نواصل حديثنا عن الادعية المباركة'>الادعية المباركة ومنها دعاء الجوشن الكبير حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منها وانتهينا من ذلك الى مقطع ورد فيه: (يا راحم العبرات يا مقيل العثرات يا ساتر العورات الى آخره) وهذا ما نبدأ به الآن، فنحدثك عن العبارة الاولى وهي: (يا راحم العبرات) فماذا نستخلص منها؟
من الواضح أن عبارة: (يا راحم العبرات) وهي رمز او اشارة الى الاشخاص الذين يعانون شدة من شدائد الحياة مادية كانت او معنوية بحيث تستدعي البكاء نظراً لكونها غير عادية اي الشدة البالغة حجماً كبيراً في نمطها ومن الواضح كذلك أن الله تعالى هو: «الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ » بل هو «أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ» وحينئذ فان رحمته الواسعة بل رحمته التي لا حدود لها تظل مفسرة لنا معنى(يا راحم العبرات) إن الله تعالى حينما يرى احد عباده وهو يبكي ويذرف الدموع حينئذ فإن الرحمة المذكورة سوف يغدقها على العبد فيرحمه بحيث يزيل الشدة عنه.
هنا نتجه إلى امكانية أن نستخلص من عبارة (يا راحم العبرات) دلالة اخرى هي، العبرات التي تسكب مثلاً عن خوف من الله تعالى، او استحضار مصيبة الامام الحسين (عليه السّلام) ونحو ذلك حينئذ فانّ (الرحمة) من الله تعالى سوف تغدق على مثل هذا العبد الباكي من شدة ذنوبه، او الباكي على مصائب اهل البيت (عليهم السّلام)، بعد ذلك نتجه الى عبارة (يا مقيل العثرات) فماذا نستخلص منها؟
الجواب: أن الشخصية أياً كان نمطها وحجم وعيها وذكاءها وتقواها فإنها معرضة للوقوع في الخطأ او الذنب، ومن هنا فإن عبارة(يا مقيل العثرات) تظل كسابقتها رمزاً او اشارة الى وقوعها في الخطأ او الذنب والرمز هو أن الماشي مثلاً ربما يتعثّر بخطوة (كما لو عثر بحجارة او شوكة او نحوهما) حينئذ فان عثرته المذكورة لا تحسم سلوكاً يتسم بالديمومة بل يتسم بالصدفة اذا صحّ التعبير والمهم أن ملاقاة هذه العثرة هي، إقالة الشخصية من ذلك أي: انهاضها من العثرة التي تعرضت لها.
والسؤال هو: ما هي الموارد او المصاديق التي يمكننا أن نستخلصها من عبارة: (يا مقيل العثرات)؟
لا نحتاج الى تأمل كبير حتى ندرك سريعاً بأنّ العثرة - كما أشرنا- رمز للوقوع في الخطأ او الذنب، وبما أن الله تعالى هو الرحيم بعباده حينئذ فان الشخصية عندما تتعرض (للخطأ) او (الذنب) حينئذ فإن الله تبارك وتعالى ينهضها من عثرتها المشار اليها وذلك بان يغفر لها (الذنب) ولا يرتّب اثراً على (الخطأ) سواء كان الخطأ عيباً في نظر الناس ونظر الشخصية ذاتها حيث لا يجعلها تتعرض الى نقد الناس وإعابتهم إياها وتغييرهم.
إذن إن الله تعالى في الحالتين اي حالة الخطأ او حالة الذنب، لا يرتـّب اثراً على ذلك انطلاقاً من رحمته غير المحدودة.
ختاماً نسأله تعالى أن يرحمنا برحمته التي لا حدود لها وأن يرحم عبراتنا ويقيل عثراتنا، ويستر علينا، ويوفقنا الى طاعته والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******