لا نزال نحدثك عن الادعية المباركة ومنها الدعاء الذي يتلى في زمان الغيبة (غيبة امام العصر(ع))، حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، وانتهينا من ذلك الى مقطع يقول بانه(ع): (الطاهر، التقي، الزكي، النقي، الرضي، المرضي، الشكور، المجتهد). لقد حدثناك عن هذه السمات عدا كل من سمة "الشكور" و"المجتهد" ونبدأ بالحديث عن صفة "الشكور" ... فماذا تعني؟
طبيعياً انك لا تجهل دلالة صفة الشكور لانها من الوضوح بمكان بيد ان هدفنا دائماً هو البحث عن النكات او الحصيلة الدلالية المتمثلة في طرافة الموضوع وعمقه وشموله...الخ.
فبالنسبة الى "الشكور" ينبغي لفت النظر الى صيغته حيث تعني الكثير الشكر، او لنقل الشكور هي صنيعة المبالغة في الشكر ... والمهم هو ان هذه السمة "الشكور" تظل مثل سائر ما لاحظناه من سمات الامام المهدي(ع) حيث يختص بها بنحو يختلف ـ كما كررناه ـ عن سائر المؤمنين لان خصوصية الامام(ع) وعصمته تتناغم مع خصوصية السمات التي يخلعها الدعاء على الامام(ع) ... بيد ان ما نود لفت الانتباه عليه هو ان الله تعالى في كتابه الكريم طالما يخص كل نبي بسمة له، وقد اوضحنا في لقاء سابق هذه الظاهرة واشرنا الى ان الله تعالى خص ابراهيم بانه "الخليل" وموسى(ع) بانه "الكليم"، واسماعيل بانه "صادق الوعد"، وايوب بانه "الصابر"، وهكذا ... واما بالنسبة الى "الشكور" فقد خص الله تعالى بها نوحاً(ع) حيث قال تعالى (ذرية من حملنا مع نوح انه كان عبداً شكوراً)... طبيعياً كل الانبياء ينسحب عليهم هذا الوصف وسواه ولكن ـ كما قلنا ـ ان كل نبي يتميز بسمة يعرف بها حيث ان سمة "الشكر" خلعها الله تعالى على جملة انبياء مثل سليمان وداود وسواهما، والاهم الان هو ان نعرض لهذه السمة ولو سريعاً مما لا شك فيه ان اهمية الشكر تتمثل في كونه يعد تجسيداً او تعبيراً على تقدير الشخصية لما منحها الله تعالى من النعم بل ان عملية الشكر تطالب به النصوص الشرعية حتى بالنسبة الى العلاقات الاجتماعية بين طرف وآخر حيث تجمع التوصيات الواردة عن المعصومين (عليهم السلام) بان الشكر لاي محسن ينبغي ان تقدمه لشخصية والى من احسن اليها ...
وقد يتساءل قارئ الدعاء لماذا يخلع المشرع الاسلامي هذه الاهمية على الشكر؟ ... ونجيبه بالقول ان الشكر ـ كما اشرنا ـ تعبير عن تقدير الشخصية للاحسان الذي صدر عنه الاخر، ويقابله الجحود، الذي يعني عدم اهتمام الشخصية بالاخر وباحسانه او انكار ذلك "والعياذ بالله تعالى" والتعليل لهذه الظاهرة من الوضوح بمكان لان الشخصية غير الشاكرة للمحسن يظل متساوياً لديها الاحسان والاساءة او عدم الاحسان حينئذ تتلاشى القيم الانسانية وتفقد دلالتها. وهذا كله فيما يتصل بشكر العبد للعبد ولكن ماذا عن الله تعالى؟
ان الله تعالى طالما اشار الى اننا مهما عددنا نعم الله تعالى على البشرية لما احصيناها (وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها) ... من هنا فان الشكر على ذلك يعد التعبير الصحيح عن تثمين الشخصية وتقديرها لنعم الله عليها.
ولعل ابرز المعطيات التي تترتب على الشكر هي ان الله تعالى يزيد النعمة على عبده تبعاً لقوله تعالى (لئن شكرتم لازيدنكم) ...
وهذا يعني ان معطيات الشكر ذات جانب روحي وآخر نفعي بصفة ان الجانب الروحي يتمثل في تثميننا لنعم الله تعالى وان الجانب النفعي يتمثل في زيادة نعمه تعالى من خلال شكر اياه ...
على اية حال يعنينا ان نشير الى ان الدعاء الذي نحن بصدده عندما يصف الامام(ع) بانه الشكور فان السمة المذكورة تنسحب على شخصية الامام العامة بنفس المستوى الذي تنسحب على شخصيته المرتبطة بالظهور وبالحركة الاصلاحية التي ستضطلع بها في القريب العاجل انشاء الله تعالى ان نفس المهمة الاصلاحية التي اوكلها تعالى الى امام العصر(ع) تقترن بلا شك مع عملية الشكر ليس الشكر البسيط بل الشكر في اعلى ذراه حيث ان صيغة المبالغة في عبارة الشكور تكشف عن الحقيقة المشار اليها.
ختاماً: نتوسل بالله تعالى بان يجعلنا من الشاكرين ومن الذين يمارسون الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******