا بعد أن يجد ‏مكانا ملائما للمسلمين، فوكل أمر اختيار المكان لحذيفة بن اليمان ومعه سلمان بن زياد، فلما بلغا أرض الكوفة ‏وكانت حصباء جرداء مرملة، قال حذيفة لصاحبه: هنا المنزل ان شاء الله وهكذا خططت الكوفة وتحولت الى ‏مدينة عامرة، وشفي سقيم المسلمين وقوي ضعيفهم... ‏

*******
وفاته

لمّا نزل بحذيفة الموت جزع جزعاً شديداً وبكى بكاءً كثيراً، فقيل: ما يبكيك؟...
فقال: ما أبكي أسفاً على ‏الدنيا، بل الموت أحب إليّ، ولكنّي لا أدري على ما أقدم على رضىً أم على سخطٍ... ‏
ودخل عليه بعض أصحابه، فسألهم: أجئتم معكم بأكفان؟...
قالوا: نعم...
قال: أرونيها...فوجدها جديدة ‏فارهة، فابتسم وقال لهم: ما هذا لي بكفن، انما يكفيني لفافتان بيضاوان ليس معهما قميص، فاني لن أترك في ‏القبر الا قليلا، حتى أبدل خيرا منهما، أو شرا منهما...ثم تمتم بكلمات: مرحبا بالموت، حبيب جاء على شوق، ‏لا أفلح من ندم...وأسلم الروح الطاهرة لبارئها في أحد أيام العام الهجري السادس والثلاثين بالمدائن، وبعد ‏مَقْتلِ عثمان بأربعين ليلة... ‏

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة