البث المباشر

جعفر بن الحسين عليه السلام

الثلاثاء 17 سبتمبر 2019 - 13:49 بتوقيت طهران

 

السلام عليكم أيها الإخوة والأخوات ورحمة الله تحية مباركة طيبة نحييكم بها في مطلع أولى حلقات هذا البرنامج وفيها سنسير في عالم المعنى مع السبايا المظلومين من حرم رسول الله – صلى الله عليه وآله – وهم يقاسون بروح الصبر الزينبي آلام رحلة السبي المفجعة.
وهي رحلة بدأت إثر مصرع سيد الشهداء أبي عبدالله الحسين – صلوات الله عليه – واستمرت عبر منازل السبي الى طاغيتي الكوفة والشام، عبيد الله بن زياد ويزيد بن معاوية ثم عودتهم الى المدينة وسبيهم ثانية نفياً الى مصر.
ونستشرف في معايشتنا المعنوية لهذه الرحلة الملحمية، أخبار شهدائها الأبرار الذين قضوا نحبهم في هذه الرحلة ولعديد منهم مشاهد مقدسة في منازل رحلة السبي، شاء الله أن يجعلها منارات هادية للقيام الحسيني المقدس ولقيم الولاية لأولياء الله والبراءة من أعدائهم.
ونخصص لقاء اليوم للحديث عن أول شهداء السبي وهو:
الغلام الغيور من آل الحسين عليه السلام
مستمعينا الأفاضل، بدأت عملية سبي العيالات المحمدية يوم عاشوراء بالهجوم البشع الذي شنه أشياع آل أبي سفيان على المخيم الحسيني وقد نص المؤرخون على أن هذا الهجوم كان تسابقياً لسلب ونهب العيالات المحمدية حتى أن المرأة كانت تسلب مقنعتها وعباءتها وملحفتها كما ورد في رواية الطبري والمفيد وغيرهما من مؤرخي الفريقين. وفي خضم هذا الهجوم الشرس خرج من الخيام من وصفه المؤرخون بأنه "غلام من آل الحسين" وهو يحمل عوداً، فما الذي دفعه للخروج؟
لقد خرج – سلام الله عليه – لكي يحامي بذلك العود عن عيالات سيده الحسين وهي من حرم جده المصطفى – صلى الله عليه وآله - . وبذلك سجل هذا الغلام الشهيد درساً بليغاً للأجيال في الغيرة الإيمانية على الحرمات المحمدية وهو يلبي دعوة سيد الشهداء حيث ارتجز – عليه السلام – في قتاله الأخير قائلاً:

