نتابع حديثنا عن الادعية المباركة وما تتضمنه من النكات العقائدية والاخلاقية والعبادية والمعرفية بعامة، ومن ذلك الدعاء الذي يتلى في زمان الغيبة، (غيبة الامام المهدي(ع))، حيث حدثناك عن جملة مقاطع متسلسلة منه، ونتابع جديداً من ذلك لقد لاحظنا ـ في لقاء سابق ـ هذا المقطع من الدعاء (اللهم ولا تسلبنا اليقين لطول الامد في غيبته، وانقطاع خبره عنا) وهو ما حدثناك عنه، وكيف لو تابعنا ذلك لواجهنا جملة عبارات متممة لموضوع الغيبة وانقطاع خبرها، حيث يقول المقطع (وانقطاع خبره عنا، ولا تنسنا ذكره، وانتظاره، والايمان به، وقوة اليقين في ظهوره، والصلاة عليه).. نحن الآن امام جملة توسلات بالله تعالى من حيث التماسنا منه تعالى بالا ينسينا ذكر الامام المهدي(ع) وكذلك انتظاره وكذلك الايمان به، وقوة يقيننا في ظهوره، والصلاة عليه ... هذه السلسلة من التوسلات التي تبدو وكأنها مجرد عبارات مألوفة ومتماثلة تحتاج الى مزيد من الاضاءة لدلالتها وهذا ما نبدأ به الآن ...
لقد كانت البداية لمقطع الدعاء الذي نحن بصدده تقول: (لا تسلبنا اليقين لطول الامد في غيبته، وانقطاع خبره)، ويقول الوسط من المقطع بان يقوينا الله تعالى على يقيننا في ظهوره.
واول سؤال يتبادر الى الذهن هو ان الدعاء يتوسل بالله تعالى بالا نسلب يقيننا في غيبته، وبعد ذلك يطلب قوة اليقين في ظهوره ... فهنا نواجه مستويين من التوسل ينطويان على نكتة نأمل بان نتأملها بدقة لانها ترتبط بوظائف المنتظر للامام(ع) فما هي؟ ... انه من الممكن في حالة ما اذا تفاقم الامر، وبلغت الشدائد منتهاها من حيث انتشار الظلم لدرجة القنوط مثلاً من الممكن ان التركيبة النفسية للبشر، تسمح بذلك، ان يفقد الانسان يقينه اساساً بمفهوم الغيبة، حيث ثمة فارق بين الايمان بالغيبة وبين الايمان بزمن الظهور، فقد يؤمن ضعيف الايمان بالغيبة ويؤمن بحتمية الظهور ولكن في حالة تفاقم الامر وطول الغيبة يفقد ايمانه اساساً او يضعف كثيراً ... وهذا ما حذرتنا العبارتان اللتان اشرنا اليهما ونعني بهما: التوسل بالا نسلب اليقين بغيبة الامام(ع) وان يقوي يقيننا بظهوره ... كيف ذلك؟ نكرر الاجابة لاهميتها ...
من البين ان طول الغيبة قد تسلب الشخصية يقينها بمفهوم الغيبة، ولكن اذا كان لديها الايمان بالغيبة ضعيفاً حينئذ من الممكن في حالة دراستها للامر او توفيق الله تعالى اياها ان يقوي ايمانها ويتلاشى ضعفها، وهذا ما طلبه الدعاء من الله تعالى بان يقوي يقيننا بالظهور بيد انه طلب من الله تعالى بالا يسلب ذلك بالنسبة الى مفهوم الغيبة فاليقين مطلوب في الحالتين حالة يقيننا بالغيبة اساساً بعد طولها، وحالة يقيننا بالظهور بعد ذلك ...
والآن نتجه الى نكتة اخرى في الدعاء هي: ان الدعاء مرة يقول "لا تسلبنا اليقين لطول الامد"، واخرى يقول "وانقطاع خبره عنا"... فهنا فارق نرجو من قارئ الدعاء ان ينتبه عليه وهو ان يقين الشخصية بالامام الغائب(ع) مرة يتعلق بطول الغيبة، ومرة يتعلق بعدم الخبر عنها. ومرة يتعلق بهما ... والحديث جميعاً يتعلق بضعيف الايمان او بمن يمتلك ضعفاً نفسياً لا تسمح له اعصابه او تركيبته النفسية بان يتحمل طول الغيبة او انقطاع الخبر عن ذلك ... من هنا قد نجد ضعيف الايمان عندما يطول امد الغيبة يفقد يقينه بها ... وقد لا يحتفظ بيقينه اذا انقطع عنه خبر الظهور حيث يفتقد المبشرات مثلاً "من خلال الرؤى او التوقعات او الرؤية من الصالحين ...الخ"، حينئذ يضعف يقينه ولذلك يتوسل الدعاء بتقوية يقين امثلة هذا الشخص بينما توسل الدعاء بالا يسلب يقين الشخص في حالة ما اذا طال امد الغيبة.
اذن امكننا ان ننتبه على جملة نكات ومن ضمنها هناك نكات اخرى تتصل بالعبارات المتوسلة بالا ننسى ذكر الامام والا ننسى انتظاره والا ننسى الايمان به وان ندعو له، وهو ما نحدثك عنه لاحقاً ان شاء الله تعالى وحسبنا ان نتجه فعلاً الى الدعاء له والتوفيق بان نصبح من المدركين لظهوره والمشاركين في معركته الاصلاحية والتوفيق لممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******