أنا الحسين بن علي

آليت أن لا أنثني

أحمي عيالات أبي

أمضي على دين النبي


أيها الإخوة والأخوات.. نستجلي معاً ما ذكره المؤرخون بشأن ملحمة هذا الشهيد المعظم من شهداء السبي فنقرأ اولاً نصوص رواياتها وهي ثلاث.. أشهرها ما رواه ابن الأثير في الكامل وابن كثير في البداية والنهاية والطبري في تاريخه والحافظ الخوارزمي في مقتل الحسين وغيرهم مسنداً عن هاني بن ثبيت الحضرمي قال واللفظ للطبري:
كنت ممن شهد قتل الحسين فو الله إني لواقف عاشر عاشرة، ليس منا رجل إلا على فرس، وقد جالت الخيل وتصعصعت – أي اضطربت – إذ خرج غلام من آل الحسين وهو ممسك بعود من تلك الأبنية، عليه إزار وقميص وهو مذعور يتلفت يميناً وشمالاً، فكأني أنظر الى درتين تذبذبان كلما التفت، إذ أقبل رجل يركض حتى إذا دنا منه مال عن فرسه، ثم اقتصد الغلام فقطعه بالسيف.
قال السكوني – وهو الراوي عن الحضرمي - : هاني بن ثبيت هو صاحب الغلام فلما عتب عليه – أي لقتله صبياً كنى عن نفسه.
هذه هي أعزاؤنا الرواية الأولى، أما الرواية الثانية فقد نقلت عن كتاب (كفاية الطالب) للكنجي الشافعي عن أبي مخنف طبق ما جاء في كتاب (منتهى المقال) وغيره وجاء فيها:
عن حميد بن مسلم الأزدي قال: لما صرع الحسين – عليه السلام – وهجم القوم على المخيم للسلب وتصايحت النساء خرج غلام مذعور من تلك الأبنية – أي الخيام – يلتفت يميناً وشمالاً فشد عليه فارس فضربه بالسيف فقتله
أما الرواية الثالثة – مستمعينا الأكارم – فقد نقلها العالم الجليل السيد محمد بن أبي طالب في كتاب تسلية المجالس وجاء فيها قول الراوي:
وخرج غلام من تلك الأبنية وفي أذنيه درتان وهو مذعور فجعل يلتفت يميناً وشمالاً، فحمل عليه فصارت أمه شهربانو تنظر إليه ولا تتلكم كالمدهوشة
أيها الأكارم، ما الذي تكشف عنه هذه الروايات بشأن كيفية استشهاد هذا الغلام الحسيني الغيور – عليه السلام -؟ وما هو المعلم الرئيسي للملحمة الجهادية التي سجلها – عليه السلام – ضمن ملاحم شهداء السبي؟
نتلمس الإجابة عن هذين السؤالين ونحن نتعرف الى دلالات هذه الروايات من أخينا الحاج عباس باقري في الدقائق التالية:
باقري: بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم أيها الأكارم ورحمة الله وبركاته. 
أول ما نستفيده من هذه الروايات الثلاث صغر سن هذا الشهيد الغيور، واضح وصف درتين في أذنيه تتذيذبان، وصف هذا الغلام. هذه الأوصاف تشير الى صغر سنه وقد صرح بعض العلماء بذلك، العلامة في تنقيح المقالة او بعض أرباب المقاتل ذكر ذلك، ذكروا بأن عمره الشريف كان سبع سنين، اذن في هذا العمر المبكر يخرج هذا الغلام وهو يحمل عوداً من عيدان المخيم، عودأ صغيراً بطبيعة الحال، واضح أنه يحمل العود وقد جاء بعد أن تصايحت النساء، جاءت بعد أن شاهد هذا الغلام تسابق الخيول الهائجة، تسابق العتاة على نهب وسلب عيالات نبي الله الأكرم صلى الله عليه وآله. عندما نعرف أخلاق علي وآل علي نطمئن بأن خروج هذا الغلام جاء للدفاع عن العيالات النبوية. اذا كان هناك وصف آخر فما معنى حمله لعود، حمل ليقاتل بهذا العود اولئك العتاة. هذا أمر واضح من الأخلاق العلوية التي تجلت في السبايا المحمديين جميعاً ومنهم هذا الغلام الغيور. وصف هذه الروايات له بأنه مذعور هو وصف يعكس تصور الراوي وهو ايضاً قاتل هذا الغلام، نلاحظ أنه قتله بصورة بشعة، قطعه، الرواية تصر، تصرح بأنه قطعه يعني أكثر من ضربة لهذا الغلام. مثل هذه القتلة تشير الى حالة من الحقد والتشفي في القتل، هذا الأمر يفسر وصفه بالمذعور يعني هاني بن ثبيت الحضرمي عندما رأى هذه الحالة، غلام صغير السن يخرج ويتحداهم بعود، يتحدى الجفاة بعود، هذا الأمر أثار الرعب والحقد في آن واحد لذلك عكس حالة الرعب بأنه وصف الغلام بأنه مذعور لذلك إبن الأثير لم يقتنع بهذه الصفة لذلك وصفه في الرواية، نقل الرواية إبن الأثير بوصف وتعبير وكأنه مذعور. يعني يشير وصف الراوي وليست هذه هي الحقيقة في هذا الغلام، هذا الغلام الذي يخرج بعود يتحدى اولئك الجفاة، العتاة، الطغاة لايمكن أن يكون مذعوراً. هنالك غيرة إيمانية ظهرت في هذا الغلام فدفعته الى أن يتحدى اولئك الطغاة بذلك العود مدافعاً عن العيالات النبوية وهذا هو الفهم الأقرب الى الخصائص الايمانية آل الحسين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. قضية والدة هذا الغلام هي ايضاً من شهداء السبي كما سيأتي إن شاء الله في حلقات مقبلة، هذه السيدة الطاهرة عندما خرجت خلف الغلام أرادت أن تمسكه على ما يبدو من جو الرواية ولكنها لم تستطع ذاك فعندما فوجئت بمنظر تقطيعه وقفت مدهوشة لاتتكلم، هذا الوصف يشير الى بشاعة القتله التي قتل بها اولئك الجفاة، الطغاة هذا الغلام الحسيني الغيور صلوات الله عليه وعلى آباءه الطاهرين. 
نشكر أخانا الحاج عباس باقري على هذه التوضيحات ونتابع، أعزاءنا مستمعي إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، تقديم أولى حلقات برنامج (شهداء السبي).
ونبقى أيها الأكارم مع أول هؤلاء الشهداء الكرام وهو الذي وصفه المؤرخون بأنه (غلام من آل الحسين)، فما هو – عليه السلام -؟
لاحظنا في رواية الطبري وابن الأثير والخوارزمي وغيرهم أنها لم تذكر إسمه واكتفت بالوصف المتقدم.
وقد ذكر بعض العلماء إستناداً الى رواية الكنجي الشافعي في كتاب (كفاية الطالب) بأن هذا الغلام هو محمد بن أبي سعيد بن عقيل وهذا القول مردود بما أوردته معظم المصادر المعتبرة بأن محمداً بن أبي سعيد بن عقيل – عليه السلام – كان ابن خمس وعشرين سنة يوم عاشوراء وهو زوج السيدة فاطمة الصغرى بنت أميرالمؤمنين – عليهما السلام – وقد استشهد قبل الحسين – عليه السلام – في حملة الطالبيين وحمل رأسه مع السبايا الى دمشق كما نص على ذلك المؤرخون وعلماء الأنساب ولذلك فهو – عليه السلام – ليس غلاماً صغيراً كما صرحت بذلك الروايات التي نقلناها سابقاً، إضافة الى تصريح المؤرخين بأنه قاتل وقاتله لقيط بن ياسر وغير ذلك من شواهد عدة تصرح بوضوح أنه ليس أول شهداء السبي.
من جزم عدة من العلماء بأنه من ولد الحسين – عليه السلام – كالشيخ المحقق الجليل عبد الواحد المظفر في كتاب (سفير الحسين)، ورجح العلامة آية الله ابوالفضل الطهراني في شرحه لزيارة عاشوراء بأن هذا الغلام الغيور هو جعفر بن الحسين – عليه السلام -.
ويؤيد ذلك ما نص عليه ابن سعد في الطبقات من استشهاد ولد للحسين يوم عاشوراء إسمه جعفر، وهذا ما صرح به الحافظ الحلبي في كتاب مناقب آل أبي طالب.
أما المؤرخ ابن قتيبة فقد عد جعفر بن الحسين ضمن الأسرى كما جاء في كتاب الإمامة والسياسة، وفي عدة ضمن الأسرى إشارة الى أن استشهاده – عليه السلام – كان بعد بدء السبي فهو أول شهداء ملاحم السبايا المحمديين.
أيها الأكارم ونختم اللقاء بأبيات مؤثرة لأحد أدباء الولاء يرثي فيها هذا الغلام الحسيني الغيور قائلاً:

حمراء سالت من فؤادي أدمعي

لأغر من آل الحسين مقطع

هو من حسين جعفر بنمى الى

نبع الشجاعة والهصور الأروع

قمر أطل بغيره علوية

يهفو لها قلب الغيور الألمعي

لما أرى زمر العتاة بخيلهم

صوب الخيام في سباق أفظع

جالوا لسلب الطاهرات مقانعاً

من غزل فاطمة وأقدس ملفع

من بعد مصرع كهفها وحماتها

خرج الغلام من الخباء الأنصع

ليذب عن حرم الرسول مدافعاً

بالعود أسياف العتاة الخنع

فأتاه سيف الغادرين مقطعاً

كبد الرسول وفاطم والأنزع

لهفي لوالدة الغلام وقد رأت

جسد الحبيب كبرعم متقطع

دهشت فما نطقت لينطق ثكلها

بآحر آهات وقاني المدمع


نشكركم أيها الأكارم لكرم متابعتكم لأولى حلقات برنامج (شهداء السبي) إستمعتم لها من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران .. دمتم في أمان الله.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة